معانيكم يا معاليكم ضاقت عنها حروفي.. فرفقا باللغة يا أهل غزة
هوية بريس – إبراهيم الطالب
في أرض الرباط هناك حيث الوعد والأمل، حيث تنبُت الرجولة في أرضها الطيبة كما ينبت الزرع بهيجا في العام المطير، هناك تعلو الهمم حتى تتجاوز كل القمم، وتكثر حتى تخال أن كل من يولدون هناك يولدون رجالا وأبطالا شجعانا.
هم هناك يصنعون المجد ويحيون في الأمة معاني الشرف، وأنا هنا لا أستطيع حتى أن أعبر عن معاني العظمة التي يلقنونها يوميا للعالم أجمع.
هذا ليس لِعيٍّ فيَّ أنا، وإن كنت كلي ضعف وافتقار، لكن السبب في ذلك عظم المعاني التي تحكيها كل يوم على أرض العزة بطولاتُ الرجال، ولعظمتها تضيق كلماتي أن تصفها، فأكف عن الكتابة خوف التقصير والإساءة، فليس كل كتابة تشرف بحمل تلك المعاني على أكتافها.
إن من المعاني الجزلة العظيمة القوية الواسعة ما لا تستطيع الكلمات أن تجمع أفرادها بين جدران حروفها، فاحذر أن تضغط على المعنى الكبير لتدخله قسرا في جحر حرف ضيق، واتركه حرا طليقا، فالشريف يموت دون حريته.
فإن أبيت وفعلت واستعجلت، فحتما سيخرج المعنى للناس من جحر حرفك بشعا كالضب، تعافه النفوس الشريفة.
إن الحروف آنية تسكب فيها المعاني، فقد أنبأنا بذلك أرباب البلاغة حين قالوا: “الكلمات قوالب المعاني”، فاحرص ألا تقدّم ألذ الشراب في أبشع الأواني، فإنك بذا تهدر قيمته، وتفسد لذته.
فليس من النباهة أن تؤذي المعاني العظام بضيق الحروف، وابحث لها في سوق الكلمات عما يناسب قيمتها، فإن عجزت فلك في الصمت ملاذ شريف.
فحذاء الكاعب الحسناء إذا ضاق عن قدمها اللينة أسال منها الدم وكان سببا في تورمها، فلا تستطيع تبخترا ولا دلالا.
ونحن لا نحب أن تؤذى أقدام أشرافنا في أرض العزة ولو بشوكة، حتى تجيد مشية الكبرياء والخيلاء هناك فوق رؤوس الخنازير والقرود.
وليس هذا غريبا، ولو كان إيجاد الحروف المناسبة للمعاني العظيمة سهلا يسيرا، ما كان ليدرجه الله سبحانه في المنح الربانية التي خص بها رسولنا الكريم، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (فُضّلتُ على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون).
فمن لي بلسان يشرف بسبك أواني الحروف التي تستوعب الجواهر الغالية.
فاللهم ارزقنا من سحر البيانِ ما نبلغ به كبير الحِكم والمعاني، مما جاءت به سنة نبينا العدنان، وارفع قدرنا بخدمتها يا رحمان يا عظيم الشان.
وألِن للدعاة المصلحين الحرف وزده اتساعا، كما ألنت الحديد لنبيك داود فازداد به في حرب الشرك قوة وانتفاعا. وصل اللهم وسلم عليه وعلى رسورلنا وزدنا لسنته حبا واتِّباعا.
وتقبل اللهم كل من ارتقى وارتفع من أبنائنا الذائدين عن حياض المسرى وبيت المقدس، النائبين عنا في حماية الأراضي المقدسة الشريفة.