معارك الفايد الدونكيشوتية.. بين “أديسون” والإمام ابن كثير
هوية بريس – ذ.نور الدين درواش
ما تجرأ أحد من غير العلماء والمتمكنين من الطلبة والباحثين على العلوم الشرعية بغير قيود ولا ضوابط ولا مراعاة للتخصص؛ إلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح.
وما تطاول أحد على علماء الإسلام وأئمته ورموزه الذين شهدت الأمة برسوخهم وصدقهم وعلو كعبهم؛ إلا فضحه الله بين الخلائق.
وما تكلم أحد بسوء في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلف هذه الأمة الأخيار أو لمزهم في علمهم وفهمهم وسلامة منهجهم في التدين إلا جعله الله أضحوكة بين الناس.
ومن هؤلاء الدكتور محمد الفايد هداه الله، الذي كان له في قلوب المغاربة مكانة كبيرة واحترام وتقدير، وما يزال أكثر المغاربة يحتفون بكل كلمة يقولها في مجال تخصصه ويثقون فيه ويستفيدون منه وهذا مما يسرّ كل مغربي بل كل مسلم.
وحتى لو وجدت له هنات أو أخطاء فيبقى من أهل التخصص وحقه الاحترام والتقدير في مجاله، ولا ينبغي أن يناقشه أو يعترض عليه إلا ذوو التخصص على الرغم مما قد يثار حوله من قبل كثير منهم.
فنحن مع عدم القرب من تخصصه يصلنا عن كثير ممن هم محل ثقة عندنا من معارفه الأكاديميين ما ينقض منهجيته العلمية، وطريقة اشتغاله وتحليله واستنباطه وتدخله في علوم أخرى لا صلة لتخصصه بها كالطب مثلا، وهذا ما زاد من تناقضاته وتخبطاته التي تجعله يأمر بالشيء ثم ينهى عنه بعد مدة ليست بالطويلة، وبخاصة في موضوع كورونا كما كشفه غير واحد من منتقديه وذالك شائع على مواقع التواصل…
ونحن من جهتنا واحتراما للتخصص؛ لا نتدخل في هذا المجال ونرى أن من الواجب على العالِمين به أن يتكلموا في شأن الفايد وكفاءته سواء كان ذلك له أو عليه، بالصدق والأمانة العلمية نصحا للأمة وتنويرا للرأي العام وأداء للواجب وبيانا للحقيقة.
وإلى الموضوع الذي يهمنا ويشغلنا بالدرجة الأولى وهو أننا قد عانينا منذ ما يزيد عن عشرين سنة من جرأة الدكتور الفايد على الكلام في القضايا الشرعية والتدخل في تفسير القرآن وحديث النبي صَلَّى الله عليه وسلم، بغير مؤهلات ولا ضوابط ولا قواعد… وربطه بتعسف بين بعض القضايا الطبية أو العلمية، وبين النصوص الشرعية بِلَيِّ أعناقها وتحميلها ما لا تحتمل والاعتداء والتعسف في تأويلها.
والمتتبع لكلام الدكتور يجد أن مستواه اللغوي والنحوي ضعيف جدا، فضلا عن باقي العلوم المؤهلة للحديث في المجال الشرعي كالأصول والفقه والحديث والناسخ والمنسوخ وعلوم القرآن والبلاغة؛ ناهيك عن الإيمان والتوحيد والعقيدة وتفاصيلها…
ومن السهل أن يلاحظ كل متتبع للدكتور أن مؤهلاته المعرفية الإسلامية متواضعة جدا، بل تجد أن معلوماته غير منضبطة ولا مستقيمة، بل في كثير من الأحيان تجدها غير صحيحة من أساسها لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
ومن أمثلة ذلك حكمه لـ”توماس أديسون” بالجنة فقط لأنه اخترع المصباح، وما دام الله تعالى غفور رحيم حليم، فسيدخله الجنة فضلا منه، وفق قول الفايد، بل صرح الدكتور بأن الله لو أدخله النار لظلمه؛ عياذا بالله من هذه الجرأة في الكلام عن الله والتوقيع عنه كما لو كان الفايد نبيا مرسلا من لدنه بشرع ناسخ لدين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
ومن العجيب أنه استدل بقوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَٰلِحاٗ مِّن ذَكَرٍ اَوُ ا۟نث۪يٰ وَهُوَ مُومِنٞ فَلَنُحْيِيَنَّهُۥ حَيَوٰةٗ طَيِّبَةٗ وَلَنَجْزِيَنَّهُمُۥٓ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ [النحل:97].
