مفهوم مبتكر و عجيب للسياحة الداخلية

25 يونيو 2024 15:17

هوية بريس – محمد كرم

أبى أحد أصدقائي مؤخرا إلا أن يتقاسم معي مشكورا مقالا إخباريا ليس فقط بهدف إطلاعي على مضمونه و إنما لغاية انتزاع رأيي في موضوعه أيضا مع دفعي بشكل غير مباشر إلى التفكير في تحرير تعليق شخصي قابل للنشر على الرغم من اقتناعه ـ كغيره من القراء ـ بأن مقالات الرأي لا تؤثر على مجرى الأحداث في الغالب و بأنها تظل مجرد شهادات على العصر. و طبعا ما كان لهذا المنشور أن يسافر بسرعة البرق لو لم يكن به ما يشد الانتباه إيجابا أو سلبا.

المنشور موضوع مقال اليوم عبارة عن لائحة خدمات و الأسعار المقابلة لها، و هي تهم مؤسسة متخصصة في نوع معين من الترفيه و تتخذ من مدينة ساحلية مغربية مقرا لنشاطها.

و قد لا يختلف إثنان في كون هذا المشروع الاستثماري تطلب أموالا طائلة و خضع لهندسة رصينة و حسابات دقيقة، و لكن لا أعتقد بأنه بالإمكان إدراجه ضمن المشاريع التنموية المستدامة بما أن نشاطه موسمي فقط و خدماته لا تنطوي على فائدة أو فوائد تستحق الذكر، إذ لا فرق بين إحدى هذه الخدمات و الوقوف تحت المطر أو تحت شلال طبيعي، و لا فرق بين أخرى و السباحة في أي نوع من المياه. أما التدبير اليومي للمشروع على امتداد ثلاثة أشهر في السنة على أقصى تقدير فلا يتطلب غير مادة أولية مجانية (ربما ماء البحر) و طاقم من المسيرين و المراقبين الشباب الذين لن تتجاوز أجورهم الحد الأدنى في انتظار انقضاضهم على فرص عمل حقيقية.

طبعا كنت سأتفهم الجدوى من هكذا استثمار لو استهدف أصحابه مدينة داخلية يكتوي أهلها بلهيب شمس يوليوز و غشت و محرومون من مجرد النظر إلى البحر و أمواجه، أما و أن يعمد مستثمرون إلى خلق ما يشبه البحر بمحاذاة بحر حقيقي فهذا أمر يتطلب دراسة سيكولوجيا الزبناء أولا و يذكرني بملاحظة أسر لي بها ذات يوم أحد الفرنسيين ممن اختاروا قضاء فترة تقاعدهم بمملكتنا حيث قال لي : “أنا عاجز عن فهم إقبال المغاربة و بكثافة على عصير البرتقال الصناعي في بلد تمتلئ أسواقه بالبرتقال الطبيعي !”

و على أية حال، أنا لا تهمني طبيعة الاستثمار إياه ـ و هو استثمار خاص لا مجال لإلقاء اللائمة على الدولة بشأنه و لا أملك شخصيا غير الدعاء لأصحابه بأن يجعله في ميزان حسناتهم ـ  بقدر ما تهمني الأسعار المطبقة. فعلى الرغم من بساطة الخدمات المقدمة ـ إن لم أقل تفاهتها من منظور رجل راشد … و حامل لشهادة البكالوريا ! ـ و على الرغم من إمكانية الاستفادة من متع مشابهة بمواقع أخرى  مجانا أو بتكلفة أقل بكثير ارتأى حكماء المشروع تحديد ثمن ولوج المركب المائي في مبالغ تختلف باختلاف الأوضاع السوسيو اقتصادية للزبناء المحتملين و هم يعلمون علم اليقين ما يمكن لهذا التصنيف أن يخلقه من امتعاض و إحراج في صفوف العديد من الآباء الذين يضطرون للرضوخ لضغوط صغارهم و يافعيهم المتلهفين لهذا اللون من الترفيه.

و في ما يلي مربط الفرس، أي هذا ما ينتظر كل من سولت له نفسه إقحام رأسه بشباك التذاكر :

 

أولا : طبقة الزبناء “الشعبيين”

1ـ السعر الأدنى (للولوج إلى التجهيزات المائية لا غير) :

180 درهما للكبار

140 درهما للأطفال

2ـ السعر الأعلى (للولوج إلى التجهيزات المائية + ركوب العربات المعلقة بالنسبة للزبناء المغاربة) :

250 درهما للكبار

195 درهما للأطفال

 

3ـ السعر الأعلى (للولوج إلى التجهيزات المائية + ركوب العربات المعلقة بالنسبة للزبناء الأجانب) :

275 درهما للكبار

205 دراهم للأطفال

 

ثانيا : طبقة الزبناء “المميزين”

 1ـ السعر الأدنى (للولوج إلى التجهيزات المائية + كرسي الاسترخاء + دولاب) :

