مناظرة الأدب العربي
هوية بريس – خالد أبوزيد القصري
وجدتني بين نارين، نار العربية التي أعيشها أصالة وحبا، ونار حامي الأدب الغربي ابن بلدي.
وتعجبت كل العجب -ولا عجب- أن ينتصر للأدبي الغربي عربي روداني، إن بُعد من العربية لسوسيته، فهو إليها أقرب منه إلى المجتمع الغربي، ولكن الحب والميل لا حدود له، فقد يهوى فؤاد مغربي فؤادا صينيا مثلا.
أنصت لشطر المناظرة فوجدت المناظِر البحريني يدافع عن آدم المغربي، يقول له يا آدم أدبك العريق خير من أدب التسويق، وغنى اللغة الأصيلة خير من لغات تستنجد بالعبارات فلا تجد إلا نزرا تسد به حاجتها.
وكانت الحجة مع الأدب العربي حيث أثبت أصالته وتجذره من خلال الشعر العربي مُؤكدا عليه، وأحسب للمناظِر هذا التأكيد فهذا الأدب القوي في شاعريته قوي في نثريته من باب أولى، فإذا كان الشاعر محصورا بوزن يختل بحركة أو سكون ومع ذلك يبدع بعبارات ومعاني تُسكر كل ذي سمع فضلا عن ذي قلب عاقل-وقد كان العربي الأصيل يحدو بشعره الإبل فتسرع- فكيف يكون حاله والقيد مكسور والقلم منشور؟
ولقد أزرت بي حجة المغربي السوسي وهو يستشهد بإحصائيات انكباب الشباب على الأدب الغربي مع هجرهم للأدب العربي، فلم أدر أهذه حجة له أم عليه، ونحن نرى هذا الانكباب الشبابي على التفاهة بل واعتصامهم بها، أبهذا المنطق تكون التفاهة أنقى وأرقى من العطاءات الهادفة، لأن المقبلين عليها أعلى نسبة وأكثر عدة وعددا؟
ونحن نرى أن رجلا من الناس يُنشئ قناة مضمونها تحريك بطنه يسوق آلف مؤلفة من البشر، وآخر ينمق مضمون قناته طبا أو فلكا أو فقها فلا تجد معه إلا الرجل والرجلين، أبهذا المنطق نجعل صاحب البطن أعلى مقاما؟
ثم أضاف إلى حجته أخرى أوهى منها وهي قلة فاهمي الأدب العربي، فلم أدر هل كان سيقول عن الفلسفة نفس الكلام فلا يفهمها إلا النزر القليل وأحسبهم مدعين ، بل هل سيقول نفس الكلام عن الطب والهندسة فلا يفهم الطب إلا طبيب ولا الهندسة إلا مهندس، هل يكون التفضيل بالأصل أم بالعرض؟
هذا خلاصة شطر المناظرة دون الشطر الثاني، فلم أجد في الشطر الثاني إلا التكرار والحشو.
وأنا أقول لو جسّدنا الأدبين معا في صورة رجلين من الناس وأقمناهما بين الناس شاهدين على أفضلهما وأحسنهما، لما كان من الأدب الغربي إلا أن يقبل رأس الأدب العربي هيابة ووقارا، فما استقوى الأدب الغربي يوما على أصله إلا في عين أصابها العشى أو العمى.
تنبيه:
الكلام عن التفضيل لا يعني أن المفضول سيء بل المقصودة الرتبة والأحسن.
