معركة جهاني المأساوية (1929/10/14)
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
تقديم:
معركة جهاني المتحدث عنها في هذا التقرير، أبانت للفرنسيين المحتلين للجزائر، بأن الأراضي المغربية في الساورة، وبشار ولقنادسة وغيرها لن يُسْكَت عنها، وأن الحدود المفتوحة في اتفاقية لالة مغنية، لن يُسْمح فيها لفرنسا ضمها للجزائر بدعوى التهدئة، وهو ما لخصه برلماني وهراني بقوله:
بناء على مؤتمر كلمبشار لبحث مسألة الحدود المغربية الجزائرية، والتي لا يخول للعسكريين اتخاذ إجراءات فيها، تقرر القيام بطلب القوات المغربية مشاركة القوات الجزائرية في تهدئة المناطق الشرقية المغربية جنوب وهران، والتي تريد فرنسا، جعلها جزائرية، طبقا لبروتوكول 1901، المرفوض رسميا وشعبيا، والذي نتج عنه هذه المعركة وغيرها، مبينا بأن أمن الجزائر من أمن المغرب، وهو ما جعل البرلمان الفرنسي لا يهتم بهذه المعركة الخطيرة، التي أبيدت فيها فرقة كاملة، من القوات الفرنسية، على التخوم المغربية.
** كلمات دالة:
الزهرة السامة، تافلالت، جيش، آيت حمو، أرفود، لحمادة، واد زيز، لمريجة، لعبادلة، بلقاسم النكادي.
** نص التقرير:
حادثة مأساوية أخرى، كارثية بالنسبة لنا، وقعت في الحدود الجزائرية المغربية، بالجنوب الأقصى، بالقرب من (الزهرة السامة) بتافلالت.
في 18 أكتوبر 1929 أعلنت وزارة الحرب في بيان صحفي موجز ما يلي:
في 14 أكتوبر، وقع اشتباك عنيف، جنوب الجزائر، بين جيش مكون من 150 بندقية، ينتمي لأيت حمو، ومفرزة مكونة من قوات غير نظامية، مدعومة بفرقة لفيف محمول؛
وقد استطاع ذلك الجيش، التوغل في أراضينا، بالرغم من أن مركز المراقبة بأرفود، أعلم بتحركه، إلا أن سيره الحثيث الجاد، الرامي لإنجاح مسعاه، في أن يُهَاجَم بأطراف جهاني، على بعد 120 كلم شرق أرفود، ولما اقتربت منه المفرزة المطاردة، التف عليها في أحد الأودية، وقطع عليها خط الرجعة، وفرض عليها، معركة ضارية، تكبدت فيها خسارة فادحة، تمثلت في 50 قتيلا من اللفيف، و21 جريحا من المخزن، وترك الجيش عددا من القتلي في الميدان.
تم تقديم تفاصيل المعركة نفسها من قبل (depeches d,Orane) التي أفادت بنقل جريحين بالطائرة، أحدهما الكابورال شيف (كينتزجير) الذي وسم بالوسام الحربي؛ وقد أفادت (Agence Havas) من الرباط بما يلي:
وصلت للرباط معلوما مدققة، حول المعركة التي جرت بين القوات الجزائرية بكلمبشار، وجيش آيت حمو مؤكدة على النقط التالية:
في 14أكتوبر، تم إرسال إشارة، بأن جيشا مكونا من 150 بندقية، قد رصد من قبل مراكز مراقبتنا، يتحرك في لحمادة، قادما من تافلالت، متجها نحو ناحية الجزايريين بمريجة كير.
قوات ناحية كلمبشار وضعت في حالة تأهب، ووجهت للبادية، لتدخل بين الفيلق المحمول المتمركز في الجزائر، والجيش المتواجد في ناحية الحدود، في غضون الإشتباك العنيف الذي دام أربع ساعات، سقط لنا حوالي 50 رجلا بين قتيل وجريح، لكن الجيش فرض عليه القتال عند انسحابه، بسبب تدخل القوة المغربية، المشاركة في السرية الصحراوية، بواد زيز، وسرية اللفيف الأجنبي.
بدأت المفرزة الغربية الجزائرية، في ملاحقة الجيش، الذي انعطف بسرعة إلى لحمادة، مثقلا بأحمال الجرحى والقتلى، تاركا آثارا تبين طريق سيره.
لا توجد لحد الآن أخبار عن القوات العاملة في هذه المناطق الصحراوية البعيدة.
تدقيقات أخرى قدمت في برقية لـTemps (جريدة) بتاريخ 1929/10/20.
التفاصيل التي تلت معركة جهاني، للأسف تؤكد خطورة الهجوم، والخسائر المؤلمة التي سببتها لنا.