240 درهما للكبار

200 درهما للأطفال

2ـ السعر الأعلى (للولوج إلى التجهيزات المائية + كرسي الاسترخاء + دولاب + ركوب العربات المعلقة بالنسبة للزبناء المغاربة) :

310 دراهم للكبار

250 درهما للأطفال

3ـ السعر الأعلى (للولوج إلى التجهيزات المائية + كرسي الاسترخاء + دولاب + ركوب العربات المعلقة بالنسبة للزبناء الأجانب) :

330 درهما للكبار

260 درهما للأطفال

 

ثالثا : طبقة الزبناء “فوق العادة”

 1ـ السعر الأدنى (للولوج إلى التجهيزات المائية + كرسي للاسترخاء من النوع الرفيع + دولاب) :

340 درهما للكبار

300 درهم للأطفال

2ـ السعر الأعلى (للولوج إلى التجهيزات المائية + كرسي للاسترخاء من النوع الرفيع + دولاب + ركوب العربات المعلقة بالنسبة للزبناء المغاربة) :

410 دراهم للكبار

350 درهما للأطفال

3ـ السعر الأعلى (للولوج إلى التجهيزات المائية + كرسي للاسترخاء من النوع الرفيع + دولاب + ركوب العربات المعلقة بالنسبة للزبناء الأجانب) :

430 درهما للكبار

360 درهما للأطفال

 

اللائحة تتضمن خدمات أخرى أعترف بعجزي عن فهم طبيعتها و هي تهم من رأوا النور بملعقة من ذهب في أفواههم و ليس طبقة الزبناء العاديين …  و الأسعار المذكورة تطبق خارج مواسم الذروة فقط !!!!!!!!!!!!!! (لك أن تتصور، عزيزي القارئ، حجم الزيادات المطبقة خلال فترات الاكتظاظ إضافة إلى المصاريف الإضافية و خاصة إذا كانت إدارة المؤسسة تمنع استهلاك السندويشات المحضرة بالبيت على تراب نفوذها ! و لك أن تتصور أيضا هول الإفلاس الذي سيطالك في حال ألحت فلذات كبدك على معاودة الانتعاش و الاستمتاع مرات و مرات ! )

و كما يتضح من خلال التفاصيل الواردة أعلاه، فإن البون شاسع بين الأسعار المعمول بها و حقيقة الأوضاع الاقتصادية لعموم الشعب المغربي الذي من بين أفراده من لا يلمس الفرق بين الحد الأدنى للأجور و مصروف الجيب و منهم من لم يعد يقوى حتى على شراء الزيتون. هناك اليوم موظفون و أجراء محترمون بتاريخ مليء بالعطاء و الإنجازات لم يسبق لقدراتهم المالية أن أهلتهم لشراء سيارة جديدة و لو من النوع الاقتصادي أو حتى عجلة جديدة. و هناك عمال مناضلون و مكافحون لم يسبق لهم أن خبروا الاسترخاء و الاستجمام أثناء العطل بعيدا عن ديارهم بفعل ضيق ذات اليد. فهل تعود هذه الأسعار إلى اعتبارات علمية و تستند إلى حسابات رياضية مضبوطة أم أن الواقفين وراء تحديدها يعلمون فقط بأن ثمة شريحة مجتمعية (قد تكون كبيرة أو صغيرة) لا يكف أفرادها عن مراكمة الأموال بدون وجه حق ؟ و بأي منطق ستتمكن عائلة عادية و محترمة و مستورة   من صرف 1000 درهم في المعدل بمرفق ترفيهي كهذا و لمدة قد لا تزيد عن بضع ساعات ؟ ماذا جرى لعقول البعض  حتى يصرف مبلغ بهذا الحجم في مقابل التعرض للبلل مع ما يرافقه من التقاط حتمي للسيلفيات ؟

و يبدو جليا أيضا أن  بين وزن جيب الزبون المغربي و وزن جيب نظيره القادم من موناكو أو سويسرا أو الدوحة يتراوح بين 10 دراهم و 25 درهما لا أكثر ما يدفع إلى التساؤل بخصوص الجدوى من اعتماد تصنيفين في الأسعار خاصة عندما نعلم بأن ثمة متاحف و مسارح و مرافق ترفيهية أخرى مختلفة بالكثير من الوجهات السياحية عبر العالم  تصل فيها نسبة الفرق بين الأسعار المطبقة على الأهالي و الأسعار المطبقة على الأجانب إلى 100 بالمائة. فهل بهذه الكيفية تريد المؤسسة إياها أن تثبت لزبنائها المغاربة بأنها مفعمة بالوطنية و رحيمة بجيوب “أولاد البلاد” ؟

ختاما، و بعد ما عايناه بأسواق الغنم، ها نحن بدأنا نتعرف على جديد المنتجعات السياحية الوطنية … في انتظار السقوط مرة أخرى بين فكي كماشة الدخول المدرسي. كل المؤشرات تعطي الانطباع بأن صيف هذه السنة سيكون حارا إلى شديد الحرارة  … و  “للي ما ماعوش ما يلزموش”، على حد تعبير أشقائنا المصريين.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M