مقال إلياس العماري وتأويلات المتأولين
مصطفى الحسناوي – هوية بريس
لم يمر وقت طويل على نشر مقال إلياس العماري، “مقدمات في حاجتنا إلى مصالحة تاريخية شجاعة”، حتى توالت التعليقات والتأويلات، عن معنى ومغزى ومقصد وتفسير ومرمى كل كلمة وكل عبارة. على المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي.
وفي الوقت الذي اعتبره المقربون من حزب العدالة والتنمية، استعطافا لحزبهم ومغازلة له، اعتبره مختار لغزيوي دعوة لتشكيل قطب من اليسار ووسط اليسار لمواجهة العدالة والتنمية، واستنتج منه عدم دخول حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي، للتحالف استجابة لنداء العماري. وقد طالعت المقال طولا وعرضا ومن الأعلى للأسفل والعكس وبالمقلوب، ولم أجد فيه هذا المعنى وهذه الإشارة التي التقطها مختار لغزيوي.
الزميل سليمان الريسوني، اعتبر نشر المقال على موقع “هيسبريس”، اعتراف من إلياس بفشل إمبراطوريته الإعلامية، وهو معنى بعيد جدا أيضا، لأن المقال نشر بكشك وبموقع الحزب، وصاحبه يحاول إيصال رسالته لأكبر عدد من القراء، ولشرائح وتوجهات مختلفة، وبعملية بحث صغيرة يكتشف المرء المنابر التي نشرته في مدة وجيزة.
ويبقى تأويل المقربين من العدالة والتنمية أكثر منطقية لو تجاوز التهويل والتضخيم.
افتتح إلياس مقاله بالاعتراف بأن محطة 7 شتنبر أفرزت خارطة سياسية جديدة، وأنتجت معادلات غير مألوفة، انتهت معها تلك الثنائيات المعروفة والموروثة عن القرن الماضي، لتفسح المجال “أمام جيل جديد من المشاريع السياسية التي تتجاوب مع احتياجات وانتظارات المواطنة الكونية التي تخترقنا بقوة، بفعل صدمات العولمة المخيفة”. هذه العبارة رد على تلك التأويلات حيث يطرح إلياس حزبه إحدى تلك المشاريع السياسية البديلة، وضمنيا مشروع العدالة والتنمية، لأنه مما أفرزته الانتخابات الأخيرة.
وبعبارات أكثر وضوحا تحدث العماري، عن التكتل والوحدة والتضامن من أجل المصلحة الجماعية، جاعلا مدخلها المصالحة، وقد عبر عن ذلك بالقول:
“دون إنجاز مصالحة تاريخية شجاعة لا يمكن أن نواجه زحف النزوعات نحو التعصب والتنافر والاستعداء”.
وأضاف “فنحن، في حزب الأصالة والمعاصرة، متشبثون بتجسير مطلب المصالحة تجاه الجميع؛ في وطن يتسع للجميع، ويشرئب إلى الأعلى بسواعد وهامات كل بناته وأبنائه”.
وختم إلياس العماري مقاله الذي لن يمر مرور الكرام، بفقرة استنبط منها البعض إشارات واضحة رام من خلالها الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، مد اليد لحزب العدالة والتنمية، حين قال: “نستشرف اليوم، كحزب وطني فتي ومناضل، خطوات ومسارات مصالحاتنا الرحبة، بإرادتنا الواثقة وأيادينا الممدودة للجميع، لنتخلص من خصوماتنا الجوفاء وأحقادنا العمياء؛ ونتقدم سويا نحو الاعتراف المتبادل ببعضنا البعض، واضعين مصلحة الوطن وكرامة الشعب على رأس الأولويات، وآخذين الصالح العام المشترك مأخذ جد ومسؤولية، وحاملين في قلوبنا حب جذور وطننا المغرب، المدثرة بملاحم وشجاعة أجدادنا الأبطال في حفظ وحدة ومجد وإشعاع الكيان الوطني المغربي الشامخ في التاريخ”.
فهل هذه مناورة جديدة من الحزب؟
أم هو اعتراف بقوة خصمه؟
أم هي إشارات لإقناع المتابعين بالدخول في تحالف حكومي وتبريره؟
أم هي محاولة هروب إلى الأمام؟