وابتلع قوله تعالى ﴿وَهُوَ مُومِنٞ﴾ لأنها حجة عليه، فقد صرحت بأن الإيمان شرط في استحقاق الأجر والمثوبة…
وزعمُ الدكتور هذا يناقض قول الحق سبحانه وتعالى: ﴿اِنّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُّشْرَكَ بِهِۦۖ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَنْ يَّشَآءُۖ وَمَنْ يُّشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ اِ۪فْتَر۪يٰٓ إِثْماً عَظِيماًۖ) [النساء: 47].
وقوله سبحانه وتعالى على لسان سيدنا عيسى عليه السلام: ﴿إِنَّهُۥ مَنْ يُّشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اَ۬للَّهُ عَلَيْهِ اِ۬لْجَنَّةَ وَمَأْويٰهُ اُ۬لنَّارُۖ وَمَا لِلظَّٰالِمِينَ مِنَ اَنصار﴾ [المائدة:74].
وهذا محل إجماع واتفاق بين علماء المسلمين، وقد نقل علامة المغرب ومفخرته القاضي عياض السبتي “الإجماع على أن الكفار لا تنفعهم أعمالهم ولا يثابون عليها بنعيم ولا بتخفيف عذابٍ” [إكمال المعلم1/597].
فهذه القضية من مسلمات العقيدة عند صغار طلبة العلوم الشرعية في المحاضر والمدارس العتيقة والتخصصات الشرعية… فلماذا يجني الدكتور على نفسه وعلى محبيه بنشر ما يناقض البدهيات والأبجدبات في العلوم الشرعية.
وبالمقابل نجده يقلل من أهمية الإيمان فيقول: “لا يظن الإنسان بأنه لو حك السواك وصلى ركعتين بأنه سيدخل الجنة ثم قال بالدارجة: “والله لا حط فيها رجلو” وفي سياق آخر قال: “أن المؤمن وأعماله لا ترقى حتى لإجازته من أمام باب الجنة”.
فما هذا التألي على الله يا دكتور؟؟
ولماذا تضع الصلاة والسواك وشعائر الإسلام في موضع النقد والازدراء؟
لقد تعلم المسلمون أن لا يجزموا لمؤمن معين بالجنة، إلا من شهد له القرآن أو صحيح السنة بالجنة كالعشرة وغيرهم.
قصارى ما نستطيع هو أن نرجو للمحسن من المسلمين الجنة ونخاف على المسيء من هذه الأمة من النار.
فكيف نحكم بالجنة لمن عاش على الكفر ولا يُعلم إلا أنه مات عليه، وحتى لو أسلم لم يكن ذلك مسوغا للحكم له بالجنة، لأن سرائر العباد لا يعلمها إلا الله وحده، وبالمقابل نتهكم على المؤمنين ونجزم بأنهم لن يدخلوا الجنة. مع أنهم مؤمنون ويصلون ويصومون…
تناقض عجيب…!!!!
هل يملك الدكتور الفايد مفاتيح الجنة حتى يجازي بها الكافر “أديسون” لاختراعه المصباح، ويحرم منها المؤمن المصلي المتمسك بالسنة لا لشيء إلا لأنه لا يوافق مزاجية الدكتور الفايد وهواه وفهمه المغلوط للدين والتدين وعنتريته وتعاليه على عباد الله؟؟
ما كان أغناك عن هذا يا دكتور؟؟!!!
ومن آخر كوارثه -هداه الله- تطاوله على تفسير الإمام ابن كثير وعلى علوم السلف من أصحاب القرون الفاضلة واتهامه للعلماء قاطبة بالعجز التام، بل وزعمه أن لا وجود للعلماء، بل قال في محاضرة قديمة بأن القرآن لم يفسر بعد!!!!
وقال هداه الله: “هل تريد من الأمة أن تعيش بتفسير ابن كثير إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها… هذا يبين عجز العلماء ولذلك قلت: ليس هناك علماء”.
سبحان الله!!!
هل أخلى الله الأرض من العلماء ولم يبق إلا فريد العصر ووحيد الزمان الدكتور الفايد الذكي العبقري الألمعي ليسفه عقلاء الأمة ويضلل رموزها على مرّ العصور ويبرز قوته المزعومة بجرأة لا نظير لها؟؟!!!
إن ابن كثير ليس نبيا معصوما ولا صحابيا جليلا ولا أحد يجعل تفسيره محل القبول التام المتعالي عن النقد… ولكنه إمام من أئمة الإسلام خدم القرآن وباقي علوم الإسلام خدمات جليلة بمنهجية محكمة وإبداع راق ودقة عجيبة ما جعل تفسيره يحتل مركزا متقدما في قائمة التفاسير، وبخاصة أنه يعتمد تفسير القرآن بالقرآن والسنة وأقول السلف واللغة ويستفيد من جهود من سبقه من أئمة التفسير والعلم… ومع ذلك فقد انتُقدت عليه قضايا ولا إشكال فإن ذلك لا يضره ولا ينقص من قدره فإن الله تعالى لم يعصم من البشر إلا الأنبياء ولم يتم إلا كتابه.
