مقررات «طنجرة الضغط»!! (مادة التربية الإسلامية)
هوية بريس – لطيفة أسير
لم يدر بخلَدي يومًا أنّ وزارة التربية الوطنية تسابق الأيام، وتطوي الساعات منذ شهر يونيو لتسجّل بكلّ فخر اسمها ضمن رواد موسوعة غينتس، حتى قرأت أن اللجنة المكلفة بإعداد مقررات التربية الإسلامية هذه السنة، قد أتمت تأليف أكثر من 12 مقررًا دراسيًا لكافّة المستويات الابتدائية والإعدادية والثانوية في ظرف ثلاثة أسابيع وصححتهم في أربعة أسابيع وسلّمتهم بعد ذلك لمطابع قيل أنها خارج المغرب -والعلم لله ثم لهم!!!-.
رقم قياسي جديد يستطيع المغرب بفضله أن يحرز قصب السبق في ميدان إعداد البرامج التعليمية والمقررات الدراسية!!
وقبل الحديث عن فحوى هذه المقررات، لابد أن نسجل باستنكار شديد تلك المهزلة التي واكبت الدخول المدرسي الحالي (2016/2017)، والمتمثلة في غياب المقررات الدراسية الخاصة بمادة التربية الإسلامية عن المكتبات رغم بدء الموسم الدراسي قرابة شهر ونيّف، وهذا ما يدفعنا للتساؤل بسذاجة: هل قرار تغيير المقررات كان وحيًا فجائيًا نزل على وزارة التربية الوطنية في آخر الموسم الدراسي المنصرم؟ لأنّ هذا التغيير لو كان مخطّطا له فعلا، لكان الأولى الشروع في إعداد المقررات الجديدة منذ بدء الموسم الدراسي المنصرم أو قبله بأمدٍ.. هذا عند الوزارات التي تحترم ذاتها وأطرها، وعند الدول التي تقيم اعتبارًا لمشروعها الحضاري (التعليم). وليس طبخ المنتج العلمي في زمن قياسي كهذا!!
كما أستغرب بشدة إصرار الوزارة على طبع ثلاثة نماذج من المقررات الدراسية في كل مستوى بنفس الطريقة الهجينة اللامفهومة للسنوات الماضية، والتي طالما ندّدنا بها في تقارير المجالس التعليمية. وأعتقد أنّه مادام قرار التغيير فُجائيا والحيّز الزمني لا يسمح بطبخ كل تلك المقررات، كان الأجدر الاكتفاء بمقرر واحد عن كل مستوى، تعكف على إعداده هيئة منتقاة بعناية، حتى يكون المنتج العلمي في مستوى كل التطلعات، بدل تشتيت الجهود وهدر الأموال دون فائدة!!
بالإطلاع الأولي على بعض أغلفة المقررات الدراسية الخاصة بالمستوى الإعدادي، نلاحظ من خلال أسماء اللجنة المكلفة بإعداد الكتب المدرسية غياب كلّي لأساتذة السلك الإعدادي، فجلّ أعضاء اللجان من أطر الثانوي التأهيلي والابتدائي وهيئة التفتيش، وهذا إجحاف كبير في حق أساتذة هذا المستوى وتهميش غير مقبول وغير مستساغ .بل إن بعضهم -كما قيل- لا علاقة له بالمادة مثل (الدكتور سعيد الزاهري ومحمد الراضي أساتذة التعليم العالي بالمدرسة العليا للأساتذة تطوان ولا علاقة لهم بالتخصص، فالزاهري تخصص إعلاميات والراضي تخصص كيمياء والأستاذ الحضراتي مفتش ومدرس بالمدرسة العليا للأساتذة تطوان ويوسف بن عجيبة أستاذ الثانوي التأهيلي).
كما نلاحظ غياب العنصر النسوي عن لجنة التأليف وفي كل اللجان السابقة، وهذا أيضا أمر مستهجنٌ ومصادرة غير مقبولة لجهود نساء التعليم بالمغرب عامّة وأستاذات مادة التربية الإسلامية خاصة.
يُحمد للمقررات الجديدة مبدئيا الاستجابة لمطلب تقليص الكمّ، وتمديد الغلاف الزمني لكل درس، فعوض 50 درسًا بكل مستوى بالإعدادي، صار عندنا 20 درسًا فقط، وبدل تدريس الدرس في حصة واحدة، أضحى بالإمكان تدريسه في حصتين، وهذه محمدة لا يفقه كنهها إلا من خبِر محنة الالتزام بالحصة الواحدة لكل درس.
كما أحبّ أن أنوه بإدراج دروس في السيرة النبوية بكل المستويات، وحول هذا الموضوع كنّا ندندن كثيرا في تقارير مجالسنا التعليمية.
وأخيرا يحمد للمقررات الجديدة النسق التكاملي في تدريس هذه المداخل بكل المستويات.
لكن تبقى هناك مؤاخذات كثيرة وملاحظات شخصية قد تصادف هوى عند البعض، وقد تجانب الصواب، أذكر منها:
– العناوين التي تمّ تبويب المداخل بها لم تكن موفقة وتلبّسها كثير من الغموض (التزكية-الاقتداء-الاستجابة-القسط-الحكمة)، فهذه المسميات تبقى ذات دلالة مبهمة وتفتقد للدقة العلمية.
