مشكلة التعليم المزمنة (الجزء 2)
هوية بريس – زوهير النبيه/ باحث في العلوم الاجتماعية
ناقش الجزء الأول من “مشكلة التعليم المزمنة” المنشور سلفا مدخل السياسة التي وضعتها فرنسا للتعامل مع المسألة التعليمية في المغرب – المستعمرة الجديدة- والتي بنيت على مبدأ العزل الاجتماعي والمجالي. ويسلط الجزء الثاني الضوء على التعليم فجر الاستقلال.
لم يستقل المغرب عن فرنسا بصفة قطعية، بل هو استقلال في إطار التبعية المتبادلة كما أشار إلى ذلك الإعلان المشترك الفرنسي- المغربي(2 مارس 1956) والذي تلى إعلان لا سيل سان كلو La Celle-Saint-Cloud (6 نونبر 1955)، والذي جاء فيه: ” وأكد جلالة سلطان المغرب رغبته في تشكيل حكومة مغربية للإدارة والمفاوضات، تمثل الاتجاهات المختلفة للرأي المغربي. ستتولى هذه الحكومة بشكل ملحوظ مهمة وضع الإصلاحات المؤسسية التي ستجعل المغرب دولة ديمقراطية ذات نظام ملكي دستوري، لإجراء مفاوضات مع فرنسا من أجل انضمام المغرب إلى وضع دولة مستقلة موحدة مع فرنسا من خلال روابط دائمة ذات اعتماد متبادل”. ويعكس هذا الخطاب التوجه الفرنسي الذي يركز من جهة على اختلاف الاتجاهات وأسباب التفريق بين مكونات المجتمع المغربي، ولا يزكي الوحدة الوطنية، عكس ما عرفته فرنسا نهاية القرن التاسع عشر، حيث قام ج. فيري Jules Ferry بتوحيد لغة التدريس أو ما سمي بدمقرطة اللغة الفرنسية وتوطينها في عموم التراب الفرنسي، وكل من تكلم بلغته الأم غير الفرنسية كان مصيره العقوبة والطرد. بالإضافة إلى مجانية وإلزامية وعلمانية التعليم. ومن جهة ثانية كان التركيز على التبعية المتبادلة، بحيث تقدم فرنسا الإطار العام الذي يجري فيه الإصلاح، والموارد البشرية التي يحتاجها المغرب، وذلك للحفاظ على ثقافتها ومواقعها داخل مفاصل الدولة.
في سنوات الاستقلال الأولى اعتمدت اللجنة الملكية لإصلاح التعليم أربعة مبادئ (التعميم، التعريب، المغربة والتوحيد) رسمت السياسة العمومية لقطاع التعليم. وما كان يبدو أنه نقطة قوة هذه المبادئ من حيث كونها تشكل منظومة مترابطة، اتضح أنه العامل الأساسي في عدم قدرتها على الاستجابة لما وضعت من أجله. كما أن الحماس الذي تلى الاستقلال أسهم في اتخاذ قرارات متسرعة وغير مدروسة، يغلب عليها الطابع العاطفي والطموح الذي يتجاوز معطيات الواقع. إن شح الموارد البشرية المؤهلة للتدريس دفع السلطة الوصية على التعليم إلى الاحتفاظ بالمعلمين الفرنسيين في السلك الابتدائي بنسبة تقارب 50 في المائة، وفي السلك الثانوي تتعدى النسبة 85 في المائة خلال السنة الثالثة بعد الاستقلال. يصعب مع هذا الوضع، وكما توضح الإحصائيات، تحقيق مبدأ المغربة وبالتالي مبدأ التعريب، لأن المبادئ مترابطة كما أشرنا وتستجيب باحتمال كبير إلى أثر الدومينو.
ويثير مبدأ التعريب منذ فجر الاستقلال إلى اليوم أسئلة لا حصر لها. فهل هو رد فعل نتيجة رفض ثقافة المستعمر؟ هل هو ورقة رابحة تستعمل في الخطاب السياسي الهوياتي؟ هل له أهداف غير معلنة ثاوية خلفه؟ أسئلة كثيرة يثيرها مبدأ التعريب يصعب إيجاد أجوبة تكفيها.
إن إقرار التعريب ثم التراجع عنه نحو الفرنسة ومن الفرنسة نحو التعريب عملية تكررت على مدى تاريخ المغرب المستقل. والجذير بالذكر أن هذا المبدأ المثير للجدل لم يتحقق أبدا بصفة شاملة. فقد خص بعض الأسلاك دون غيرها، أو بعض المواد العلمية على وجه التخصيص. ويمكن أن يكون مبدأ التعريب جوابا عن كل الأسئلة الحارقة والمستعصية بشكل مجمل وبنسبة كبيرة من الاحتمال.