مصطفى طوسة:* تصاعد قيم الخصوصية في الغرب يهدد القيم الكونية
حاوره: مصطفى الحسناوي
بمناسبة الموجة الشعبوية التي تعصف بأوروبا والغرب عموما، مع صعود اليمين المتطرف في أكثر من بلد، وما نراه من دعوات عنصرية مغرقة في الخصوصية والمحلية، ما يضرب في العمق فكرة الإجماع على قيم غربية واحدة وبالأحرى كونية موحدة، أجرينا هذا الحوار مع الزميل الإعلامي والمحلل السياسي المقيم بباريس الأستاذ مصطفى طوسة
أستاذ مصطفى طوسة لو تضع القاريء المغربي في خريطة اليمين، التقليدي والمتطرف والمتشدد، أحزابه ومدارسه والفروق بينها.
الخريطة السياسية الفرنسية تتكون من نوعين من اليمين، اليمين التقليدي وهو “حزب الجمهوريون”، ومن زعاماته نيكولا ساركوزي وآلان جوبي وممثلهم حاليا في السباق الرئاسي، وهناك أيضا اليمين المتطرف بزعامة مايمكن أن نسميه “عائلة لوبين”، حيث كان الأب هو مؤسس “الجبهة الوطنية”، ثم ورثت ابنته هذا الحزب.
منذ عدة سنوات كان هناك صعود متزايد لنفوذ الجبهة الوطنية في المشهد السياسي، واستطاعت أن تحقق اختراقات في عدة جبهات خلال محطات انتخابية، هذا الحزب مبني إيديولوجيا على الحقد على الأجانب محاربة الهجرة الحقد على ميكانيزمات البيت الأوربي الموحد والحقد على كل ماهو أجنبي.
ماهي أسباب صعود اليمين في فرنسا وفي أوربا عموما؟
يمكن أن نجد أسباب هذا الصعود على مستووين:
المستوى الأول: فشل السياسات التقليدية لإيجاد حلول للأزمة الاقتصادية والأزمة الهوياتية التي تضرب هذه المجتمعات، الجبهة الوطنية ترفع شعار فرنسا أولا، أي أن الأفضلية والأسبقية للفرنسيين في العمل والسكن ويبدو أن هذا المبدأ استطاع أن يستقطب شرائح واسعة من الفرنسيين الذين يعيشون تحت الأزمة الاقتصادية الخانقة.
المستوى الثاني: العمليات الإرهابية التي ضربت مؤخرا المجتمعات الأوروبية، خصوصا وأنها تأتي من طرف أشخاص خلفياتهم وأصولهم من بلدان مسلمة، هذه التهديدات شجعت الفرنسيين على الانخراط في منطق “الجبهة الوطنية” الذي يرفض بتاتا ويريد أن يغلق الحدود حتى في وجه طالبي اللجوء.
ارتباطا بالمخاطر التي يجعل منها اليمين المتطرف شماعة لترويج خطابه، ما هي المخاطر التي يشكلها صعود اليمين المتطرف نفسه؟
هناك مخاطر قوية، أولها: أن مبدأ التعايش السلمي بين مكونات المجتمع الفرنسي في خطر. ما سيؤدي لصراعات بين مكونات المجتمع الفرنسي، بل هناك من يتحدث عن إمكانية حدوث حرب أهلية بين مكونات هذا المجتمع.
ثانيها: التهديد بالخروج من الاتحاد الأوروبي، وغلق الحدود، وهذا في رأي الجميع سيشكل خطرا قويا على الاقتصاد الفرنسي وعلى النفوذ الفرنسي في العالم.
هذه المخاطر يجسدها برنامج مارين لوبين السياسي، الذي لا نعلم هل هو قادر على استقطاب الناخب الفرنسي.
أشرتم لدعوة لوبين الانسحاب من الاتحاد الأوربي، كيف تلقى الفرنسيون هذه الدعوة؟
هناك من يقول أن الأجواء الشعبوية التي تهب على العالم والتي بدأت بتشجيع البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي، واستمرت بالاستفتاء الذي أطاح برينزي في إيطاليا، وتوجت بوصول دونالد ترامب إلى الرئاسة، كل هذه الرياح الشعبوية من شأنها أن تعطي لفكرة خروج فرنسا من الاتحاد الأوربي، كما تنادي به الجبهة الشعبية، نجاحا وقوة ووهجا، لكن الفرنسيين في غالبيتهم لحد الساعة ليسوا مستعدين للخروج من هذه العائلة الأوربية، لأن معظمهم يعتبر ذلك قفزة نحو المجهول، ستكون لها انعكاسات اقتصادية على المجتمع الفرنسي، ولم تستطع مارين لوبين لحد الساعة، حسب بعض الاستطلاعات، أن تحصد الأغلبية الفرنسية، للخروج من الاتحاد الأوربي، وتبقى هذه الفكرة مجرد سلاح انتخابي تستعمله مارين لوبين في محاولة لاستقطاب المتطرفين من الحاقدين على البيت الأوربي الموحد وعلى المهاجرين والأجانب بصفة عامة.
أختم معكم أستاذ مصطفى بسؤال ألا يضرب هذا الصعود والانتشار لليمين المتطرف في أوربا، في فكرة الإجماع على القيم الكونية؟
نعم هذا خطر كبير، حزب الجبهة الوطنية هو ضربة كبيرة ودامية لقيم الجمهورية الفرنسية، لأنه حزب مبني على مبدأ الإقصاء، إقصاء الآخر، على مبدأ الحقد على الأجنبي، ومبدأ التقوقع على النفس، وهذه قيم متناقضة تماما مع المثل الذي شكلته الجمهورية وتاريخ الجمهورية والديمقراطية الفرنسية، وهناك من يقول أنه إذا فازت مارين لوبين بالانتخابات الرئاسية، فمن الواجب الوطني تكوين “الجبهة الجمهورية”، يعني أن يتحالف اليسار واليمين لسد الطريق على مارين لوبين ومنعها من الفوز بقصر الإيليزيه، حماية لوحدة البلد وحماية للجمهورية وحماية للقيم التي بني عليها المجتمع الفرنسي منذ الثورة الفرنسية.
* إعلامي ومحلل سياسي مقيم بباريس