من إسكوبار المخدرات إلى إسكوبار الدراسات
هوية بريس – متابعات
بدوره تفاعل د.إدريس الكنبوري مع فضيحة صرف أحزاب سياسية أموالا طائلة على دراسات مشبوهة، فبعد “البام” كُشف أمس أمر حزب الاتحاد الاشتراكي الذي بذَّر بدوره الملايين من المال العام على مركز “مجهول” نتيجة دراسات هزيلة وغريبة.
وفي هذا الصدد كتب الكنبوري “فضائح الأحزاب السياسية التي كشفها تقرير المجلس الأعلى للحسابات ماضية في الانتشار، وعما قريب سوف تدخل على الخط جمعيات حماية المال العام، وقد انتقلت أصداء التقرير هذا اليوم إلى بعض الصحف الدولية، فقد انتقلنا من قصية إسكوبار المخدرات إلى إسكوبار الدراسات.
هناك أمور خطيرة وردت في هذا التقرير الذي هو تقرير رسمي، يتم رفعه إلى أنظار جلالة الملك وفقا للفصل 148 من الدستور، سوف نعود إليها لاحقا، وتكشف كيفية تفويت أموال الدعم العمومي المخصصة للدراسات إلى الأبناء والمقربين والحاشية.
ولكن السؤال، يضيف الكنبوري، هو: ما هي خلاصات هذه المعطيات الخطيرة الواردة في التقرير؟
أهم خلاصة معنا هي أن هذه المعطيات تكشف لنا بطريقة ملموسة ومباشرة أسلوب تعامل الأحزاب السياسية والحكومات ـ وهي إفراز الانتخابات ـ مع مجال البحث العلمي والثقافة في المملكة المغربية؛ هذا التعامل يرتكز على الحزبية والفئوية والطائفية السياسية. هذا الأسلوب هو الذي يحكم صناعة المثقفين والتوظيف في الجامعات والتعيين في المسؤوليات، فهذه الدوائر كلها يتم فيها الاحتكار بطريقة لا تنتمي إلى الدولة الحديثة إطلاقا، ولا ترمي إلى بناء هذه الدولة الحديثة بل تسعى إلى تكريس الزبونية والولاءات، لأن كل ما يجري في هذه الدوائر يدخل في إطار الارتشاء السياسي.
وبالتالي نخلص إلى نتيجة واضحة، وهي أنه لا توجد ثقافة في المغرب، بل يوجد مثقفون فقط، لأن الحديث عن ثقافة بالمفرد يعني أن هناك ثقافة وطنية مجمع عليها، والحال أنه لا توجد مثل هذه الثقافة في المغرب، وما يقال عن الثوابت والمرتكزات في المغرب ليس إلا خطابا سياسيا للاستهلاك، لأن الواقع الذي نعيشه كل يوم هو وجود محاولات مستميتة لإماتة ما تبقى من هذه الثوابت والمرتكزات.
عام 2017 انتقد جلالة الملك في خطاب إلى الأمة الأحزاب السياسية بوضوح، وقال بأنه “غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة”، وقد اعتدنا دائما على أن نسمع من الأحزاب السياسية بأن خطب الملك هي بمثابة برنامج، ونحن نقول أيضا إن خطب الملك هي بمثابة برنامج فعلا، لكنه برنامج لممارسة النقد على أسلوب التدبير، بل إننا نعتبرها بمثابة تفويض للمثقفين لممارسة هذا النقد بكل وضوح، طالما أننا نتقاسم هذه الأرض ونشترك في الهواء”.
المحلل السياسي المغربي اهتبر أن ما يحدث مخجلا، وأضاف “لا أعتقد بأنه يمكن أن يسمح المثقفون المغاربة الشرفاء لأنفسهم بالسكوت، فنحن لسنا ضيوفا بل شركاء. صحيح أنهم لا يعتبروننا جزءا منهم، ولكن لا أحد يوزع الوطنية على الناس بشكل مزاجي، ونحن لسنا خصوما لأحد، لكننا خصوم للفساد.
لقد تألمنا بصمت ما يكفي من الوقت، وعلينا أن نقول اليوم بأن ما يجري يسيء إلينا كمغاربة، لا أقول إلى المغرب كما يقال، بل أقول إلى مغاربة لهم لحم ودم يشعرون بأنهم لاجئون في بلدهم.
لا أخفي أنني بكيت وأنا أطلع على تقرير المجلس الأعلى للحسابات، لأنني شعرت بالإهانة تخترق ضلوعي؛ لا يمكنك أن لا تتألم عندما ترى أن من يحكمونك لا يمثلونك، وعندما ترى الملايين من الدراهم تنتزع من الشعب لتوضع في جيوب حفنة من البشر قد لا يملكون منسوبا من الوطنية أكثر منك، بل أنا واثق كل الثقة أنهم لا يتوفرون على منسوب محترم، لأن الوطنية تقاس بالأعمال لا بالبلاغة.
ويؤسفنا أن من يفعلون هذا هم الذين يدعون الحداثة والتنوير ويرفعون شعار”الدين لله والوطن للجميع”، وكن لا دين أبقينا ولا وطنا وزعنا، ولذلك نعود ونؤكد أن هذا يسيء إلى الجملة السائرة “القيم الدينية والوطنية”.
إننا ننتظر من البرلمان، الذي يمثل “الأمة”، أن يفتح هذا التقرير وأن يطرح الأسئلة التي يجب أن تطرح”.