من جمهورية الوهم إلى جمهورية الزيف
هوية بريس – بوسلهام عميمر
لعل ما يمكن حسابه لعسكر الجزائر، إدراكهم الجيد لما يحققه المغرب من مكاسب ملموسة على مستوى قضية صحرائه المغربية، وإدراكهم الجيد أن العد العكسي للمشكل المفتعل قد بدأ على درب حلحلته رغما عنهم، فجن جنونهم ليرفعوا من وتيرة سرعتهم ليشغلوه بمشكل آخر في شماله بالترويج بكل دناءة لجمهورية الزيف، في تماه سياستهم العدائية للمغرب مع مصالح بعض الانتهازيين الشخصية دون الاعتبار بمن سبقهم من انفصاليي الجنوب يرحم الله القائل “لي يجرب المجرب عقلو مخرب”.
فعسكر الجزائر يعرفون المغرب جيدا، قد يتجاوز عن كل شيء، إلا أن يفرط في ذرة من ترابه. إنه يسترجع أراضيه بتدرج شبرا شبرا وسلميا وفق المقتضيات الأممية ما أمكنه إلى ذلك سبيلا، إلا إذا اضطر فيكون في الموعد، بعزيمة فيالق جيشه الفولاذية وبمقدراته العسكرية والأهم بتلاحم تام بين الإرادتين الملكية والشعبية صمام أمان هذا البلد عبر تاريخه العريق.
فمن مراجعة عدد كبير من دول العالم لمواقفها، بسحب اعترافها بجمهورية الوهم خاصة الدول الافريقية ودول أمريكا اللاتينية، و كذا اعتراف دولتين عضو بمجلس الأمن فرنسا وأمريكا واقتناعهما بالطرح المغربي المتمثل في الحكم الذاتي باعتباره الخيار السياسي الأمثل لطي هذا الملف المفتعل، ترجموا مواقفهم بالمصادقة مؤخرا على القرار الأممي رقم 2756 بموافقة 12عضوا وامتناع روسيا وموزمبيق، وانسحاب الجزائر المثير من التصويت، خارج كل الأعراف الأممية، احتجاجا على رفض كل تعديلاتها.
وكانت صفعة مجلس الامن التي أفقدت عسكر الجزائر صوابهم وخلطت كل أوراقهم، مما جعلهم كحاطب ليل لا يعرف ماذا يجمع حشيش أم ريش، ليقدموا على ما هو أفظع بتوفير كل الوسائل اللوجستية والمادية لشرذمة من النكرات ليعلنوا من وسط العاصمة الجزائر عن جمهورية الزيف.
أتصور لو أن المغرب كان بدون تاريخ ممتد، تتعاقب على حكمه امبراطوريات عظيمة، و يجاري كبرانات الجزائر في حماقاتهم هاته بمعاكسة التاريخ، والسعي بكل ما لديه لتفريخ جمهوريات لا أصل لها ولا فصل بمناطق متفرقة بالجزائر، أتصور لو عاملهم المغرب بنفس منطقهم “هذه بتلك والبادئ أظلم” أو بمبدأ الشاعر الجاهلي “فنجهل فوق جهل الجاهلينا”، وذلك بالرد عليهم، بتنظيم مؤتمر لمعارضيهم بالعاصمة الرباط، ومهد لهم سبل الدعوة إلى الانفصال ومناكفة وحدتهم بتسخير كل وسائل الإعلام للترويج لبضاعتهم الانفصالية، كما فعلوا هم مع أحد هؤلاء النكرات ممن يريدون الركوب على أي شيء لجذب الانتباه إليهم، تعرضوا للسخرية حتى من بعض عقلاء الجزائر ممن اعتبروا قفزتهم الهوائية هاته لن تكون أكثر من زوبعة في فنجان، ممن لا تخفى عليهم أهداف حكامهم الحقيقية وغاياتهم. إنهم يعتاشون على صرف المواطن الجزائري عن واقعه المزري، فلا يجدون غير المغرب يناوئونه في وحدته الترابية. فرغم ما تنعم به بلاده من ثروات لو وزعت بالشكل المطلوب وصرفت عائداتها عليه، بدل تمويل هذه العصابات الانفصالية، لما اضطر الشباب الجزائري ليرفع شعار “لأن يفترسني سمك القرش في عرض البحر خير لي من أن يأكلني ذباب الجزائر”.
فما الذي يخطط له عسكر الجزائر بشأن عدوانهم هذا، وإن كان مهما دفنوا رؤوسهم في الرمال فما يجهلونه أو يتجاهلونه أنهم يحفرون قبورهم بأيديهم بهذا النزوع نحو تفريخ جمهوريات يعرفون أكثر من غيرهم أنه لا مستقبل لها، سوى تعطيل قطار التأسيس الفعلي للمغرب الكبير يعود بالنفع على كل مواطني دول شمال إفريقيا. بالتأكيد ستجني براقش على نفسها وعلى أهلها، فهل يجتزئون أرضا من عمق صحرائنا الشرقية تثبت المعطيات التاريخية ملكية المغرب لها، إذ كان سكانها يبايعون السلاطين المغاربة ويدفعون الضرائب للمخزن المغربي قبل أن يتدخل الاستعمار الفرنسي ليضمها إلى الجزائر باعتبارها مقاطعة فرنسية، فهل يوطنونهم بها كما وطنوا المحتجزين بتندوف التي إلى حدود الأربعينيات كانت جزء من التراب المغربي؟ فهل يسعون أيضا ليجمعوا لهم المرتزقة ممن لا هوية لهم، يصبغونهم بلون الريف ليكونوا حطب جمهورية الزيف هاته؟
فقد ثارت ثائرة عسكر الجزائر بتوقيع المغرب مع فرنسا اتفاقية تاريخية يتسلم المغرب بمقتضاها أرشيف قوامه 2،5 مليون وثيقة تدعم ملف مغربية الصحراء الشرقية.
نتمنى صادقين لو يرعو حكام الجزائر، ويقدروا يد المغرب المبسوطة، لما فيه خير شعوب المنطقة برمتها.