مـســألــة واد الـذهـب 1929م (2/2)

07 سبتمبر 2025 16:58

هوية بريس – ذ.إدريس كرم

…ربما تباينت أساليب تطبيق هذه الأخيرة، تبعا للظروف ومزاج القادة المسؤولين عن تنفيذها، إلا أن مبادئها الأساسية، ظلت ثابتة على مدى السنوات العشر الماضية، مما ضمن استمرارية جوهرية للآراء، لاسيما بهذه الطريقة التي يمكن تلخيصها في صيغة: اليد ممدودة، والسلاح جاهز.

هذه هي الخطوط العريضة للسياسة التي قادتنا خبرتنا الطويلة إلى الحفاظ عليها، على حدودنا الصحراوية، عندما يمكن تطبيقها في آن واحد، على جانبي حدود مثالية، لا تتوافق مع أي شيء محدد، في عيون المغاربة، ولكنها تستقيم فجأة بطريقة سحرية، بين النُّهاب، والعقوبة التي تنتظرهم.

سنكون قريبين جدا من وضع حد للنهاب، الذين لا دافع لهم سوى التهافت، على سرقة قطعان الماشية، وطلب فدية من المسافرين.

لن نجْبَر بعد الآن على هذا الحل الخطير، المتمثل في معاملة محاربي الطرق الحقيقيين كمحاربين، ولصلاح سمعة السلطات الأوربية التي صادرت هذه الأراضي، من المهم قبل كل شيء، وضع حد فوري لاستغلال الشركات الكبرى، التي تستغل الصحراء الغربية.

في الواقع ما هي الحلول الممكنة؟ هناك حل أساسي وفقا لكل ما قيل؛ طالما أن إسبانيا لا تريد أن يضبط البوليس ما بداخل الحدود، فيجب منح حق المتابعة، للقوات النظامية، في النواحي المجاورة.

المغاربة لم يعودوا يدركون، أنهم مغَطَّوْن أكثر بالحدود المثالية، التي تمتد عبر الصحراء، لن يترددوا أبدا، سواء في القيام بغَزْو القبائل المجاورة، أو أسر الطيارين المعطلة طائراتهم، ومعاملتهم بقسوة.

لكن ربما كان من الأفضل دون شك، لو أن إسبانيا، وافقت على ضمان تواجد البوليس، في الأراضي التي اعتُرِف لَهَا بها.

بَدْءً ستكون المراقبة الجوية فعَّالة للغاية، وكما قال الأنجليز، “السِّرْبُ الذي يطِير، هو الدَّرَكي الذي يمْشي” وقد اختبروا ذلك في بلاد ما بين النَّهرْين، حيث تمكنوا من تهدئتها، بأسرابهم وحدها.

وستكون هناك مراقبة من قبل مهَارِيس، ولا شك أن مجموعة من 200 مغربي مسلح، جيِّدوا التأطير، يشكلون تهديدا خطيرا، ستكون كافية لضمان الأمن، وقد ثبت ذلك في موريتانيا، حيث رُحَّلُ القبائل على الخيول، يجوبون تخوم واد الذهب، فكلما تعطلت طائراتنا بين بورت-إيتيان، وسان-لويس، لم يواجهوا طياريها أي أعداء.

المغاربة على دراية بالأعمال الانتقامية التي سيتَعَرَّضون لها في حالة وقوع هجوم، لقد أظهروا استعدادا للتعاون، كانت هذه التسهيلات مفيدة للغاية، وينطبق الأمر نفسه على طول ساحل واد الذهب، فيما لو استطاعت مجموعة متنقلة من المهاريس، نقل حاجياتها الضرورية.

وأخيرا هناك القمع الاقتصادي، تحتاج القبائل المغربية إلى استيراد مواد متنوعة للبقاء على قيد الحياة: الأقمشة، والسكر، والشاي، وإذا كان الموسم جافا الشعير، كما يتعين عليهم بيع صوف قطعانهم، لمراكز التعامل في أكادير، وجوبي، وسان لويس.

يبدوا أنه إذا اتفقت فرنسا وإسبانيا، على إغلاق هذه المتاجر مؤقتا، كنوع من الانتقام، فلن يبقى المور في هذه الحالة من الفوضي، وقد شهدنا للتوِّ نموذجا بيِّناً لذلك.

