مقبرة للمسلمين بآسفي تحمل اسم مُعمر فرنسي! (فيديو)
هوية بريس – عبد الله النملي
بعد أن لقي استحسانا وترحيبا ودعما من أعلى السلطات الدينية بآسفي، وعرضه على رئيس المجلس العلمي المحلي، وعلى مندوبية الأوقاف بآسفي، تقدمت جمعية “دار الحياة للعناية بالمقابر” بآسفي، التي يرأسها السيد عبد العزيز المودن، بمراسلة لجماعة آسفي بتاريخ 20/3/2024 ، تدعو فيها إلى تغيير اسم مقبرة “بوديس” باسم مقبرة “الرحمة”، التي تحمل اسم معمر فرنسي يهودي أجنبي. وقد سبق أن راسل “النادي المغربي للمخطوطات والمسكوكات والطوابع” بأسفي سنة 2021 لجنة المرافق بالجماعة ذاتها لترسيم قائمة بأسماء بعض أعلام ورموز الفكر والثقافة والأدب والفن والرياضة وغيرها من أبناء آسفي على بعض الساحات والشوارع والمباني وغيرها، متسائلا “ألا يستحق هؤلاء أن تحمل شوارع ومؤسسات وأزقة آسفي أسماءهم؟
ويعود أصل تسمية المقبرة بهذا الاسم نسبة إلى المعمر الفرنسي بيير دانييل بوديس PIERRE DANIEL BAUDIS، المزداد بتاريخ 27/4/1887 بمدينة كوداك. اشترى الملك المذكور المحفظ والمتواجد على طريق مراكش الكيلومتر الرابع، من عند “اسبينوزا ماريانو”، مساحته هكتاران، وهو نفس العقار الذي بقيت المقبرة تحمل اسمه (1). وقد كان المعمر الفرنسي مستثمرا في مجال الجبس وإنتاج الجير (2). ويرى الأستاذ إبراهيم كريدية، مؤرخ آسفي، في فيديو تصحيحي نشره على صفحته بالفايسبوك، يوم الأحد 23 يونيو 2024، اعتمادا على مصدره السيد محمد نجيب بلحمدية، أن ” هذا المعمر استولى على هذه الأرض وحازها بأحد هذه الحيل تحت حماية ومباركة الإدارة الاستعمارية، إما بالشراء أو بالتشارك الاحتيالي، أو بالغصب والتزوير”، واضاف “ويبدو أن هذه الأرض اشتهرت باسمه وبقيت في ملكيته حتى اشتراها منه الشيخ امبارك بلحمدية بن محمد بن الحاج عبد العزيز السلماني البروكي.. وضمها إلى أراضيه” إلى أن “تصدق بها ابنه السيد ادريس بلحمدية حتى تتحول إلى مقبرة للمسلمين بمدينة آسفي المغربية”، وتابع الأستاذ كريدية قائلا “وبهذه المناسبة نظم ادريس بلحمدية وليمة كبيرة بعين المكان لتدشين المقبرة ” (3).
وتستفز تسمية الشوارع بأسماء قادة المستعمرين ذاكرتنا الوطنية، وخصوصاً أنها تأتي بعد سلسلة مقاوماتٍ وثوراتٍ رفعت ألوية التحرير تارةً، والسيادة تارةً أخرى. وشكل المجال العمومي، من ساحات عمومية وشوارع وأزقة، مجالا لتخليد رموز الاستعمار الفرنسي وترك آثاره على مكونات المجال المغربي، سواء في فترة الحماية أو بعد الاستقلال. وفي هذا الإطار قام المستعمر الفرنسي، بعد بسط سلطته على مناطق نفوذه بالمغرب، بمحاولة ترسيم معالمه الثقافية والسياسية على بعض مكونات المجال العمومي الحضري المغربي من خلال إطلاق مجموعة من أسماء مفكريه، وكبار عسكرييه وحتى مواطنيه على بعض الساحات العمومية، ويافطات الشوارع والأزقة في المدن المغربية والمرافق الإدارية والاقتصادية والخدماتية التي شيدها المستعمر، بينما كانت الأبناك، ودور السينما والمسارح، والمقاهي تحمل أسماء أوربية أو فرنسية (فوكس، فيردان، إكسلسيور، الروكسي…).
ولم يقتصر إطلاق الرموز الاستعمارية على الشوارع والساحات والأزقة، بل طال ذلك حتى المقابر وأسماء الأحياء والدروب الشعبية التي كانت تستقر فيها جاليات أوربية. ومن ملامح تلك الغُربة بالمغرب، تِلك الكَثرة الملحوظة من الأسماء الأجنبية على واجهات المحلات والمقاهي والشركات والمؤسسات، والملصقات واليافطات التي تعلق في الأماكن العامة باللغة الفرنسية دون العربية، حتى أصبحت هيمنة اللغة الفرنسية مُعطى ملموسا بالمغرب، لدرجة يشعر المرء وكأنه في ضاحية باريسية.
إن فرض تسمية معمر فرنسي محتل على مقبرة بآسفي هو نوع من التخليد للماضي السياسي الأليم للمستعمر والحفاظ على تراثه وشرعيته. وسبق أن قررت جماعة مدينة طنجة خلال دورة شتنبر 2008 تسمية وتغيير أسماء أزيد من 1800 شارع وساحة عمومية وزقاق بالمقاطعات الأربع للمدينة، حيث تم الاتفاق على أن مشروع التسمية سيركز على النهوض بالتاريخ الإنساني والحضاري لمدينة طنجة، التي كانت على الدوام ملتقى للثقافات والحضارات منذ فجر التاريخ. وبالتالي فإن هذه الشوارع والساحات ستحمل أسماء علماء وكتاب وفنانين ورسامين وعدد من المشاهير والمخترعين الذين أناروا طريق الإنسانية وطبعوا تاريخها بأعمالهم الخالدة، وتنحية أسماء كل الشخصيات المرتبطة بالمستعمر.
نتمنى أن تصحح جماعة آسفي هذا الخطأ الجسيم وغيره الموروث عن الاستعمار الفرنسي، وتعمل على إحلال الرمزية الوطنية بدلا من الرمزية الاستعمارية، وتقوم وبحس وطني على تنحية كل الأسماء المرتبطة بالاستعمار والمعمرين من فضاءات المدينة.
هوامش:
(1) إفادة الأستاذ سعيد البهالي على صفحته بالفايسبوك 16/11/2020
(2) تعليق المرحوم الأستاذ ادريس بوطور على تدوينة ذ سعيد البهالي بالفايسبوك 16/11/2020
(3) من إفادة للأستاذ ابراهيم كريدية في فيديو تصحيحي نشره على صفحته بالفايسبوك 23/6/2024؛ أنظر الفيديو أسفله: