مشاكل الصحافة التي لا تنتهي..
هوية بريس – يونس فنيش
هذا مقال لمحاولة فض النزاع بين الأستاذ حميد المهداوي و الأستاذ رضوان الرمضاني، و هو مقال أيضا و بالمناسبة عبارة عن آخر الكلام لمحاولة إنهاء أو إيجاد بداية حل لجدال عقيم يهم الصحافة و الصحفيين.
فبعد المناقشة الحادة بين المهداوي و الرمضاني التي وصلت إلى الحضيض، بات من الضروري الإدلاء برأي و آراء محايدة موضوعية صادقة بلا لف و لا دوران، نظرا لعلاقة الموضوع بالمجتمع ككل، و بما أن كلا الطرفين ناشطين في اليوتوب و يستقطبان مشاهدين كثر إلى درجة الإستحواد على كثلة لا يستهان بها، نسبيا، من الرأي العام.
فمن خلال تلك المواجهة، تبين لكثير من الناس، و بالملموس، أن مهنة الصحافة ربما وصلت إلى نهايتها في عصر السوشيال ميديا و الإنترنت، و في حديث آخر أضحت مجرد ميكرفونات في حوزة عامة الناس، متعلمين و أميين، و مهنة من لا مهنة له. طيب.
الرمضاني يعمل كصحفي في إذاعة عمومية و في قناة تلفزية عمومية أيضا و بدون بطاقة الصحافة و لا إجازة، حسب إفادة صديقه المهداوي الذي يعمل كصحفي يتوفر على بطاقة الصحافة و حاصل على الإجازة، ولكنه يعمل كمستخدم في اليوتوب، إذا اعتبرنا أن هذا الأخير هو مشغله، بأسلوب يغلب عليه الإلقاء الشفوي الذي لا يحتكم لأدبيات العمل الصحفي و لا لعلوم الإعلام و الإتصال، إلا في مناسبات معينة حيث يحترم قواعد المهنية، سنأتي ربما على ذكرها.
و يبقى الهدف الأسمى بالنسبة للأول و الثاني هو رفع نسبة المشاهدات، بغض النظر عن أي تأطير علمي أو مهني، و بالتالي قد تكون المواجهة الأخيرة بين الطرفين حسب بعض المتتبعين مدبرة ضمنيا أو إلى حد ما بينهم من أجل تحقيق “البوز”، أو ربما من أجل الإلهاء عن المشاكل الحقيقية التي تواجه المجتمع في هذه الأوقات الصعبة التي يمر بها حسب وجهة نظر أخرى، و الله أعلم.
و يبقى المهم و الأهم أن لابد للعبث أن يتوقف، فإما أن نقر بنهاية مهنة الصحافة و أن نلغي نقابة الصحفيين و بطاقاتهم التي توزع بشكل مبهم، أو أن نقف عند هذا الحد و نصحح و نغير مدونة أو قانون الصحافة، و نعيد النظر في شروط الحصول على بطاقة الصحافة و علاقتها بالمعهد العالي للإعلام و الإتصال، مثلا، و بكل وضوح، إذ السؤال الذي يعيد نفسه قد يكون هو كيف لمن لم يمر من هذا المعهد أن يلج مهنة الصحافة أو أن يعمل في ميدان ليس من تخصصه؟
و بعيدا عن الجواب على هذا السؤال، تجدر الإشارة إلى كون البطاقة وحدها ليست معيارا للكفاءة المهنية، لأن المهم هو المنتوج الذي يجب أن يتطابق مع شروط مهنة الصحافة المتعارف عليها، بغض النظر عن حيادها أو موضوعيتها أو وطنيتها، أو استقلاليتها أو انتمائها إلى المجال الخاص. فإذا كان القانون يعرف الصحفي بذاك الذي يتوفر على البطاقة الصحفية فما القول إن كان يمارس “تايوتوبريت” بعيدا عن أبجديات مهنة الصحافة و شروطها؟ طيب.