قبل بضعة أشهر، وقع للقبطان مارتنيز عطب في طائرته على بعد 12كلم من جوبي، قبيلة آيت كوت، الذين استولوا عليه، وبقي عندهم معتقلا لمدة 16 يوما، وعاد بفدية قدرها 1.500 دورو، أو 3.000 فرنك.

بعد هذه المغامرة، منعت الحكومة الإسبانية مصنع جوبي من شراء الصوف، في آيت كُوت للتصدير، مقابل مئات الملايين من الفرنكات، ولأن قبيلة آيت كُوت في حالة حرب، مع قبائل الشمال والجنوب، ليس لها منفذ إلا جوبي، بقوا ستة أشهر في التفاوض مع الإسبان، مقترحين عليهم، رد الفدية لهم.

لذلك نرى أن هذا القمع الإقتصادي المحض، كان له تأثير كبير، لكن ليس من حقنا أن نحدد الوسائل بالتفصيل، المسألة طرحت، ويجب حلها، إسبانيا لن يُقْبل منها أن تستمر في القول بأنها قلقة، بشأن أمن طريقها، أو جذب طياري العالم بشكل متزايد، سواء طياريها أو طياري الآخرين.

معمِّرو فرنسا ينضمون للطيارين لمطالبة حكومتنا، بمواصلة المفاوضات التي بدأت مع الحكومة الإسبانية، بهدف تحقيق أقصى استفادة، شيئا فشيئاً.

في جلسة مجلس النواب المنعقدة في 17 يناير قدم السيد ألسيد ديلمُنْت، عضو البرلمان، بيانا بشأن هذه الأحداث، قدمه مختزلا إلى وزير الخارجية، وفيما يلي نص التقرير:

السيد ديلمونت: في يونيو 1927، تعرضت بورت-إيتيان، وهي مدينة فرنسية في موريطانيا، تقع على الساحل الجنوبي لوادي الذهب، لهجوم من قبل غزاة مغاربة، قدموا من الأراضي الإسبانية، وذلك في أعقاب غزوة سابقة عام 1924 ضد نفس المدينة.

تناولت الصحافة هذا الحادث بإسهاب، وسرعان ما تنبه الرأي العام إلى حوادث جديدة، تقع على نهر واد الذهب، كان فيها الطيارون يُفتدون أو يقتلون.

وهكذا وعلى مدى سنوات، ظهرت هذه الحوادث التي تكاثرت في هذا الجزء من إفريقيا الشمالية، مما سبب لنا قلقا دائما على مواطنينا.

فما أسباب هذا الوضع؟

بين جنوب المغرب، وشمال مستعمرتنا موريطانيا، هناك شريط طويل من الأرض يبلغ طوله 1.200 كلم ويمتد على طول الساحل، ويشكل مستعمرة أو محمية إسبانية، ووضعه السياسي هو أصل الصعوبات التي سأناقشها معكم بسرعة.

تبلغ مساحة هذه البلاد، أقل بقليل من 300.000 كلم مربع، أي ما يقارب نصف مساحة فرنسا، ويبلغ إجمالي عدد سكانها 30.000 نسمة.

لا تحتل إسبانيا إلا بعض النقاط الإستراتيجية منها، وكل ما بقي يسكنه النهاب المغاربة، الذين يمتلكون نفوذا واسعا هناك.

تهيمن أربع قبائل كبيرة -ليس من المهم ذكر أسمائها- على هذا الجزء من الأراضي الإفريقية هيمنة مطلقة.

هل هي محمية؟ هل هي مستعمرة إسبانية؟

وضع وادي الذهب، ليس ثابتا تماما، ومع ذلك، فقد حُدِّد بموجب ثلاث معاهدات متتالية، واحدة في عام 1900، وأخرى عام 1904، والأخيرة عام 1912، التي رسمت الحدود مع جنوب المغرب، وحافظت على الإتفاقايات السابقة.

تعمل قواتنا الشرطية في الشمال عبر المغرب، وفي الشرق عبر الجزاير، وفي الجنوب عبر موريطانيا، وهي جيب إسباني بين هذه الأحزمة من الأراضي، حيث تمارس شرطتنا عملها، وهي تشكل ملجأً للرُّحَّل الذين يريدون فدية لِمَن وقع بين أيديهم.

إن عواقب هذا الوضع واضحة من منظور مستعمرتنا الفرنسية بإفريقيا الغربية، وفي منظور المغرب والجزائر، كما أنها تكوِّن أسبابا للقلق عند الدوائر الإستعمارية.

