مصطلح “مساءلة الدين” يطل من جديد

هوية بريس – يوسف عبد الله حميتو
انهارت الحداثة وما بعدها… تصدعت العولمة وما بعدها…لكنها تتزيف بزي الإنسانية وما بعدها…وتتعرى دعاوى “نهاية الدين” واحدةً تلو الأخرى، بعدما فشلت أدواتها في منح الإنسان المعاصر ذرة معنى أو قيد شعور بالسكينة.
وفي خضم هذا السقوط، يطلّ مصطلح “مساءلة الدين” من جديد، بعيدا عن وصفه شعاراً علمانياً خشناً، بل عنوانا لتحول تاريخي يعيد للدين مركزيته وكونه -بعيدا عن كل الايديولوجيات الدينية والسياسية- سفينةَ النجاة ومعيار المعنى في مجتمعاتنا المسلمة
لكن مهلاً…
المساءلة التي تأتي من داخل الوحي، ليست تلك التي تعودناها في مختبرات باريس أو مرافعات نيتشه.
ليست مساءلة الإقصاء… بل مساءلة الإحياء.
ليست عدواناً على المقدس… بل استنطاقاً لوظيفته.
هنا، تتغير قواعد اللعبة:
فمن أراد “نزع القداسة” فليبحث له عن لحظة أخرى، لأن اللحظة ليست لحظته.
ومن ظن أن الدين سيظل حبيس الطقوس، فقد غفل عن سنن التاريخ…
إننا مقبلون على مرحلة “مساءلة الحداثة والعولمة والإنسانية ومابعدها بالدين”، لا العكس.
اليوم، لا يعود الدين إلى الواجهة لأنه بحاجة إلى تبرير وجوده، بل لأن العالم -بكل أزماته- يعجز عن الاستمرار دونه.
المساءلة لم تعد حقاً للحداثة تمارسه على الوحي، بل صارت ضرورةً للوحي يمارس بها سلطته على الخراب.
فليُراجع الوحي إذن واقع الناس، لا ليُحاكَم… بل ليحاكِم.
وليُسأل الدين… لا ليُدان، بل ليُستثار ويستثمر… وينتج ما يسهم في إيجاد الحلول.
أما أولئك الذين يرفضون لحظة الصدمة، فليسوا إلا بقايا سرديات ميتة… تُسائل الحياة، وهم أوْلى بأن يسألوا: ما الذي تبقّى منكم؟