أولا، معلوم أن الشهادات و الديبلومات، و حتى التخرج من معاهد الإعلام، ليست محددا للكفاءة في العمل الصحفي على أرض الواقع، إذ أن من أبرز الصحفيين المرموقين الأكفاء في حدود التسعينيات و بداية القرن 21 كانوا إما غير متوفرين على الإجازة أو غير متخرجين من معاهد الإعلام، ولكنهم تلقو تكوينا ميدانيا في مؤسسات إعلامية أو جراند حزبية أو مستقلة-خاصة أو رسمية، و مقالاتهم سواء باللغة العربية أو الفرنسية شاهدة على كفاءتهم بغض النظر عن توجهاتهم و مواقفهم و انتماءاتهم المختلفة.
ثانيا، الصحفي، بصفة عامة، إما أن يتخصص في الإعلام السمعي البصري أو في الصحافة المكتوبة، لأن كل مجال و خصوصياته و الموهبة التي يقتضيها و يشترطها. و أما و أن الأمور اختلطت و تلخبطت مع انتشار استعمال الشبكة العنكبوتية بشكل لم يتبق معه من مهنة الصحافة سوى بطاقة تمنح لبعض الحائزين على الإجازة، و لا ندري في أي تخصص بالضبط، فالأمر يستحق وقفة تأمل رزينة حكيمة.
في ما مضى، كانت الصحافة الرديئة تعرف بتلك التي تحجب بعض الأخبار أو تأتي بأخبار بالية، ولكن جميع الصحفيين كانوا يضبطون اللغة التي يستعملونها، بحيث كانوا قادرين على كتابة مقالات بمنهجية سليمة و بأسلوب جميل.
و أما اليوم، فبفرط التركيز على الأدسنس اللعين، الذي قد يقال في حقه بأنه هو الدجال الفتان الذي حل بين الناس لتغيب الحقيقة و ليختفي الصدق، أضحى بعض الصحفيين يؤسسون قنوات في الإنترنت و يلقون خطابات شعبوية بلغة عامية مبتذلة، و يمتهنون الكلام العشوائي و يستعملون عناوين غريبة بدل العمل الصحافي، و الكل مشغول بعداد المشاهدات الذي يحدد المبلغ المالي الذي سيتقاضونه من جراء الفيديو المنشور على العلن، و بالتالي أصبحت علامات الإعجاب هي الرئيسة المباشرة لكل “صحفي يوتوبري” لا تكافؤه نظرا لكفاءته، بل حسب درجة شعبويته و إرضائه لمشاهدين يريدون الفرجة و الإلهاء و لو عبر تبادل الشتائم و الكذب و التراشق بالباطل في بعض أو كثير من الأحيان. و في خضم هذه الأجواء، مازال كلام الكاتب و المثقف إدريس الكنبوري يتردد صداه و “يعذب” ما تبقى من ضمائر حية التي لا حول لها و لا قوة : “الشرفاء لا صوت لهم”… نعم، و يا أسفاه!
و عودة إلى بدء، إذا كانت من نتيجة نستخلصها من المواجهة تلك، فهو أن الرمضاني واضح في توجهه بحيث يتبنى طرحا واحدا معلنا مهما كان مستفزا و مجانبا للصواب، ربما لأنه مستخدم في مؤسسة إذاعية بأجرة مريحة جدا حسب المهداوي الذي يستكثر عليه ذلك كونه لا يتوفر على الإجازة، ولكن هذا لا يهم أمام كون الرمضاني يعلن عدم اصطفافه مع الموقف الشعبي بكل وضوح، على عكس المهداوي الذي يظل
غير واضح في مواقفه بحيث يبقى مشغولا و مهموما بضرورة إرضاء جميع الأطراف من كل الإتجاهات بلا استثناء حتى يحتفظ بالمعجبين بقناته في اليوتوب، مما يجعله يسقط في تناقضات فكرية فظيعة تحجب على المتابعين البسطاء المعرفة السليمة -و معذرة على الصراحة-، علما أن عدم الوضوح، بصفة عامة، أو الغموض، يعتبر أخطر من التفاهة، بل أخطر من المواقف المستفزة الخاطئة الضالة المخطئة. و بكل صراحة، لا موقف لمن يتفق مع الشيء و نقيضه، علما أن غياب الموقف الواضح يمنع الحقيقة و يحجبها و يتسبب في تيهان فكري يتسبب في التخلف و الضياع… و بمعنى آخر، و كما يقول القدامى، لا خوف من الصراحة مهما كانت وقحة ولكن الخوف كل الخوف من الكلام المعسول الذي ظاهره الصدق و باطنه المصلحة الخاصة، و الله أعلم. طيب.