بمجرد ما أخبر بخروج الجيش من تافلالت، المكون من قِبَلِ آيت حمو، قام الكولونيل (كاترو) القايد الأعلى للمنطقة العسكرية في عين الصفراء، بإشعار كل مراكز المراقبة، وخاصة التي في لمريجة، ولعبادلة، الموجودة في شمال وجنوب كير، بحراسة طرق تافلالت، والبحث عن المنشقين، وملاحقتهم، وتفريقهم، أرسل مركز لمريجة على الفور، سرية راكبة من الفوج الأجنبي الأول، وفصيلة من فرسان المخزن، تحت إمرة ليوطنا (فيوريت) للقيام بالإستطلاع، لكن أثر الجيش طبعا اختفى متقطعا بل حتى الطيران نفسه المتعاون في الرصد، لم يشاهد شيئا، بالرغم من استطلاعاته المكثفة، في كل الناحية. مفرزة ليوطنا (فيوريت) واصلت التمشيط طبعا، عابرة واد كير، مقتربة من جبل جهاني الموجود في الجنوب الغربي للمريجة، مكونة منطقة جبلية من صخور كلسية، إلى حد ما وعرة، خلافا للمساحات الشاسعة المجاورة.
بقي الجيش مجهول المكان، وفجأة يوم الإثنين 14 أكتوبر، حوالي منتصف النهار، أشارت طائرة لوجود 150 من أيت حمو على بعد كلمترات من معسكر لَفِيفِنا الأجنبي، تم تقسيم المعسكر على الفور، فتوجه كلون نحو يمين الجيش، وسار من غير أن يلاحظ شيئا. حتى الساعة الخامسة مساء، وبعدما تم الإعتقاد بأن العدو قد فر من أمامه بأقصى سرعة، تفجر فجأة إطلاق نار كثيف، مفرزة (فيوريت) وجدت نفسها في تلك اللحظة، تسير في منخفض غابوي، يسيطر عليه أولئك المبحوث عنهم من أعلى، كان آيت حمو جالسين القرفصاء هناك، في جلابيب رمادية مختلطة بالأرض، بعدما نصبوا كمينا لجنودنا، يستطيعون به مفاجأة أكبر قدر منهم واقفين، ليقتلوهم من أول رشقة.
الفيالق كيفما كانت الأوضاع، لا يتراجع رجالها، لذلك قبل جنودنا القتال ضد عدو متفوق عليهم في العدد بثلاث مرات، حاولوا الرد على نيران العدو، لكن مع الأسف لم تكن الأرض مناسبة، إذ لم يكن الكثير من جنودنا، سوى مجرد أهداف لرماة مهرة، وشيئا فشيئا تفككت مفرزتنا، ونجى منها سبعة أشخاص فقط، بعدما وضع الليل حدا لإطلاق النار.
كانت ليلة مشؤومة علينا سمحت لآيت حمو، بسلب عدد من الجثث، والإستيلاء على أمتعة الكولون، ثم انسحبوا تحت جنح الظلام، نحو المنطقة الشمالية، يعني في اتجاه ناحية بودنيب.
إحدى طائراتنا شاهدت تبادل إطلاق النار، وأبلغت أن كلون (فيوريت) عالق في وضع خطير، فأعطى فورا السلاح لمركز لمريجة، حيث القبطان (ليفوك) من فوج اللفيف الأجنبي، فذهب على عجل لجهاني في مجموعة من 250 رجل، فوصل هذا الدعم في أول الصباح، لكنه لم يجد هناك أعداء، بل عددا من القتلى بلغ 48 وجرحى عددهم 20.
كولون (ليفيك) أمر بملاحقة الجيش، فلوحق من قبل مفارز المتعاونين الجزائريين والمغاربة، في كل مراكز المنطقة الحدودية.
من جهة أخرى أبلغ الطيران كلمبشار بالمعركة، فتم إرسال كافة السيارات المتواجدة في المراكز الخلفية إلى جهاني، على وجه السرعة لحمل الجرحى وإعطائهم الإسعافات اللازمة، وقد لفظ إثنان من الجرحى أنفاسهما، مما رفع عدد القتلى لخمسين نفرا، ليوطنا (فيوريت) أصيب في ساقه، ومن بين القتلى ضابط الصف بونر، والرقباء: لوتز، وموكين، وكيففر، والعرفاء دول، ريف، مولر، ونقل العريف بيير كنزيجي والجندي ماركويتي في حالة خطيرة، تحت إشراف الطبيب (أندريـي) لمركز العلاج القريب.
أخيرا هناك تفاصيل مثيرة للإهتمام في رواية العريف (كنتزيجر) لوهران (جريدة).
