مقاصد الشريعة ليست علامة إشهار
هوية بريس – د.محمد عوام
لا يخفى أن مقاصد الشريعة الغراء هي الغايات والأسرار والحكم التي انطوت عليها أحكام الشريعة، فلا جرم أن رعيها أمر مؤكد لا مرية فيه، وشيء مطلوب لدى المجتهدين لا غبار عليه، حتى قال الإمام عبد الرحمن ابن الجوزي رحمه الله في (تلبيس إبليس): “والفقيه من نظر في الأسباب والنتائج وتأمل المقاصد”. في هذه الأيام الكرونية تعلل بعض الدول إغلاق المساجد بمقصد الشريعة في حفظ الأنفس والأبدان، ويزيدون على ذلك بتقريرهم لقاعدة “حفظ الأبدان مقدم على حفظ الأديان”.
بهذا يستنجدون بمقاصد الشريعة، لتسويغ إغلاق المساجد، والحق أن التسويغ مقبول وعليه جرى العلماء في اجتهاداتهم الفقهية. لكن الذي يلفت النظر أن هذه الدول حين أقدمت على إغلاق المساجد استنجدت بالمقاصد، فنزلتها منزلة العلامة (ماركة) الإشهارية، لكن أين تحقيق مقاصد الشريعة في كافة الضروريات الأخرى، ناهيك عن الحاجيات والتحسينيات؟
أين تفعيل مقصد الشريعة في حفظ العقول، بمنع بيع الخمور، من البكور إلى السحور، مع حماية الشاربين والبائعين؟ هل الترخيص لبيع الخمر يحقق مقاصد الشريعة؟ أليس في ذلك جلب اللعنات المخزيات، والكوارث والرعونات المذلات، والسخطات الناقمات، أليس في كل ذلك رجس من عمل الشيطان، فهل أنتم منتهون لتحقيق مقصد الشريعة وحماية العقول، فالأمة التي لا تحمي عقول أبنائها محكوم عليها بالتخلف والدمار، والتلاشي والاضمحلال.
وأين تفعيل مقصد الشريعة في حفظ النسل، بمنع التبرج والسفور، والتصدي لمظاهر العري التي عمت الشوارع من غير خجل ولا حياء ولا إحساس وشعور. وهل يعقل أن توجد في بلاد المسلمين شواطئ للسباحة مختلطة فيها أجساد الإناث والذكور، في بهيمية عمياء، وجاهلية ظلماء، وبعدها تحل بنا المصائب والكوارث، أبناء متخلى عنهم، ورُضَّع أُلقي بهم في المزابل والطرقات، وأمهات عازبات جمعن كل المتناقضات، نتوخى منهن أن يربين، ويعلمن، وينشئن أجيال الزنا على أحسن المناهج؟ إن هذا لشيء عجاب ففاقد الشيء لا يعطيه.
وأين تفعيل مقصد الشريعة في حفظ المال بمنع الربا وسد دور القمار والقضاء عليهما بالمرة، وهو كما لا يخفى عند خبراء الاقتصاد والمالية من غير المسلمين أن الربا داء مهلك، وتعامل ماحق. وإن المسلم ليتعجب من وجود دور للقمار تغزوا البلاد طولا وعرضا، أدت إلى إفلاس روادها، الله يعلم كم من أسر دمرت، وزوجات طلقت، وأبناء شردوا بسبب الأب الذي يضيع ماله في القمار؟ أليس من واجب الدولة تحقيقا لمقصد الشريعة أن تغلق هذه الدور، وترفع عن الناس التعامل بالربا لأنه لا بركة فيه، ولا خير، ولا نفع ولا صلاح. ألا يكفينا قوله تعالى: “يمحق الله الربا ويربي الصدقات” أليست الدول التي تتعامل بالربا تتخبط منذ زمن غير يسير في طريقها إلى النمو والرقي، كالذي يتخبطه الشيطان من المس؟
هذا غيض من فيض، من القضايا والمسائل التي لا تلتفت فيها الدول إلى تحقيق مقاصد الشريعة، ومنها مملكتنا، فهي غائبة عن تفكير المسؤولين البتة، لأن الشريعة لا أثر لها في قوانينها إلا قليلا، وحين تغيب الشريعة وتغيب معها روحها ومقاصدها، ينعكس ذلك على الواقع المعيش فترى الارتباك وكثرة المنغصات والاضطرابات.
ولهذا إذا أردنا الخروج من الأزمات بشتى ضروبها، وألوانها وأشكالها، فعلينا أن نحيي الشريعة ومقاصدها في الأنفس، والقوانين، والاقتصاد، والتعليم، والاجتماع والعمران، في كل شيء صغير وكبير، جليل وحقير، لأنها هي المنجي من المهلكات، ولأنها قبل هذا وذاك من عند الله تعالى الآمر والخالق “ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين”، ولا يليق بالمسلم، ولا بالدولة المسلمة أن تسلم لله بالخالقية ثم تتمرد على أحكامه بتعطيل شريعته، وإبطال مقصوده ومقاصده، أو تتخير من ذلك ما يلبي الرغبات والأهواء والشهوات، قال تعالى: “وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا” [الأحزاب:36].
والحمد لله رب العالمين