ثم استدرك الفايد -بدون أدب ولا احترام لمقام النبوة- على حديث عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ”. متفق عليه.
فقال: يعني القرون الثلاثة فقط أما نحن فليس لدينا حظ؟؟ يعني أن الله سيظلمنا؟ لن يكون فينا علماء ولا فقهاء ولا أناس يفسرون القرآن؟؟”.
فأقول: على من تستدرك يا دكتور؟؟
هل تستدرك وتعترض على العلماء المعاصرين؟
أم على ابن كثير وغيره من أئمة الإسلام العظام؟؟
أم على السلف الصالح من القرون الثلاثة؟
أم على النبي صلى الله عليه وسلم؟؟
إننا حين نقتدي بالسلف فإنما نقتدي بهم في عقيدتهم التي تلقوها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي فهمهم للقرآن الذي تلقوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوكل الله له مهمة بيان القرآن، لقوله تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ اَ۬لذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَۖ﴾ [النحل:44].
ولا أحد من العالمين يا دكتور قال بأنه يجب علينا إيقاف عجلة التقدم وحبس العلم الدنيوي من عصر النبوة أو الصحابة أو القرون الثلاثة.
ولا نعلم من الفرق المنتسبة للإسلام من قال بذلك.
فلماذا تصطنع خرافة وتنشئ لها قائلا ثم تشغل نفسك بالرد عليه ومصارعته كمحارب طواحين الهواء “دون كيشوت”.
لا أحد يمنعك ولا غيرك من أن تكون من العلماء الراسخين الذين لهم حظ ونصيب وافر من فهم علوم الشريعة الإسلامية.. بل قد برز وما زال يبرز أئمة بين فينة وفينة يتعجب المرء من رسوخهم وسعة اطلاعهم ودقة تحليلهم وموسوعيتهم…. ولم يعادهم أحد بل فرحت الأمة بهم ورفعتهم على الرؤوس…
لا أحد يمنعك إذا تسلحت بالعلم وتزودت بقواعد الفهم وتحققت فيك شروط المعرفة الشرعية..
أما أن تحوط العلوم الدنيوية بسياج الحماية منعا للدخيل من أن يفسدها وبالمقابل تترك علوم الشريعة لكل من هب ودب على قول العامة :”أدخلوها بصباطكم!”
فهنا نقول لك ولأمثالك: لا وألف لا.
وكفى تهافنا…! فقد بالغت وظلمت واعتديت وآذيت..
ثم بدأ يتهكم على طريقته الفضة الغليظة مستهزئا قائلا: “يريدون أن يبقى الناس هكذا من القرن الأول لا تكون طائرة ولا سيارة ولا قطار ولا ساتيليت ولا حاسوب ولا أي شيء”
فأقول: يا سبحان الله!!
من قال هذا يا دكتور؟؟؟
إن علماء الأمة من مختلف المذاهب والتوجهات متفقون على عدم الوقوف أمام البحث العلمي والتقدم التقني والاختراع والاسكتشاف وغير ذلك.
فعلى من ترد؟؟
ومن تناقش؟؟
إن الذي يرفضه العلماء والمتخصصون منك ومن غيرك هو الجرأة والتطاول على التخصص الشرعي الذي ليس لك فيه اطلاع ولا باع؛ بل أنت مفتقر لأبجدياته كما يبدو واضحا لكل متتبع لخرجاتك وتحليلاتك.
ورحم الله من قال: من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب.
إن الكلام في دين الله عظيم والجرأة عليه من غير أهلية كبيرة من كبائر الذنوب قال تعالى: ﴿قُلِ اِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ اَ۬لْفَوَٰحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالِاثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ اِ۬لْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ ۦسُلْطَٰناٗ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اَ۬للَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَۖ﴾ [الأعراف:31].
وقد كان خيار الأمة يتهيبون الحديث في تفسير كلام الله حتى قال الصديق أبو بكر رضي الله عنه: “أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي؟ وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي؟ إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ” [الجامع لابن عبد البر].
فأرجو أن يوفق الدكتور الفايد للعودة لمجاله وتخصصه ويكفيه ذلك شرفا وفضلا، ففي ذلك الخير له ولمن يثق فيه في الأولى والآخرة.
والله ولي التوفيق.
عفتا الله وايكم
من تتبع عورات واخطاء الناس
كلام فايد في ابن كثير وابن القيم وابن تيمية تصرف صبياني ومسيئ عليه ان يتوب ويبقى في ميدانه ابن كثير رحمه الله معروف ومشهور لكن فايد فهو مجهول بالنسبة لي فهو ابن من؟