– منهجية تحليل القرآن الكريم جانبها السداد في بعض المقررات، كمقرر السنة الثالثة (الرائد) الذي وضع بين يدي التلميذ كل الأجوبة الجاهزة للمعاني والقيم الواردة في الآيات -موضوع الدرس- وكفاه مؤونة البحث عنها والتفكير في دلالتها.
– بعض المقررات كفضاء التربية الإسلامية ومنار التربية الإسلامية بلغا من السوء مبلغا جعلهما وثيقة غير ذات نفع بالنسبة للتلميذ، غاب عنها التحليل والسلاسة في الطرح، وطغت الأسئلة والزينة على الكتاب.
– نظام الوحدات القديم كان أكثر انتظاما وانسجاما، لكن نظام المداخل بطريقة وضعه هنا سيخلق للتلميذ ارتباكا كثيرا.
– نسجّل كالعادة الأخطاء المطبعية، والتعبيرية، فالمقررات الدراسية يفترض أن تكون تعليمية، أي أن درجة صياغتها يجب أن تكون القدوة التي يحتذي بها التلميذ. أما الركاكة في الأسلوب والتعقيد المبالغ فيه أحيانا لا يخدم التلميذ. ومن الأخطاء المسجلة مثلا خطأ في آية قرآنية بدرس أسماء الله الحسنى: (هو الذي لا إله إلا هو عالم الغيب..).. والصحيح هو: (هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب) إلى آخر الآية .
– في فهرسة درس السيرة النبوية نسجل هذا الخطأ “حماية الدعوى وبناء الدولة” فالدعوة ليست هي الدعوى!!!
ولكن على العموم أقول كخلاصة لانطباعي الأولي أنّ التعديلات التي طالت مادة التربية الإسلامية لم تكن بتلك الصورة القاتمة التي تمّ التسويق لها، وأنّ ادعاء حذف الحديث عن الجهاد أمر باطل لا أساس له، ولعلّ إطلالة سريعة على دروس المقررات بالسلك الثانوي بشقية الإعدادي والتأهيلي تؤكد زيف هذه الفرضية، كما أن المقرر ضاعف من محفوظ التلميذ بخصوص القرآن الكريم، فبعد أن كان لا يتعدى ثلاث سور بالسلك الإعدادي ولا شيء بالسلك الثانوي، صار الآن يشمل ستّ سور بالسلك الإعدادي (ق/ لقمان/النجم/الحجرات/الحشر/الحديد) وثلاث سور بالسلك الثانوي (الكهف–يوسف–يس)، وأعتقد أنّ هذا الأمر يعتبر مكسبًا مهمًا.
وما يثلج الفؤاد دروس السيرة النبوية التي أنارت بنور صاحبها المقررات الدراسية، وكانت إضافة استبشر بها الأساتذة والتلاميذ على حدّ سواء، وقد جاءت مسطرّة على هذا المنوال في السلك الثانوي بشِقيه :البعثة ومراحل الدعوة / ثبات الرسول صلى الله عليه وسلم / صبر السابقين / دار الأرقم / الهجرة إلى الحبشة/ حصار الدعوة وثبات أهلها / رحلة الطائف والإسراء والمعراج / الهجرة إلى المدينة / المسجد نواة المجتمع / وثيقة المدينة وإرساء قواعد المجتمع المسلم / إيواء الرسول ونصرته أبو أبوب الأنصاري وأم سليم / / صلح الحديبية وفتح مكة / الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته / وفاة النبي صلى الله عليه وسلم). كما تم إدراج الجوانب المقاصدية للسيرة النبوية وبعض غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم كبدر وأحد.
وخُصّصت دروس للتّأسي بسيرة الصحابة الكرام، فأُفردت دروس للخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم.
هذا إلى جانب الدروس المعتادة في المادة على مستوى العقيدة والعبادات والأخلاق والمعاملات. كدروس الصلاة والصيام والزكاة والحج والأحكام المرتبطة بها.
أما بخصوص ما تمّ حذفه كإلغاء تفسير الآية الأخيرة من سورة الفاتحة، فأعتقد أنّ دور الأستاذ الغيور عن دينه يبرز هنا، ويحتم عليه شرح كل ما يدرسه للتلميذ من آيات القرآن كلمة كلمة، وما الكتاب المدرسي إلا وسيلة للاسترشاد وليس كتابا سماويا منزلا.
أخي مدرس التربية الإسلامية:
كُفّ عن العويل وشمّر عن ساعد الجِدّ ولا تلتفت لكل ناعق وناعقة، بين يديك مادة علمية جديرة بالاهتمام، فاعكف على إعدادها إعدادًا جيّدا يضمن لطلابك الاستفادة المرجوة التي ترتقي بعقيدتهم وعباداتهم وأخلاقهم ومعاملاتهم، وليس في ديننا ما يستحق أو ما لا يستحق، فكل تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تستحق، وتلاميذنا أوعية فارغة، فجاهدوا في ملئها بما يرضي الله تعالى، وما كان في المقرر من حسنات ادعوا لأهله وحدثوا بها، وما كان فيه من ثغرات نبّهوا لذلك بأسلوب حسن بعيدًا عما يتناقله العامّة، فأنتم القدوة. وليس من عايش كمن سمع.