و من باب التأمل المفيد، لابأس من تنزيل بعض ما جاء في كلام المهداوي في فيديو نشره يوم أمس 2024/4/9 بعنوان “آخر حلقة(…)”، لكل غاية مفيدة، حتى تتضح الصورة في محاولة لفهم نهجه و طرحه الذي ربما يعتريه شيء من الغموض حسب آراء و آراء :
المهداوي يقول بأن لا حق للرمضاني في الكلام عن الصحافة و الصحفيين لأنه ليس صحفيا و الدليل أنه لا يمتلك بطاقة الصحافة، في حين أن المهداوي نفسه تكلم، مثلا، عن القائد و مؤسسة القائد بطريقة فظيعة و بتعميم عجيب علما أنه ليس قائدا، و في ذلك تناقض يفقد حديثه بعضا إن لم نقل الكثير من المصداقية، كما أنه يتحدى صديقه و غريمه بالإفصاح و الإعلان عن الممتلكات كدليل عن النزاهة، في حين أنه لا يكشف عن ممتلكاته لمشاهديه و متابعيه و أمام الرأي العام، بل يكتفي بدعوة السلطات المختصة على الهواء مباشرة للتحري في ممتلكاته و ممتلكات الرمضاني من أجل الحسم في مسألة أو نزاع النزاهة بينهما، في غياب أية شكاية في الموضوع مما يجعل كلامه غير ذي فائدة أو ربما مجرد مزايدة.
ثم يتقمص المهداوي دور المناضل الذي لا يشق له غبار فيتوجه للرمضاني قائلا: “نحن كلنا فلسطينيون و أنتم كلكم إسر.ائليون…كم عددكم…؟”، يعني أنه يعلن انتماءه للأغلبية الساحقة في حين أنه فسح المجال ل”عصيد” المعروف بتوجهه ذاك لتمرير أفكاره الضالة المضلة الخاطئة المخطئة، و ليزيده شهرة فوق شهرته التي تعتبر زائفة، في ما يبدو أنها محاولة غير موفقة لإضفاء القليل من المصداقية عليه أمام جمهور قد يكون على غير علم بأمور و أمور و بالتالي يكون معرضا للإستغباء…
و أما لتبرير موضوعيته، فيضع وراءه صورا لبعض نجوم التفاهة في اليوتوب و يقول أنه يحترمهم و يقدرهم حتى يربح، ربما، إعجابهم أو يرضي، ربما، من يدعمهم. و أما كدليل على أهميته و مكانته، فيقوم بعرض أسماء مثقفين و زعماء سياسة و جمعيات حقوقية و بعض العلماء و الدعاة و الفقهاء كما لو كانوا مجرد “غنائم صيد”، فتبدو الغاية من استدعائه لهم من حين لآخر مجرد وسيلة يرفع بها شأنه أمام مشاهديه، في حين أن مبادرته تلك كانت على كل حال حسنة و مفيدة. و بصفة عامة، يبقى أن من المؤسف أن بعض العلماء المعتبرين و المثقفين أضحوا يتهافتون، مضطرين، من أجل المرور في قنوات اليوتوب الشهيرة في زمن قلت فيه الفرص المتاحة لتمرير الأفكار البناءة.
