من التحديات إلى الانتصارات: كيف طوى المغرب صفحة وهم البوليساري بثبات دبلوماسي

من التحديات إلى الانتصارات: كيف طوى المغرب صفحة وهم البوليساري بثبات دبلوماسي
هوية بريس – عبد السلام بامعروف
انتصار لا يتوقف عند حدود الاعترافات الدبلوماسية
في اللحظة التي نظن فيها أن الإخفاقات قد طغت على عالم السياسة الدولية، وفي قلب المنطقة التي تكثر فيها التوترات والنزاعات الإقليمية، نجحت الدبلوماسية المغربية في تحقيق انتصارٍ غير مسبوق. انتصار استراتيجي لم يكن سوى ثمرة سنوات من العمل الهادئ والمثابر، ومدعوم بعقيدة سياسية مبنية على الحزم، الرؤية المتبصرة، والقيم الثابتة. هذا النجاح لم يكن فقط على مستوى ما تحقق من اعترافات دبلوماسية جديدة بمغربية الصحراء، بل أيضًا على صعيد تراجع الأطراف المناوئة للمغرب، وعلى رأسها جبهة البوليساريو، التي كانت تروج لوهم “الدولة المزعومة” التي تديرها أطراف معادية للمغرب. واليوم، نقف على عتبة تاريخية جديدة، بعد أن طوى المغرب صفحة من أكثر الملفات حساسيةً في تاريخ المنطقة: ملف الصحراء المغربية.
صبر استراتيجي ومؤسسات راسخة: الأساس في النجاح الدبلوماسي
إذا كان هناك شيء يميز السياسة الخارجية المغربية في ملف الصحراء، فهو ذلك الصبر الاستراتيجي الذي مارسته المملكة منذ البداية. لم يكن المغرب في يوم من الأيام يراهن على التحركات العاجلة أو الانتصارات اللحظية. فقد أدرك أن هذا الملف لن يُحل عبر الشعارات أو العواطف السياسية، بل عبر إستراتيجية هادئة تقوم على العمل المؤسساتي طويل المدى، المتوائم مع التحولات السياسية التي شهدها العالم.
لقد تعامل المغرب مع القضية الصحراوية على مدار عقود بشكل موسوعي، وواكب التحولات الإقليمية والدولية بكل ذكاء وحكمة، مستفيدًا من علاقاته مع القوى الكبرى في العالم. هذه الدبلوماسية المغربية المتقنة، التي تعتمد على سياسة “الخطوة بخطوة” المدعومة بالأدلة القانونية والتاريخية، أكسبت المغرب مصداقية في المجتمع الدولي. فبدلاً من التسرع في اتخاذ المواقف المتشنجة أو تبني العنف كوسيلة لتحقيق المطالب، ركز المغرب على بناء قاعدة دبلوماسية عالمية تضمن دعمًا حقيقيًا لقضيته.
الكيان الوهمي: نشأة غير شرعية وأفول محتوم
منذ نشأته في السبعينات، لم يكن الكيان الوهمي الذي دُعي بجبهة البوليساريو سوى أداة سياسية تم تصنيعها من قبل بعض القوى الإقليمية، على رأسها الجزائر، التي كانت تسعى لاستخدامها في إطار حرب بالوكالة ضد المغرب. تم تزويد هذا الكيان بكل ما يحتاجه من دعم سياسي وعسكري وأيديولوجي، ولكن مع مرور الوقت، تعرى هذا الكيان وبدأت حقيقته تنكشف أمام أنظار العالم. فما كان يُسمى “حركة تحرر” لم يكن إلا مجرد أداة للابتزاز السياسي، أسستها جهات خارجية في مختبرات الأنظمة الإقليمية لأهداف استراتيجية، ولكن لم يكن له أي سند شعبي حقيقي في الصحراء.
لقد حاول البوليساريو -بدعم من أطراف إقليمية- أن يُصوّر نفسه على أنه ممثل شرعي لشعب صحراوي، في حين أن الواقع يكشف عن حقيقة أن هذا الكيان ليس سوى نتاج لحسابات سياسية بين دول كانت تسعى لتحقيق مصالحها على حساب استقرار المغرب. مع كل حملة دعائية، وتضليل إعلامي، وفتاوى سياسية حول “الحقوق المزعومة” للصحراويين، كان المغرب يصمد في وجه هذه الأكاذيب ويركز على تقديم الموقف القانوني والدبلوماسي المتماسك.
والثمن الذي دفعته الجزائر من خلال دعم هذا الكيان الوهمي بدأ في الظهور بوضوح. فمن جهة، كان هذا المشروع يعزل الجزائر على الساحة الدولية، ويفقدها المزيد من مصداقيتها في محافل الأمم المتحدة. ومن جهة أخرى، بدأ الشعب الصحراوي في العودة إلى المغرب في ظل الإحباط المتزايد من فشل هذا الكيان في تحقيق أي تقدم على الأرض، بل على العكس، أدى إلى إعاقة التنمية في المنطقة.
