قواعد مشددة للوشايات وجرائم المال العام.. تفاصيل المسطرة الجنائية الجديدة

هوية بريس – متابعات
وجّهت رئاسة النيابة العامة منشورًا جديدًا إلى المسؤولين القضائيين على مختلف درجات التقاضي، عرضت فيه أبرز المستجدات التشريعية التي جاء بها القانون رقم 03.23 المغير والمتمم للقانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، مع تحديد كيفية تنزيلها عمليًا داخل النيابات العامة والمحاكم.
المنشور وُجّه إلى المحامي العام الأول لدى محكمة النقض، والوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف، ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية، ويهدف إلى تأطير عمل النيابة العامة في مختلف مراحل الدعوى الجنائية، منذ تلقي الشكايات والوشايات ومعالجتها، مرورًا بالأبحاث والتحقيقات الإعدادية، وصولًا إلى تنفيذ الأحكام والمقررات القضائية.
معالجة الوشايات المجهولة: من الفوضى إلى التحري المنضبط
أحد أبرز المستجدات يهم الشكايات والوشايات مجهولة المصدر، حيث أشار المنشور إلى تعديل المادتين 40 و49 من قانون المسطرة الجنائية عبر إضافة فقرتين تُلزمان قضاة النيابة العامة، عند تلقي وشايات مجهولة، بإجراء تحريات أولية للتأكد من الجدية قبل الإذن بأي بحث قضائي.
ومع دخول هذه المقتضيات حيز التنفيذ ابتداء من 8 دجنبر 2025، أصبح على النيابة العامة:
-
الاكتفاء أولًا بطلب تحريات من الشرطة القضائية حول الوقائع الواردة في الوشاية؛
-
ثم، بعد الاطلاع على التقرير الإخباري، تقرير ما إذا كانت هناك مؤشرات كافية على وقوع الجريمة تبرر فتح بحث قضائي.
المنشور شدد أيضًا على اعتماد المنهج نفسه عندما تُقدَّم الوشاية المجهولة مباشرة أمام ضباط الشرطة القضائية، إذ تنص المادة 21 على ضرورة حصول هؤلاء الضباط على إذن النيابة العامة قبل مباشرة الأبحاث، ما يستوجب أمرًا مسبقًا بالتحري للتأكد من الجدية.
جرائم المال العام: قيود جديدة على فتح الأبحاث
في ما يتعلق بالجرائم الماسة بالمال العام، أكد المنشور أن القانون الجديد فرض قيودًا أوضح على فتح الأبحاث والتحقيقات، بحيث لا يمكن فتحها إلا بناء على:
-
إحالة من المجلس الأعلى للحسابات،
-
أو طلب مشفوع من المفتشيات العامة للوزارات أو الإدارات المعنية،
-
أو إحالة من الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها،
-
أو من أي هيئة أخرى يمنحها القانون صراحة هذه الصلاحية.
وتُستثنى من هذه الشروط حالات التلبس، حيث تباشر بشأنها الأبحاث وفق القواعد العامة. ويهدف هذا التقييد إلى ترشيد تحريك المتابعات في قضايا المال العام وضمان انطلاقها من مؤسسات رقابية متخصصة.
الإشعار بقرارات النيابة العامة وتوسيع حق التظلم
المنشور أبرز أن القانون وسّع نطاق الإشعارات التي تُوجّهها النيابة العامة، فلم يعد الأمر مقتصرًا على قرارات حفظ الشكايات، بل أصبح يشمل جميع القرارات المتخذة بشأنها، سواء تعلّق الأمر بالحفظ أو المتابعة أو الإحالة على التحقيق أو الإحالة للاختصاص.
وألزم القانون إشعار:
-
المحامين،
-
والمشتكين،
-
والضحايا،
داخل أجل 15 يومًا، وفق ما نصت عليه المادتان 40 و49 في صيغتهما المعدلة.
ولتسهيل الإشعار، أصبح من الضروري أن يُدلي المشتكون ومحاموهم وأطراف الدعوى بأرقام هواتفهم أو بريدهم الإلكتروني أو عناوين إقامتهم عند تقديم الشكاية أو أثناء الاستماع إليهم، مع إدراج هذه المعطيات في نظام SAJ2.
كما أتاح القانون التظلم من قرارات الحفظ أمام الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف أو أمام الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، مع إلزامية تعليل القرار داخل تقارير مفصلة، طبقًا للفقرة 15 المضافة إلى المادة 40 والفقرة 8 المضافة إلى المادة 49.