قربها من موريطانيا، يجعل هذه المستعمرة عرضة باستمرار لغارات مليشيات وادي الذهب، وهي غارات وصفها السيد ليبرون بإسهاب، في تقريره إلى مجلس الشيوخ، بشأن الميزانية الإستعمارية، موضحا خطورة هذا الوضع.

من وجهة النظر الإستعمارية تحديدا، شكَّلت هذه الغارات في الماضي، خطرا جسيما، ففي عامي 1924 و1927 تعرضت مدينتنا بورت-إيتيان، للهجوم مرتين، ونحن عاجزون عن اتخاذ إجراءات حاسمة، لأننا نحن هنا ببساطة، في حالة وضع دفاعي.

لكن إذا كان الوضع من وجهة النظر الإستعمارية، يمثل الخطورة التي أشير إليها، فهو أشد خطورة من وجهة نظر سير عمل خط طيراننا؛ تولوز – دكار -بيونس -إيرس (حسنا ! حسنا !)

الربط الجوي الذي يضمن الإتصال بين فرنسا وأمريكا الجنوبية، يمر من البداية إلى النهاية عبر واد الذهب – وهو الخط الرئيسي، الذي ينطلق من تولوز ويذهب إلى بيونس-إيرس، عبر الدار البيضاء، أكادير، فيلاَّ سيسنيروس.

هذا الخط الرئيسي المفتوح لحركة المرور منذ فاتح مارس 1928، بموجب اتفاقية، سأخبركم عنها ببضع كلمات:

هل تعلمون ما هي أوقات الرحلات التي حققتها هذه الشركة الفرنسية الرائدة؟

سألت اليوم عن أحدث الأرقام القياسية من تولوز إلى بيونس-إيرس، الرحلة تمت بفضل شجاعة طيارينا اليوم

(تصفيق)

غادرنا تولوز صباح الجمعة، مررنا عبر الدار البيضاء،

ونمنا في أكادير، وفي الغد السبت صباحا، توجهنا للمبيت في سان لويس، الأحد صباحا، وُزِّع البريد في دكار.

هذا أيها السادة هو العمل الرائع للربط الجوي، الذي تحقق فوق واد الذهب (تصفيق)

بعد يومين من السفر، وصلت الطائرة إلى دكار،

واستلمت زوارق الدوريات البحرية الفرنسية البريد يوم الأحد صباحا، واتجهت به إلى نَتَال، لتصلها في ليلة الأربعاء أو الخميس.

صباح يوم الخميس طائرة الشركة الفرنسية، غادرت ناتال لتصل ريرديجنرو، في نفس الليلة، بعدما قطعت حوالي 1.200 كلم، ثم واصلت طيرانها نحو بيونس إيرس، ومنه إلى الشيلي.

هذه الرحلة بأكملها نُفِّدت بتفان، وهو ما لم يكن أحد ليفعله لسنوات، أكرر؛ تم إكمال الربط بين تولوز وبيونس إيرس، في ثمانية أيام.

كيف يمكن لهذا الخط الذي يحقق هذه الإنجازات من الإنتظام أن يبقى ويصمد، إذا لم تكن السلامة مضمونة؟

الآن هذه هي الفرضية التي يجب أن نناقشها في هذا السياق، من الحوادث الخطيرة، التي وقعت في السنوات الأخيرة.

في عام 1921 أسر ميرمود وأخذ، وفي 1926 أسر ثلاثة طيارين؛ كوربي، إيرابل، بينتادو، على يد المور في وادي الذهب وقتلوا.

وفي عام 1927 أنقذ لاريس، وبورخيص، وهما من عائلة دراج بأعجوبة.

وفي يبراير 1928 أسر قبطان إسباني على بعد 500 متر من رأس جوبي لمدة 15 يوما وأعطي مبلغ 1.500 دورو، للدولة التي تمارس سلطتها على واد الذهب، في 17 أكتوبر 1928 أنقذ السيد سان إكزوبيري، طاقمين إسبانيين كانا ضحايا للمور.

كان لكل هذه الأحداث تأثير على مستقبل أمتنا وتطورها ولكن يبدو أن أخطر الحقائق التي تؤثر على الحياة الوطنية، لا يمكن تحقيقها إلا من خلال أحداث تؤثر بشكل خاص، على الرأي العام، مثل نشاط “راين وسير” التي تحدث عنه قادة الجمهورية عام 1928 بإسهاب خلال السنوات القليلة الماضية.