أما عن مواجهته للرمضاني بقوله أن هذا الأخير و من معه لم يسبق لهم أن ساندوا أية حركة اجتماعية و بالمقابل يواجهون كل من تكلم عن الحق، فإن صح هذا “الإتهام” فلعل سبب ذلك أن هناك في مجال الصحافة من يتقاضى أجرته من شركات إعلام للدفاع عن الأقلية، كما هناك من يتلقى مدخوله المادي من اليوتوب الذي يتطلب متابعين كثر مما يلزم بالدفاع عن الأغلبية الساحقة، و هذا لا علاقة له بالموقف و المواقف و إنما بضرورة و بطبيعة العمل المؤدى عنه بشروط مفروضة، و الله أعلم.
المعروف عن المهداوي أنه يحترم القضاء و يا ما يكرر أن الأحكام القضائية عنوان الحقيقة، ولكن لما يدعوه الرمضاني لرفع دعوى قضائية ضده إن كان صاحب حق، يجيب المهداوي بأن الرمضاني يعرف تمام المعرفة بأن القضاء لن يتحرك ضده، و في ذلك ربما تناقض عجيب غريب.
و يرفض المهداوي مقارنته كصحفي مع نظيره الرمضاني متسائلا : “هل من في رصيده ثلاث سنوات سجنا كمن لم يسبق له أن سجن؟”، كما لو كان الصحفي، بصفة عامة، أو المثقف الكفء هو وحده من دخل السجن لأن دخول السجن هو معيار الصدق و ذلك هو ما يميز بين الصحفي أو المثقف المحترم و غيره، علما أنه، إذا كانت الذاكرة صحيحة، سبق و أن قبل استضافة الرمضاني له في قناتة أو في مقر إذاعته، و صرح له بأنه لن يعود إلى السجن و لن يرتكب نفس الأخطاء الماضية حتى لا يدخل السجن مجددا.
و يعاتب المهداوي ضمنيا بعض المثقفين أو الكتاب الموضوعيين الذين لا يتفقون معه في كل آرائه بلا استثناء، كونهم إن عارضوه فلمجرد أنه لم يستدعيهم للإدلاء بآرائهم، و الحقيقة أن المثقفين لا يبحثون و لا يلهثون وراء شهرة ما بل يرغبون فقط في تبليغ أو إيصال أفكارهم خدمة للمصلحة العامة و ليس الخاصة. و من جهة أخرى، معلوم أن كل مثقف و نفسيته و مكانته و نوعيته، فمنهم ربما من لن يستجيب لدعوة المهداوي للمثول أمامه بل يقبل فقط أن يأتي المهداوي عنده للإجابة عن أسئلته أو للإدلاء برأيه أو للإفصاح عن بعض جوانب المعرفة بصفة عامة.
يقول المهداوي بأن هناك من يتفوق على المحامين في معرفة القانون ولكنهم لا يستطيعون الترافع لأن ليست لديهم الصفة، و يقول بأن كذلك الحال بالنسبة للرمضاني الذي لا يتوفر على الإجازة و لا بطاقة الصحافة و بالتالي لا يمكنه أن يزاول مهنة الصحافة و لا الخوض في مجالها، و معلوم أن المهداوي لم يوفق أو لم يسانفه الحظ في اجتياز مباراة ولوج مهنة المحاماة، فهل الحل لفض النزاع بين المهداوي و الرمضاني هو أن يحصل الأول على صفة محامي و بالمقابل أن يمنح الرمضاني بطاقة الصحافة؟
خلاصة: الأستاذ حميد المهداوي صحفي مشهور يؤثر على فئة من الرأي العام و انتقاد عمله ليس تبخيسا له، بل نظرا لأهميته كمؤثر وسط المجتمع الذي يخصنا جميعا. و أما الأستاذ الرمضاني، فلا داعي لانتقاد أدائه لأنه اختار الطريق الذي يريد بلا أدنى غموض، ولكن بمجرد أن يسحب قولته الشهيرة تلك سيصبح مهما و بالتالي سيكون محط انتقاد… و الله أعلم و تحية عالية للقراء الشرفاء الأعزاء.