معايب النفس في العلاقات.. ودواؤها

هوية بريس – إبراهيم سهيل
ليست كل نفسٍ تُحسن حين تُحسِن، ولا كل يدٍ تُعطي لله وإن رفعت الشعار، فإن للنفس حِيَلًا لا تُحصى، تلبس بها ثوب الإخلاص وهي أبعد ما تكون عنه، وتُظهر القرب والمودّة لا حبًّا، بل حاجة إلى أن تراها الأعين محسنة، كريمة، ظاهرة في مواطن الفضل.
كم من مُقبلٍ على غيره لا لِبِرّ، بل ليُقال: “كان معه يوم خذله الناس”، وكم من مُسارعٍ إلى المعروف لا لينفع، بل ليصنع لنفسه فضلًا يُشاد به.
تراه يُزيّن القرب وكأنّه إخلاص، وهو في حقيقته مرآةٌ يتجمّل بها أمام الناس، فإن غابت العيون قلّ وفاؤه، وإن خالفته غلظ، وإن لم تسايره، طوى عنك وجهه.
والأعجب من هذا كله: أن بعض القلوب لا تكتفي أن تُصاحبك لغرضها، بل تتتبّع كل شاذةٍ وفاذّة من حياتك، لا لتستر، بل لتُحصي، حتى إذا افترقتما، وجدت عنده سجلًّا من الكلام، يُعلّق به على موقفك، ويوهم من حوله بأنه أعلم الناس بك.
وهذا لون من ألوان خِفّة الإخلاص، وابتذال الصحبة، أن تتحوّل العلاقة إلى مشروع إثبات ذات، بدل أن تكون ميدان تزكية ونصح ورحمة.
وقد يبتلي الله بعض الدعاة والمخلصين بهذه النماذج، التي تُكثر القرب لا لتعين، بل لتُثبت وجودها، وتغار إن ذهبت مكانًا آخر، وتغتاظ إن قرّبت غيرها، كأنك حقٌ لها لا لأخيك، وكأنك إن أبعدت خطوة، فقد خنت الصحبة!
وما علمت هذه النفوس أن القرب في الله لا تملكه الأيدي، ولا تحكمه الظنون، وأن أهل الإخلاص لا يُقيمون الناس على صورهم، بل على صدقهم وسرائرهم، وأن الداعي لا يبتعد إلا إذا اقتضى الشرع أو الحكمة، لا بحثًا عن بديل، ولا ازدراءً لأحد.
ومن أعظم ما يزكّي النفس أن يُقبل الإنسان على سريرته بالمراجعة، أن يسأل نفسه بصدق: لماذا أُحسن؟ ولمن أتقرّب؟ ولمن أغضب إذا بَعُد عني من كنت أُصاحبه؟
فإن وجد الله في الجواب، حمده على الثبات، وإن وجد شيئًا من حظ النفس، تاب واستغفر، وأصلح سريرته قبل أن تفضحها الأيام.
وما أكثر ما فُسدت الصحبة بسبب رياءٍ خفي، أو تعلّق بصورة، أو حرص على السيادة باسم المحبة.
وكم من علاقةٍ ابتدأت ببراءة، ثم صار صاحبها يرى في نفسه الفضل المطلق، ويتحدّث عن قربه من الآخر حديثًا يدلّ على أنه المالك لا المرافق، العالم لا الصادق، وكأنّ الأخ في الله مشروعٌ يُسوّق من خلاله نفسه لا مشروع تزكيةٍ يُعين به غيره على الله.
فلا يُغترّ العبد بقرب الناس منه، فإن في الناس من يُحبك ليُجمّل نفسه بك، لا لينفعك، وفيهم من يُكثِر من الحديث عنك لا حبًّا، بل تلميعًا لصورته، وفيهم من يُخفي عنك ما يُبطن، ثم إذا افترقتما، أظهر ما كان يخبئه في صدره منذ زمن طويل.
وطوبى لمن نظر إلى قلبه فأنصفه، وتفقّد نفسه فبصّرها، وستر صحبته كما يستر حسناته، وأحبّ الناس لله لا لنفسه، وأحسن إليهم لا ليُقال، ورفع غيره لا ليعلو على أكتافهم، بل ليرضى الله عنه، ولينجو بنفسه في زمنٍ كثُرت فيه الأقنعة، وقلّ فيه من يطلب وجه الله خالصًا.
وما كان لله دام واتّصل، وما كان لغيره انقطع وانفصل.