حينها لم يكن المختصون وحدهم، بل عامة الناس أيضا، على دراية بمخاطر الوضع الراهن، في واد الذهب سقط شابان فرنسيان رين طيَّار، وعامل باريزي صغير، مهندس متخرج من مدرسة البولي تكنيك، اللذان طارا بطائرة لقطع المسافة بين الدار البيضاء ودكار، سقطا في واد الذهب، فأسرا، واحتملا ذلك بصبر وشجاعة، لقد كان مواطنونا مستهدفين أثناء المرور بين القبائل، لأن المغاربة عندما يأسرون أحدا، يبيعونه أحيانا لقبيلة أخرى، وهكذا ينتقل التعساء من يد لأخرى، وإذا ما نجوا بحياتهم في المرة الأولى، وإذا لم يكن آسروهم الأوائل إنسانيين، فإنهم يتساءلون عما إن كانوا سيغتالون من قبل الأخيرين، كما حدث أكثر من مرة،

تحمل رين وسير، هذه المحن بصبر وشجاعة، تليق بالعِرْق الذي ينتميان إليه، وعندما عادا لباريس استقبلهما السكان بحفاوة بالغة كأبطال متواضعين، لم يسعوا قط، وراء مكاسب شخصية، بل أنجزوا ببساطة أعمالا تنم عن أسمى وأنبل الخصال (تصفيق).

انبهر الشابان الفرنسيان بالجهود المشتركة للناس، ومن بينهم حتى لا ننسى السيد تيت، المفتش العام لشركة البريد الجوي، والسيد جيرفيل ريتش، الذي أرسل في مهمة للتواصل، من أجل ضمان هذا التحرير.

كل التصرف كان بالإشتراك مع ممثل الحكومة الإسبانية االسيد الكولونيل ديلابينا، الذي ندين له بالإمتنان، لبذله قصارى جهده لضمان إطلاق سراح مواطنينا (تصفيق)

السيد أرتيد بريان وزير الخارجية:

السيد ديلمونت، بالطبع معالي الوزير، أنا متأكد من أن جميع القوات الفرنسية ساهمت في إطلاق سراحهم، بالتنسيق مع السلطات الإسبانية.

أيها السادة، تعطل المحرك والهبوط الإضطراري، جزء لا يتجزأ من مخاطر طيرانِ طائرة.

أي طاقم طائرة يسقط -وهنا تبدأ المأساة- في هذه الصحراء، يفْتَدى ويُنْهب، طاقم الطائرات الإسبانية كغيره من الطواقم بعد سقوطه.

لقد أكدنا من منظور استعماري فرنسي، أن على فرنسا واجب تطوير المستعمرات التي تحتلها، وأنه لا يحق لها ترك الأراضي التي تمارس عليها سيطرتها، دون استغلال أو توظيف.

هذه الأطروحة دافع عنها السيد أبرت سارو، نيابة عن الحكومة وأكدها مؤخرا السيد ماجينو وزير المستعمرات ونضيف من منظور دولي، أنه لا يحق لأي دولة التنازل عن سلطتها الشرطية، على أرض خاضعة لانتدابها، إن الواجب الأول للشعب الغازي، والواجب الأول للشعب المتحضر الذي يرغب في ممارسة سلطته الإستعمارية، هو ضمان سلامة من يستخدمون هذه الأرض.

تتجلى هذه الحجة بقوة هنا، فكما ذكرتُ، وقعنا اتفاقية مع إسبانيا في واد الذهب، عام 1928 اعترفت بحقنا في التحليق فوق وادي الذهب. ويقابل هذا الحق التزام بضمان سلامة الطيران فوق الأراضي التي يحق لنا التحليق فوقها.

أنا هنا أعبر عن رأي الحكومة، وقد صرح وزير الخارجية الذي سئل عن هذا الموضوع في مناسبات عديدة، بأن محادثات جارية، بهدف حل هذه المسألة الحساسة.

كيف يمكن حلها؟

أعرف أن المباحثات جارية، ولذلك أريد أن أكون صريحا بشكل خاص؛ وأعتقد أنه قد تم اعتماد هذه الصيغة في مناقشة مماثلة تقريبا، أجراها زميلي السيد موريس فيوليط، في أنه من الواجب النظر في ممارسة حق الملاحقة، أو البحث عن أي وسائل إخرى.