في منتصف نهار 14 أكتوبر شرح العريف: كانت سريتنا تحت إمرة ليوطنا (فيوريت) عندما غادرت المعسكر بسرعة لتعقب الجيش، المكون من 150 بندقية، قدموا من تافلالت، بعدما أبلغتنا طائرة بتحركهم، لكننالم نلحق بهم، عند الساعة 17 وجدنا أنفسنا في مكان على شكل حوض في جهاني، جنوب لمريجا، فواجهَنا المغاربة من فوق التلال المحيطة بالحوض، بوابل من الرصاص.
كان الأعداء يفوقوننا في العدد بثلاث مرات، حاولنا الانتشار لحماية أنفسنا، بدون جدوى، بحيث واصل المغاربة إطلاق النار المركز علينا بسرعة البرق المتوالي، وفي الليل فقط توقفت النيران، فقد كان المجيشون قد استنفذوا ما لديهم من ذخيرة.
صباح اليوم التالي، وصلت سرية القبطان (ليفيك) المكونة من 250 رجلا من القوات المنتمية لفيلق اللفيف لمساعدتنا، بقي قسم منه في عين المكان، والقسم الآخر منها، بعدما تَمَوَّن في لمريجة، توجه لبودنيب، المدينة التي فرّ لها المغاربة، اعتنى رجال قسم (ليفيك) بالجرحى الذين تم إرسالهم فورا للمريجا، لكن سيارات الإسعاف جاءت لتحملهم أثناء الطريق نحو مستشفى كلومبشار، أما أنا والجندي ماركويتش، كنا حملنا على متن طائرة طبية، توجهت بنا للمستشفى العسكري في وهران.
ووفقا للصيغة المعتادة، تم استنفار جميع المراكز، وأعطيت الأوامر بالمطاردة على الجانبين المغربي والجزائري، كما هو موضح في هذه البرقية من الرباط لجريدة Temps بتاريخ 1929/10/21.
مهما كانت العواقب الوخيمة لمعركة جهاني، فقد تمكنا في هذه الظروف من تقدير النتائج المفيدة لمؤتمر كلوبشار الذي جمع السادة: بوردس، وسانت، لدراسة الإجراءات المشتركة الواجب اتخاذها على الحدود الجزائرية المغربية.
وبالفعل تم تحذير السلطات العسكرية المغربية من رحيل الجيش من تافلالت إلى الجزائر، مما مكن القوات المغربية من الذهاب للبحث عنه في نفس اللحظة التي كان يغادر فيها قاعدته، وتم تنبيه الجزائر على الفور، ووفقا لاتفاق كولومبشار، تمكنت القوات المغربية من خلال اختراقها لحمادة الجزائرية، والحصول على امدادات في التراب الجزائري، أن تضم جهودها لجهود القوات الجزائرية.
هذه الحادثة الخطيرة، تبين على كل حال، مشكلة التهدئة التي لا تعني فقط المغرب، ولكن الجنوب الجزائري أيضا، كما توضح أننا لسنا في موقع الهجوم، ولكننا بشكل واضح وبسيط، في موقف الدفاع عن أنفسنا.
الصحف الباريسية توصلت من الدار البيضاء ببرقية مؤرخة في 22 أكتوبر.
معركة جهاني المؤلمة سمحت على الأقل بتقدير النتائج المفيدة لمؤتمر كولومبشار، الذي جمع قبل بضعة أشهر كلا من السيدين: بورديس وسانت، بهدف اتخاذ تدابير مشتركة، في الحدود الجزائرية المغربية ولأول مرة بالفعل:
1- تم إبلاغ السلطات العسكرية المغربية، بخروج جيش من تافلالت متوجها للجزائر، ودفع القوات المغربية للقيام بالبحث عنه، في نفس اللحظة التي كان يغادر فيها قاعدته.
2- تنبيه الجزائر على الفور بنتائج بحثها.
3- ووفقا لاتفاقية كولمبشار، تمكنت القوات المغربية من اختراق لحمادة الجزائرية، والتموين في الأراضي الجزائرية، والانضمام للجهود المبذولة من قبل القوات الجزائرية.
عند الوصول لمكان المعركة، أقرت القوات المغربية بفرار الجيش.
تبين هذه الحادثة أن مسألة التهدئة ليست مغربية بحتة، ولكنها تتعلق أيضا بجنوب الجزائر.
تجدر الإشارة هنا أيضا إلى أن المقابلة التي أجراها النائب البرلماني عن وهران للمرة الثالثة (رو -فريزينك) مع جريدة Temps من وهران، في تدخل صارم حول مسألة أمن حدود جنوب algero-marocains والتي طالما حظيت بترحيب من قبل الغرفة، وكان قد عاد لتوه من رحلة دراسية للمناطق الصحراوية، قبل ثمانية أيام، وتوجه من كولمبشار لأرفود بالطائرة، للاستفسار عن الوضع الحالي بتافلالت، فطار فوق ناحية جبل العياشي حيث رآى مكان المعركة الدامية، التي كلفت حياة خمسين من لفيفنا.