الحكم الذاتي: المبادرة التي أربكت المخططات المضادة
المغرب، الذي اختار العمل على مبادرة الحكم الذاتي منذ عام 2007، أثبت أن الحلول الواقعية هي التي تؤتي ثمارها على المدى البعيد. فقد طرحت المملكة المبادرة كإطار للتفاوض وحل النزاع في الصحراء بطريقة سلمية وواقعية، مع الحفاظ على وحدة التراب الوطني. اليوم، تُعتبر هذه المبادرة الحل الوحيد الواقعي والقابل للتطبيق في جميع أنحاء العالم، حيث تحظى بدعم دولي متزايد، مما يضعها في قلب أجندة الحلول الدولية.
كان هذا الدعم الدولي أحد أبرز ثمار الدبلوماسية المغربية، حيث أن العديد من الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، ألمانيا، فرنسا، المملكة المتحدة، بالإضافة إلى دول عربية وإفريقية، أيدت هذه المبادرة واعتبرتها حلاً عادلًا يعترف بحق المغرب في سيادته على صحرائه، وفي الوقت نفسه يقدم للصحراويين فرصًا حقيقية للحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية.
الدبلوماسية المغربية: الهدوء في مواجهة الحروب الإعلامية
واحدة من أبرز عناصر النجاح هي قدرة الدبلوماسية المغربية على مواجهة الحملات الإعلامية الكبرى التي أُطلقت ضدها. فبينما كانت هناك محاولات مستمرة لتشويه الصورة، وبث الأكاذيب حول “الاحتلال المغربي” للصحراء، اختار المغرب عدم الانجرار وراء الفخ الإعلامي، وواصل العمل بصمت وثقة. المغرب لم يكن يحتاج إلى حملات صاخبة أو استعراضات إعلامية لنيل الاعتراف، بل كان يركز على تعزيز موقفه الدبلوماسي من خلال العمل المؤسسي المدعوم بالحقائق القانونية.
في هذا السياق، قد تكون الدبلوماسية المغربية قد استفادت من درس كبير: المغرب يعتقد أن العمل الهادئ والمثابر هو الذي يحقق النجاح على المدى البعيد، وليس حملات الإعلام المبهرجة. كان “النجاح الهادئ” هو المفتاح لتحقيق هذا الانتصار، ونجح المغرب في كسب قلب العديد من الدول التي أدركت حقيقة الموقف المغربي وصدق حجته.
المغرب في الساحة الدولية: من التحديات إلى الريادة
لقد تغير المشهد الدولي بشكل كبير على مدار العقود الماضية. فالمغرب، الذي كان يتعامل مع معركة دبلوماسية صعبة في مواجهة أعداء متعددين، أصبح اليوم لاعبًا أساسيًا في المنطقة المغاربية والشرق الأوسط، وأكثر نفوذًا في الساحة الدولية. تمكّن المغرب من بناء تحالفات استراتيجية مع الدول الكبرى والدول الصاعدة، مثل الصين والهند، وجعل من قضيته الصحراوية قضية دولية ذات طابع سياسي وقانوني رفيع.
اليوم، لا يستطيع أي طرف إقليمي أو دولي تجاهل المغرب كقوة دبلوماسية مؤثرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. المغرب أضحى مركزًا إقليميًا مهمًا في مجالات السياسة، التجارة، والاستثمار، وكل هذا في إطار إستراتيجية دبلوماسية منفتحة على كل الدول، ومبنية على تعزيز الاستقرار الإقليمي، والازدهار الاقتصادي، وتعميق علاقات التعاون الدولي.
بداية مرحلة جديدة في تاريخ المغرب
اليوم، يمكننا أن نقول بثقة أن المغرب قد طوى بشكل نهائي صفحة وهم البوليساريو، وأصبح على أعتاب مرحلة جديدة ومزدهرة في تاريخه. هذه المرحلة ليست فقط من خلال الدبلوماسية الناجحة التي أنجزت القبول الدولي بمغربية الصحراء، ولكنها أيضًا مرحلة من التحديات الجديدة التي تستدعي الاستمرار في التقدم والتنمية. هذا الانتصار هو انتصار للسياسة العقلانية، والشرعية الدولية، والقدرة المغربية على صناعة مستقبلها الخاص، دون أن تتأثر بالأصوات المزعجة أو الحسابات السياسية الضيقة.
لقد حقق المغرب ما كان يعتقد كثيرون أنه مستحيل. واليوم، يقف في طليعة الدول التي تحترم تاريخها، وتحافظ على وحدتها، وتدافع عن حقوقها الوطنية في مواجهة محاولات التفكيك والتقسيم.