ستجد الحكومة في تقرير السيد لابرين الذي أشرت أليه، جميع المؤشرات المتعلقة بالأساليب التي يمكن تطبيقها لضمان سلامة مواطنينا عند عبور واد الذهب؛ ومهما كان الأمر، فيجب إيجاد صيغة، وكما كتب السيد ليهرون؛ لا يمكن تجنب هذا الوضع.

“صرخة من كل المحاكم، كتب السنتور المحترم؛ لا يمكن أن يستمر هذا الوضع، من أجل شرف الأمم المتحضرة، التي تقبل بابقاء أعلامها ترفرف فوق بعض الأراضي الإفريقية، يستحيل تخيل شجاعة هؤلاء الطيارين، هذه الكائنات من النخبة، في صراع دائن مع قوى الطبيعة، أو تحت رحمة بعض النهابين المغاربة”.

من الضروري -وهذا استنتاجي- أن يشعر طيارونا الذين يظهرون يوميا قدرات استثنائية في التحمل والنشاط، بأن التأخير في المفاوضات الضرورية التي تم الشروع فيها، يُضيف مخاطر كان من الممكن تجنبها، إلى المخاطر الحتمية التي يتقبلونها بابتسامة شبابهم، وشجاعة شعبنا (تصفيق).

الرئيس؛ الكلمة للسيد وزير الشؤون الخارجية

السيد وزير الشؤون الخارجية: لقد استمعت باهتمام بالغ لحضرة السيد ديلمونت، وأُعرب عن تأييدي الكامل لكلمات المديح التي وُجِّهت إلى طيارينا، لا يمكننا أن نقول أي شيء لا يقل عن الإحترام، وهي رسالة بطولية لا توصف، لقد كنت في غاية السعادة، شعرت بضرورة تذكير زميلي بالرغبة في رؤية سؤاله الذي أشار إليه، في أن الأمر قد يكون أسهل، بالنسبة لي والمتمثل في أن أقدم له لاحقا، بعض الإسترضاء الذي يتوقعه.

السيد ديلمونت الموقر ومن حقه أنه رأى نفسه ملزما بمتابعة هذه المسألة؛ بل إنه تناولها بحذر وحكمة، وهو ما أجيب عنه.

عندما نتحدث عن واد الذهب، يجب ألا ننسى أننا نتعامل مع أرض شاسعة للغاية، صحراوية في معظمها، وهي علاوة على ذلك، ليست ملكا لنا، على هذه الأرض تمارس دولة صديقة، نحافظ، وسنسعى دائما للحفاظ على علاقات ودية للغاية مع سلطتها، ودعمها إلى الحد الذي يمكنها من سيطرتها الفعالة.

من المؤسف أن حوادث كهذه التي ذكرها السيد ديلمونت قد تقع بكثرة في مثل هذه المناطق، والأهم من ذلك، يجب بذل كل الجهود الممكنة لمنع تكرارها، ولكن لا يخفى عليكم أن حل هذه المشكلة عمليا بالغ الصعوبة، وأنها على كل حال، تتطلب مفاوضات معقدة بين الحكومتين المدعوتين للتشاور.

وهذه المفاوضات تحديدا، هي التي تجري حاليا في هذه اللحظة التي أرد فيها على السيد ديلمونت المحترم، ورغم أنها لم تسفر عن نتيجة حتى الآن، إلا أنها أظهرت رغبة الحكومة الإسبانية الصادقة، في إرساء نظام يضمن في المنطقة المعنية، أقصى مستوى من الأمن المطلوب.

كما أبدت السلطات الإسبانية، تضامنها الكامل معنا، من خلال مساهمتها بكل ودٍّ ونشاط، في التدابير المتفق عليها، بين إدارتي ووزير المستعمرات، لضمان إطلاق سراح الطيارين على الأقل. (رائع، رائع!).

فيما يتعلق بجوهر المشكلة، ومع ذلك يمكنني أن أقول للمجلس، إن نشاط وزارة الخارجية، لم تتوقف يوما عن بذل أي جهد للتوصل لحل سليم.

المفاوضات الجارية يجب أن تستكمل بشكل عادي، حتى اكتمال هذا الإستنتاج، وليس هناك سوى سبب واحد، هو أن لا يكون هذا الإستنتاج سعيدا.