هاكم التصريح الهام الذي تفضل به:
أعرف ناحية بارباتين (جهاني) حيث وقع الحادث المؤسف، والذي سرق منا حوالي 50 شخصا، بين قتيل وجريح، كنت قد حلقت فوقها قبل أيام قليلة بالطائرة، في رحلتي من كلومبشار لأرفود، ثم من أرفود إلى بني عباس، وهي بلاد وعرة جدا، وبالتالي فهي مناسبة بشكل كبير لنصب الكمائن.
هذه الحلقة الأخيرة، ليست سوى النتيجة المنطقية للأحداث السابقة، حيث اعتمدنا تصرفا بالتأكيد غير مناسب، إذ جرأ الجيوش علينا، بعدما تركت أفعالها دون عقاب، جعلهم يعتقدون يوما بعد يوم، أنه يمكنهم فترة بعد أخرى، الإقتراب من كلمبشار، بل والتوغل فيها بنفسها، وتجدر الإشارة إلى أن تافلالت، هي منطلق كل الهجمات، وهناك يجب تنظيم بعثات للاستطلاعات.
بلقاسم النكادي جمع مع ما بين 300 أو 400 من الأشرار يكونون حرسه الإمبراطوري، مدعما من آيت حمو، الذين صاروا رحلا، فجاؤا يطلبون التموين بالقرب منه، فأثار الفزع في كل القصوريين، وأصبح سكانها يريدون منا المجيء عندهم، لوضع حد للتجاوزات القاسية التي يعانون منها.
يمكن لي أن أقدم لكم إفادات في هذا الموضوع، ذلك أني توصلت من أرفود بـ22 طلب صادر عن جماعات تافلالت، والتي تؤكد بأننا مكسب لها، وتطالب بتدخلنا. علاوة على ذلك عندما كنت في أرفود، جاء وفد يمثل تافلالت، المكونة من ستة مناطق، ولم تتخلف منها إلا واحدة، للتعبير عن رغبة السكان المستقرين، في العيش معنا بسلام، مطالبين تخليصهم من بلقاسم النكادي وأتباعه، الذين عجزوا عن مقاومتهم، ولم نرد بعد على طلباتهم الملحة هذه.
ضباطنا ليسوا مخولين حتى لحماية أنصارنا بشكل فعال، في (ريشزغارا) على سبيل المثال، بعيدا عن أرفود ببضع كيلمترات، على حدود النخيل، حيث يحافظون على استقلالهم بصعوبة بالغة.
إنها ليست مسألة تنظيم بعثة عسكرية، فيكفي بالنسبة لنا ما تم تأسيسه في أرفود على الرأس الشمالي لتافلالت، علينا أن نحتل فيي ضواحي الواحات بعض النقاط الختارة جدا، في المنطقة المجاورة مباشرة للقصور الصديقة، لنكون قادرين على تزويدهم بالمساعدة، عندما يحتاجونها، وذلك في الوقت المناسب، من ناحية أخرى، تمكننا تلك الاحتلالات من مراقبة الممرات، والقادم فيها من الناس، لمنع وصولهم لتافلالت، وبذلك سيوجد بلقاسم النكادي قريبا، متخلى هو نفسه عن البلد، لأنه صار غير آمن فيه.
بناء سكة حديد كلومبشار أرفود، الذي تقرر من قبل السلطات الجزائرية والمغربية العليا، لكنه لم يخضع بعد لأي إجراء تنفيذي، أو حتى الشروع في دراسته التقنية، مما يسهل القيام به منفردين.
القرارات التي اتخذت بالإتفاق المتبادل، من قبل السلطات المغربية والجزائرية في كلمبشار هذا العام، إذا ما تم تنفيذها بجدية، ستضع بالتأكيد، حدا لهذا الوضع، أما إذا استمرينا في هذا التقاعس الحالي، فمن المحتمل أن نعرف كوارث حقيقية في المستقبل.
لم تسفر المطاردة عن أية نتائج مثيرة للاهتمام، فكما هو الحال دائما، تفرق الجيش، وساد الصمت على تلك المعركة المأساوية الجديدة، التي لم يكن لها أي تداعيات في مجلس النواب، المنشغل بحوادثه البرلمانية أكثر إثارة من هذه، ومع ذلك فإن جهاني بعد منوارا، أيت يعقوب، وعطشانا، طرحت مسألة تافيلالت، وأمن المغرب، وأمن الحدود الجزائرية المغربية المترابط.
———
L,Afrique Francaise 1929 pp: 482-484