معاملة الأسرى: إنها أخلاق الإسلام

هوية بريس – نور الدين درواش

مشاهدُ أسرى حماس عند تسليمهم وصورُهم طربت لها نفوس المسلمين وشدت أنظار العالم لما ظهر فيها من ارتياح واطمئنان الأسرى من مختلف الجنسيات.

تلويحات بالتحايا وابتسامات وتوديع كما لو كان الأسرى ضيوفا عند الكتائب ويتم تشييعهم كما نشيع ونودع الضيوف.

صور تضرب في العمق السياسة الإعلامية الصهيونية الرامية إلى دعشنة المقاومة وتصويرها بصورة وحشية بربرية ليس فيها رحمة ولا شفقة.

وقد حاول الصهاينة الحد من تأثير تصريحات الأسرى وذلك بمنعهم من المقابلات الصحفية والتصريحات للإعلام، لكن العيون وتقاسيم الوجوه للأسرى تغني عن كثير من الكلام.

جاء هذا المنع بعد تصريحات الأسيرة “يوخباد ليفتشيتس” التي عبرت فيها عن حسن تعامل عناصر المقاومة معها.

وهذا الأمر نفسه عبرت عنه أسيرة أخرى (دنيال) كانت رفقة ابنتها (إيميليا) من خلال رسالة مكتوبة بخط يدها وجهتها للقسام قبل إطلاق سراحها.

ومما جاء في رسالتها تلك: “أشكركم من أعماق قلبي على إنسانيتكم غير الطبيعية التي أظهرتموها تجاه ابنتي إيمليا، كنتم لها مثل الأبوين دعوتموها لغرفتكم في كل فرصة أرادتها، هي تعترف بالشعور بأنكم كلكم أصدقاؤها ولستم مجرد أصدقاء، وإنما أحباب حقيقيون جيدون، شكرا شكرا شكرا على الساعات الكثيرة التي كنتم فيها كالمربية”.

مما جاء فيها أيضا: “لم نقابل شخصا في طريقنا الطويلة هذه من العناصر وحتى القيادات إلا وتصرف تجاهها برفق وحنان وحب، أنا للأبد سأكون أسيرة شكر، لأنها لم تخرج من هنا بصدمة نفسية للأبد، سأذكر لكم تصرفكم الطيب الذي مُنح هنا بالرغم من الوضع الصعب الذي كنتم تتعاملون معه بأنفسكم والخسائر الصعبة التي أصابتكم هنا في غزة”.

وهذه الصور وإن بدت لكثير من الناس غريبة فإنها عند العارف بالثقافة الإسلامية طبيعية وعادية في الإسلام فهي مستمدة من القرآن الكريم الذي دعا إلى حسن معاملة الأسير ففي سورة الإنسان ذكر الله تعالى من صفات الأبرار: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا، إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا).

قال قتادة: “لقد أمر الله بالأسراء أن يُحسَن إليهم، وإن أسراهم يومئذٍ لأهل الشرك” تفسير ابن جرير قال ابن كثير: ويشهد لهذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه يوم بدر أن يكرموا الأسارى، فكانوا يُقدِّمونهم على أنفسهم عند الغداء.

وهذا أبو عزيز بن عمير بن هاشم أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمه كان من ضمن أسارى بدر، قال: وكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر؛ لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا، ما تقع في يد رجُل منهم كسرة من الخبز إلا نفَحَني بها، قال: فأَستحي فأردُّها على أحدهم، فيردُّها عليَّ ما يمسها” رواه ابن جرير وحسنه الهيثمي.

وهذه صورة دونتها لنا كتب السنة تبين حسن معاملة الأسير في أول الإسلام.

يروي أبو هريرة رضي الله عنه فيقول: «بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ‌ثُمَامَةُ ‌بْنُ ‌أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ، فَقَالَ: عِنْدِي خَيْرٌ يَا مُحَمَّدُ، إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ، وَإِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ الْمَالَ، فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ حَتَّى كَانَ الْغَدُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ، قَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ: إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، فَتَرَكَهُ حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ، فَقَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ، فَقَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ لَكَ، فَقَالَ: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ، فَانْطَلَقَ إِلَى نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، يَا مُحَمَّدُ، وَاللهِ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ، وَاللهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ الْبِلَادِ إِلَيَّ…» رواه البخاري.

فهذه بعض ثمار المعاملة للحسنة لسيدنا ثمامة حيث قلبت موازينه فانتقل من الكفر إلى الإيمان، ومن قمة البغض والكره إلى قمة المحبة والولاء.

إنها باختصار؛ ثمار أخلاق الإسلام.