“منشور التبرج” بطنجة يكشف تناقض اللادينيين وازدواجية المعايير لديهم
هوية بريس – عابد عبد المنعم
أثار منشور يستنكر صاحبه اللباس الضيق والكاشف، ويُحمّل الآباء والأمهات مسؤولية ذلك، كثيرا من الجدل.
حيث هاجمت منابر إعلامية بطريقة عنيفة صاحب المنشور، ووصفته أخرى بالداعشي والإرهابي، في حين طالبت أخرى بمتابعته قضائيا.
وفي هذا الصدد اعتبرت اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بطنجة تطوان الحسيمة المنشور تحريضا على “الكراهية والتمييز والعنف ضد النساء والفتيات، وعلى الحد من حريتهن بالفضاء العام”.
وقد تفاعل كثير من الباحثين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي مع المنشور، واعتبروه لا يحرض على الكراهية، وإن كانت لغته حادة شيئا ما، ووصفوا مضمونه بأنه يعبر عن ضمير الأمة ويندرج في إطار حرية التعبير.
وأشار آخرون إلى وجوب فتح نقاش جدي وعاجل بخصوص موضوع اللباس، خاصة بعد تفشي ظاهرة التحرش والاغتصاب وارتفاع نسبة الأطفال المتخلى عنهم والأمهات من زنا.
وحول هذا الموضوع صرح الدكتور يوسف فاوزي لـ”هوية بريس” بأن من “من مقاصد الشريعة الإسلامية الغراء حفظ العرض، ولأجل هذا حرم الله سبحانه وتعالى التبرج وشرع الحجاب، وجعل التبرج من عادات الجاهلية الأولى، فقال سبحانه مخاطبا زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰۖ)، والحكمة في مخاطبة أمهات المؤمنين بهذا الأمر خاصة حتى يكن قدوة لنساء المؤمنين عامة، وجاء تحديد شكل الحجاب الشرعي في قوله سبحانه: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ)، ومن المقرر في الفطرة البشرية أن اللباس عنوان الهوية والانتماء.
ويضيف أستاذ الشريعة بجامعة ابن زهر بأكادير أن “مناسبة تشريع الحجاب لحفظ العرض هي أن الحجاب يصون كرامة المرأة، فيحميها من إذاية من في قلبه مرض، لذلك انتشرت ظاهرة التحرش الجنسي والاغتصاب في مجتمعاتنا لما كثر التبرج وقل الحجاب، فاللباس عنوان لصاحبه كما قلنا.
كما أن التبرج يهيج الغرائز الجنسية وهذا لا ينكره إلا مكابر، ولكي نجد حلا لانتشار ظاهرة التحرش الجنسي فلا يمكن اعتماد المقاربة الأمنية فقط، فإن اجتثات الظاهرة يكون بتعزيز المنظومة الأخلاقية داخل المجتمع”.
الدكتور فاوزي أكد أن “التاريخ شاهد على حجاب ولباس المرأة المغربية المتسم بالحشمة والوقار والعفة، ولم يخرج عن هذا المسلك إلا بعد دخول المستعمر الفرنسي الذي عمل على مسخ الهوية الإسلامية بالغزو الفكري عبر المنظومتين التعليمية والفكرية، فعمل على إغراق السوق المغربية باللباس الغربي المجسد لثقافة الإباحية والعري، لتخرج أصوات علماء المغرب في أكثر من مناسبة لشجب هذه الثقافة الدخيلة على ديننا وأعرافنا وخصوصيتنا الإسلامية، ولذلك يجد الآباء اليوم صعوبة في توفير لباس محتشم لأبنائهم أمام هذا التضييق.
الشباب المغربي غير راض على هذه الموضة في اللباس، لأنها لا تمت بصلة لديننا وعاداتنا وأخلاقنا، فلا غرابة أن نجد بعض ردات الفعل لاسيما في مواقع التواصل الاجتماعي التي هي فضاء التعبير العام، بكتابة تدوينات تدعوا إلى حراسة الفضيلة واستهجان سلوك العري في الشارع العام“.
أستاذ الشريعة أشار أيضا إلى أن “التغني بالحرية وتقديسها ليس دائما مقبولا، فالقانون يؤطر هذه الحرية، والقانون ينطلق من مرجعية الدين الإسلامي كما ينص عليه الدستور، والغريب في الموضوع أن المدافعين عن هذا الشكل من اللباس الفاضح يهاجمون المنتقدين!!! أليس انتقاد هذا اللباس من حرية التعبير؟؟!!
كتابة بعض الشباب لمنشورات تنتقد اللباس غير المحتشم حرية تعبير جاءت ردة فعل على التمادي في تقديس الحرية إلى حد ضرب القيم الأخلاقية عرض الحائط، فعلى المدافعين عن حرية اللباس ألا ينسوا أنهم يعيشون في مجتمع مسلم له أخلاقه وقيمه، وإذا لم يعجبهم الأمر فيمكنهم الذهاب إلى مكان آخر يعيشون فيه وفق هواهم، وليتركوا المغاربة في حالهم”.
وختم د.فاوزي تصريحه حول هذا الموضوع بقوله “ليسأل الحداثيون -كما يسمون أنفسهم- أمهاتهم وجداتهم عن لباسهن كيف كان، وليقارنوا بين الماضي والحاضر، الماضي المستقل فكريا وليس الحاضر المقلد لحد الانسلاخ المقيت”.