تدبير الأبحاث والتدابير الوقائية: مراقبة قضائية وحجزات وانتقالات مقيدة
المنشور تطرق أيضًا إلى مستجدات تدبير الأبحاث والتدابير ذات الطابع الوقائي، من بينها:
-
منح النيابة العامة صلاحية إخضاع المشتبه فيهم للمراقبة القضائية أثناء البحث، وفق الضوابط المحددة قانونًا؛
-
تنظيم نشر وإلغاء برقيات البحث، والتي لا تُنشر إلا بأمر من قاضي النيابة العامة، على أن تتعلق الأفعال بجنايات أو جنح معاقب عليها بالحبس، أو بتنفيذ مقررات قضائية أو إكراهات بدنية؛
-
إلزام المشرع بإلغاء برقيات البحث بمجرد توقيف المعني بالأمر أو تقادم الجريمة أو العقوبة.
كما وُسع نطاق ردّ الأشياء والأدوات ووسائل النقل والإنتاج المحجوزة خلال الأبحاث، متى انتفت المنازعة الجدية أو لم تعد هناك حاجة إليها لسير الدعوى أو عند عدم كفاية وسائل الإثبات.
وفي ما يتعلق بسحب جواز السفر وإغلاق الحدود، تم تحديد أجل شهر واحد قابل للتمديد مرتين لمدة شهر واحد في كل مرة، إذا تعلق البحث بالجرائم المنصوص عليها في المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية، مع إسناد تتبع تنفيذ هذه الإجراءات إلى قضاة النيابة العامة لدى المحاكم الابتدائية والاستئنافية.
الاختصاص المحلي والنوعي: توسيع المعايير والفئات المشمولة
في باب الاختصاص، أشار المنشور إلى أن القانون الجديد أدخل معيارًا إضافيًا لتحديد الاختصاص المحلي للنيابة العامة، إذ أصبح وجود المشتبه فيه في مؤسسة سجنية سببًا لترتيب الاختصاص، إلى جانب المعايير التقليدية:
مكان ارتكاب الجريمة، محل إقامة أحد المشتبه فيهم، أو مكان إلقاء القبض عليهم.
كما توسعت قواعد الاختصاص النوعي لتشمل فئات جديدة، من بينها:
-
الضباط العسكريون من رتبة عميد فما فوق،
-
قضاة المحكمة العسكرية،
-
الكتاب العامون للعمالات والأقاليم،
-
رؤساء المناطق الحضرية.
ويسعى هذا التوسيع إلى توحيد المعاملة القضائية وضمان وضوح أكبر في تحديد المسؤوليات والجهات المختصة بالمتابعة.
تفتيش رقمي، حراسة نظرية، ومحامٍ من الساعة الأولى
المنشور توقف عند تعزيـز إشراف النيابة العامة على إجراءات البحث، حيث خوّل القانون لضباط الشرطة القضائية، بإذن من النيابة العامة، إجراء تفتيش رقمي للأجهزة المعلوماتية وحجز الأدلة الإلكترونية والآثار الرقمية، بما فيها المعطيات المحذوفة التي جرى استرجاعها، مع إمكانية إخضاعها لخبرة تقنية.
كما ذكّر بالمادة 66-1 التي تُلزم النيابة العامة بالتأكد من توفر أسباب اللجوء للحراسة النظرية، من قبيل:
-
الحفاظ على الأدلة ومنع تغيير معالم الجريمة؛
-
ضرورة حضور المشتبه فيه لإجراء الأبحاث؛
-
وضع المعني بالأمر رهن إشارة العدالة ومنع فراره؛
-
حماية الشهود والضحايا وأسرهم من أي ضغط؛
-
منع التواطؤ والحد من الاضطراب الناتج عن الجريمة.
أما المادة 66-2 فقد منحت المشتبه فيه حق الاتصال بمحاميه ابتداء من الساعة الأولى للوضع تحت الحراسة النظرية، مع إمكانية التأخير بصفة استثنائية في الجرائم الإرهابية وجرائم المادة 108، على أن لا تتجاوز مدة التأخير نصف المدة الأصلية للحراسة النظرية.
وأتاحت الفقرة 4 من المادة 78 إمكانية الاستماع إلى المشتبه فيه عن بُعد عند تمديد الحراسة النظرية أو بسبب بعد المسافة أو ظروفه الصحية أو مقتضيات البحث، مع احترام الضوابط المنصوص عليها في القسم الخامس من الكتاب الخامس، خصوصًا المادة 11-595.
كما منحت المادة 66-4 لمحامي المشتبه فيه الحق في حضور عملية الاستماع، بعد إذن النيابة العامة، كلما كان المشتبه فيه قاصرًا أقل من 18 سنة، أو من ذوي العاهات (أبكم، أعمى، أو مصاب بعاهة أخرى تمس حقه في الدفاع وفق المادة 316).