يمكن النظر في عدة اعتبارات، لدينا في منطقتنا التي ليست بمنأى عن انعدام الأمن، على سبيل المثال، ينظم مجموعة مهاريس، في أسرع وقت، لتمكننا حركتها السريعة من توسيع منطقة قواتنا الشرطية، فتشمل مناطق شاسعة مضادة، لتشكيلات الرُّحل المتنقلة بدورها.

لكن هؤلاء الرحل بعد أن يكونوا قد ارتكبوا فعلتهم السيئة، ما يزال بإمكانهم الهروب من مهاريسنا، فيطاردون لغاية الحدود الإسبانية. ومن الضروري إذن التعامل مع الصعوبات التي تواجهها إسبانيا في هذه المناطق.

تسعى إسبانيا إلى فرض سيطرتها الفعلية على أراضيها، كما نفعل نحن على أراضينا، لذلك لا يمكننا تحقيق ضمانة أمنية إلا من خلال تنسيق هذه التدابير،

أعتقد أنني أستطيع التأكيد لكم، أن قلق الحكومة الفرنسية هذا، يتماشى مع قلق الحكومة الإسبانية.

يمكننا اعتبار أول أثر للمفاوضات، أن حكومة مدريد، أبلغتنا بنيتها تعزيز قوات الشرطة، في الأراضي الخاضعة لسيطرتها، من خلال إنشاء وحدات حرس حدود مماثلة، لتلك الموجودة في موريطانيا، تسمح بربط عمليات السلطتين، مما سيحقق بالفعل، وضعا أمنيا هاما (جيد جدا! جيد جدا!).

وسيكون هذا أيضا ضمانا للتقدم الحقيقي، في هذا الإتجاه من التعاون الفعال، الذي يبرر تطوره المنطقي تضامنا أوثق، من خلال ممارسة حق المتابعة المقرَّرِ في ظل نظام الضرورة القصوى، لصالح المصلحة المشتركة، للحكومتين التين تتحملان المسؤولية الأخلاقية، والْعِبء الإداري، لضمان النظام في هذه المنطقة.

تأكيد هذا الإهتمام المشترك، وهذا المفهوم المشترك في تفكير الحكومتين الصديقتين، يكفي لتبرير كل الآمال المعقودة بالفعل على الأراضي الإفريقية، في ممارسة تعاون طويل الأمد قائم على الثقة.

ومن جهتي أُؤكد للسيد ديلمونت المحترم، أنني لن أغفل ما هو مشروع من اهتماماته، وأنه بفضل العلاقات الممتازة القائمة بين إسبانيا وفرنسا، سأواصل العمل قدر استطاعتي، لضمان التطوير الناجح للمباحثات التي أجريت (تصفيق)

الرئيس -الكلمة للسيد ديلمو

السيد ألسيد ديلمون -من الضروري أن أوجه رسالة إلى السيد رئيس المجلس ووزير الخارجية

السيد وزير الخارجية (ضحك) عذرا! السيد وزير الشؤون الخارجية

السيد ألسيد ديلمون، زلة لسان مبررة، أليس كذلك؟ في حين أننا عرفنا السيد بري لفترة طويلة…أعتقد سيدي الوزير أن هذا النقاش كان ضروريا، وسيصدر عنه بيانات تُطمئن المعنيين بهذه القضية الملحة، نعلم أننا وصلنا أقصى حد للمفاوضات الضرورية، وأن المشكلة قد طرحت علنا.

لقد أخبرتنا أننا أرسينا سابقا مبدأ التعاون، عن طريق المهاريس، مع حق مطاردة متبادل للسماح بالدفاع عن المختطفين في الأراضي المجاورة.

هذا يكفينا، نعلم يامعالي وزير الخارجية، أنك ستتعاون من الآن فصاعدا، مع زميلك من الداخلية، وزميلك من المستعمرات، لضم هذا الجهد الضروري إلى الحكومة الإسبانية، وبالتالي توفير الطمأنينة والحماية لمواطنينا المهددين في صحراء واد الذهب، وضمان كفالة تحسين حالتهم النفسية، بأن الإحباط لن يكون في انتظارهم بعد الآن، وسوف يكونون قادرين على استئناف رحلتهم الجريئة كسفراء متطوعين لفرنسا، حامين أفكارهم في كل مكان، مقدِّمين مثالا على شجاعتها وبسالتها. (تصفيق).

سيدي الرئيس: انتهى الموضوع.

————

أنظر: la question du rio doro

في: نشرة إفريقيا الفرنسية 1929/ (ص:16-20).

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
7°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة