من تساؤلات القارئ المتدبر لسورة الفاتحة (9)
هوية بريس – سفيان أبو زيد
التساؤل 12 : لماذا جاء تخصيص ذكر يوم الدين هنا؟
نحن نعلم بأن ملك الله واسع وأنه شامل للدنيا والأخرى، قال تعالى{قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء}[1]
فلماذا جاء تخصيص ذكر يوم الدين هنا؟
لماذا لم يقل : مالك كل شيء؟ أو مالك الدنيا والأخرى؟
قال العلماء: لأن ذلك اليوم يظهرُ فيه المُلْكُ لله عيَاناً لجميع الخلق.
لذلك يقول الله عزوجل في سورة غافر {لمن الملك اليوم} ثم يجيب نفسه سبحانه وتعالى{ لله الواحد القهار}
ولكن هذا الظهور لا ينفع الخلائق غدا يوم القيامة، قال تعالى { هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (158)}[2]
فميزة المسلم على باقي بني البشر أنه استطاع أن يدرك ملك الله في الدنيا قبل الأخرى، أما غدا يوم القيامة فالكل ينظر إلى ملك الله، ويشعر بألا ملك إلا ملك الله عزوجل، ولكن لا تنفع الإنسان هذه النظرة ولا هذا الإدراك.
قال العلماء: فإن الله تعالى يتجلّى لفصل عباده، حتى يراه المؤمنون عياناً ، بخلاف الدنيا فإن تصرفه تعالى لا يفهمه إلا الكَمَلَةُ من المؤمنين- وهذه إشارة مهمة-
لأن هناك أسبابا وتدافعات تجعل الإنسان يغفل عن أصل هذا الملك وأصل هذا التصرف، وهذا الذي يراد للمسلمين اليوم، أن يشككوا أفرادا وجماعات في هذه الصفة ملك الله عزوجل وتصرفه في الكون، ويراد أن يقحم مكان هذا الاعتقاد وهذا الإيمان، شيء آخر يلبس لباس ذلك الملك زورا وبهتانا وتشبعا والعياذ بالله، حتى توجه له الرغبة ومنه الرهبة، وهذا الخطر تعززه وسائل الإعلام وكثير من الأبواق ، حتى يعتقد المسلم الهزيل أن هناك متصرفا آخر غير الله، وأن هناك قوى أخرى تتحكم ينبغي أن تخاف وتنهزم لها وتضعف وتخر جاثيا أمامها.
فإذا تسرب فيروس الشك إلى القلب المسلم فيه أصيب بالانهزام ،لأن الحقيقة المقررة أن الخضوع لله عزوجل عز والخضوع لغيره ذل.
قال العلماء: ولذلك ادعى كثير من الجهلة الملك، ونسبوه لأنفسهم. ويوم القيامة ينفرد الملك لله عند الخاص والعام، قال تعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ}[3]
[1] – سورة آل عمران : 26
[2] سورة الأنعام : 158
[3] – ما تيسر جمعه في هذا الجواب أنظره:
[البحر المديد في تفسير القرآن المجيد لأبي العباس أحمد بن محمد بن المهدي بن عجيبة الحسني الأنجري الفاسي الصوفي (المتوفى: 1224هـ) (1/57) المحقق: أحمد عبد الله القرشي رسلان الناشر:الدكتور حسن عباس زكي – القاهرة الطبعة: 1419 هـ]