الدكتور رشيد بنكيران صرح لـ”هوية بريس” بأن “وضع المنشورات في الأماكن العامة دون ترخيص من السلطات المعنية عملا غير مقبول، لأن فتح هذا الباب دون ضوابط سيفضي إلى جعل تلك الأماكن مسرحا للمزايادات الشوفينية، وتقاطب حاد بين المختلفين قد يترتب عنه مآلات لا تحمد عاقبتها تصل إلى استعمال العنف. ولهذا، فمن الواجب على السلطات المعنية أن تتخذ كل التدابير لمنع هذه التصرفات غير المسؤولة.
وأضاف مدير مركز غراس للتربية والتكوين بأن “صاحب المنشور استعمل ألفاظا لا تليق بمخاطبة عموم الناس، وأطلق عبارت مشينة وسبابا لأولياء الفتيات والنساء دون مراعاة لما يجب مراعاته.
وقد جرت العادة أن هذا الأسلوب في الخطاب عديم الفائدة، لا يرجى منه تحقيق أي مصلحة، بل بالعكس من ذلك؛ فصاحبه يفقد أنصارا يفترض أنهم من مؤيدي الفكرة العامة التي يحرص على إرسالها. ولهذا، فإن على صاحب المنشور ومن يشاركه هذا الأسلوب أن يتخلوا عن الحماسة الزائدة والاندفاع غير المنضبط بالعلم والحكمة، فكم من مريد للخير لن يصبه”.
وأشار المتخصص في علم المقاصد إلى أن “المنشور عالج سلوكا من السلوكات التي أصبحت تنتشر أكثر في المجتمع المغربي، وهو ارتداء لباس مثير للغرائز الجنسية، لباس مليئ بالإحاءات الجنسية، ومخل بالحياء العام، الذي وصفه القرآن الكريم بتبرج الجاهلية الأولى.
فالمنشور ـ حقيقة ـ لا يتحدث عن مطلق التبرج، ولا يتحدث عن كشف للرأس أو العنق أو الأطراف، أو ما أصبح يعرف في بعض الأوساط بالتبرج المحافظ. كما أنه لا يتعرض لموضوع الحجاب والدعوة إليه، وإنما يتحدث عن لباس مستفز وسلوك معتد على الآخر، فإن المرأة حينما ترتدي اللباس الذي يبرز المفاتن الجنسية لديها في الأماكن العامة قامت بتحرش بصريح صارخ بالرجال. وكل من لديه فطرة سوية -رجالا كانوا أو نساء- يجزم أنه وقع اعتداء على نفسية الرجال وخصوصا الشباب منهم وتم استفزازهم.
وإذا كنا نجرم التحرش اللفظي فإنه من الواجب علينا -نحن المجتمع المغربي بمؤسساته الرسمية وغير الرسمية والمتنوعةـ أن نجرم التحرش البصري، فهما سواء، بل قد يكون التحرش البصري أشد من اللفظي لما للصورة من تأثير بالغ على النفس أقوى من اللفظ”.
الدكتور بنكيران أشار في تصريحه إلى محاولة تكميم الأفواه التي حاول البعض ممارستها، وقال “ثارت حمية بعض الحقوقيين واشتط غضب الحداثيين الإباحيين بسبب الحدث المذكور أعلاه، وليتهم نددوا بتلك العبارات المشينة والسباب غير المسوغ الذي تضمنه المنشور، ولكنهم غردوا خارج السرب كعادتهم، وطالبوا بالحرية المطلقة في اللباس ولو كانت تتضمن تحرشا جنسيا بصريا دون احترام للأخلاق والمبادئ التي اتفق عليه المجتمع المغربي وقررها دستور الدولة المغربية؛ فنحن شعب مسلم ذو دولة إسلامية بأمير للمؤمنين، وبعض المظاهر المخالفة للشريعة الإسلامية الموجودة في بلدنا لا تسوغ إنكار الحق الشرعي والدستوري للتحاكم إلى المرجعية الإسلامية وتأطير المرافق العامة بالهوية المغربية الإسلامية والانخراط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق مبدأ حرية التعبير الحقة المسيجة بالشرع والقانون”.
وختم د.بنكيران تصريحه بقوله “لا يفوتني في هذه الوقفة الأخيرة أن أشير إلى التناقض المفضوح للحادثيين المغاربة، فالمتتبع لمواقفهم يجد أنهم ضد كل ما هو إسلامي ولو لم يخالف حقوقهم الكونية المزعومة؛ فحرية التعبير، أو حرية اللباس، تنتهي وتنفى إذا كانت تفضي إلى تحقيق مبدأ إسلامي كما هو الحال لمن تريد أن ترتدي خمار الوجه، فلا اعتبار للحق في اللباس ولا اعتبار لحرية اللباس حينئذ.
ومن الأمثلة الكثيرة التي تؤكد تناقض الحداثيين وازدواجية المعايير لديهم ما صدر منهم في حق التلميذة التي منعت من دراستها بمؤسسة تعليمية بالمغرب بسبب ارتدائها خمار الرأس، فهم أيدوا هذا المنع بحجة احترام القانون الداخلي للمؤسسة (المؤسسة هي تابعة للتعليم الفرنسي موجودة بالمغرب) متجاهلين بذلك قيم الحرية المتعلقة باللباس التي وظفوها الآن ضد منشور طنجة، وكأن العلمانية والحداثة لا مجال لها سوى محاربة الإسلام والأخلاق الحميدة”.
” وكأن العَلمانية والحداثة لا مجال لها سوى محاربة الإسلام والأخلاق الحميدة .. ”
هذه هي الحقيقة و ليس ” و كأن ”
هناك العَلماني (بفتح العين) الذي يؤمن باحترام الحريات و هناك العلماني أو ” الحداثي ” الداعشي الذي يشكل الأغلبية في الوطن العربي و له بروفايل الشخص العدواني الذي يختزل همّه في محاربة الدين و التدين.