من فضائح “إسكوبار الصحراء” إلى مسخ “المواعدة العمياء”
هوية بريس – نبيل غزال
خلال الأيام الأخيرة تفجرت في المغرب عدد من الفضائح السياسية والأخلاقية، فبعد ملف إسكوبار الصحراء الذي أطاح برؤوس كبيرة، توبع عدد من المسؤولين السياسيين والوزراء السابقين والمستشارين الجماعيين بتهم الفساد وتبذير المال العام.
وإزاء ذلك أيضا تدخلت الجهات الأمنية خلال أسبوع واحد فقط، بخصوص حوادث من قبيل: قتل فتاة في 21 من عمرها من طرف خليجيين بمراكش، واغتصاب معاق داخل حديقة عمومية من طرف شخصين بتيزنيت، وأغنية تحرض على التحرش والاغتصاب، وفيديو “المواعدة العمياء” الذي يسوق للدعارة من طرف فتاة على اليوتيوب.. ومدير مؤسسة تعليمية بفاس يتحرش بتلميذة في عمر حفيدته داخل مكتبه.. وشبكة للاتجار في البشر تقدم الشواذ “وجبات” جنسية وتعمل على تهجير الفتيات لسوق الدعارة إلى كل من الإمارات والعربية السعودية وسلطنة عمان.. وبارون يوظف الجنس للإطاحة بعسكريين..!!
إلى غير ذلك من الحوادث الكثيرة والمقززة التي باتت ترتكب بشكل يومي بعدد من مدن المملكة.
وهذه الجرائم بالمناسبة؛ مؤشرها في ارتفاع مستمر، لأن المحفزات والبيئة التي تشجع على ارتكابها متاحة ومتوفرة. وما لم يتم التدخل بحزم لإيقاف هذا النزيف المجتمعي فإن النتائج ستكون كارثية، لا على الفرد فقط؛ بل على الأسرة والمجتمع والدولة أيضا.
نعم المقاربة الزجرية واعتقال الجناة والمتورطين في جرائم الفساد بشتى أشكاله، أمر مهم ولا محيد عنه، لكن لا يعقل أن نقتصر على هذه المقاربة، ونَضعُف أو نُغفـِل أصل الداء ومنبع الشر الذي يبقى نشطا ومتحفزا للإمعان في مزيد من الفساد.
فمن القواعد المقررة، أنه كلما كانت القيم والأخلاق راسخة في مجتمع ما، كلما كانت الحاجة إلى التقاضي والتحاكم محصورة ومحدودة.. وحيث إن عدد القضايا التي راجت أمام محاكم المغرب خلال سنة 2022 قد ناهزت 5 مليون و94.712 قضية، وفق ما أفاده عبد النبوي، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وحيث إننا لا زلنا كل سنة في حاجة إلى فتح مقرات محاكم جديدة لاستيعاب ومعالجة الملفات والقضايا المطروحة، فهذا يؤكد بالواقع والملموس والمحسوس أننا نعاني من أزمة خانقة على مستوى القيم وتمثلاتها مجتمعيا.
والمؤسسات التي من شأنها أن ترأب هذا الصدع وتعالج هذا الاختلال، في ظل الدولة الحديثة، هي الوزارات المكلف بقطاعات التعليم والإعلام والثقافة والسينما والفن والأوقاف والشؤون الإسلامية.
لكن للأسف الشديد جل القطاعات المذكورة لا تقوم بالواجب والمتعين بحقها، بل بعضها يطبع مع سيولة القيم والتسويق لمرجعية تمعن في تكليخ وتسفيه وتتفيه الإنسان وإغراقه في مستنقع اللذة والشهوة المتسيبة.
وحتى التعليم الذي من المفروض فيه أن يكون ورشا استراتيجيا وطنيا، بعيدا كل البعد عن التقاطبات الأيديولوجية والسياسية، لازالت إلى اليوم ميزانيته رهينة بقروض الغرب وتوجهاته السياسية والفكرية والقيمية..
أما الإعلام فسمفونيته العزف على الإثارة وجسد المرأة والتطبيع مع أفكار لائكية، تخدم أجندات الرأسمالية الدولية، التي تسعى لتنميط السلوك البشري في إطار نموذج واحد يضمن لها التحكم في السوق والمجتمعات والدول.
أما السينما والثقافة والفن، فلا مجال للحديث فيها بالمرة عن شيء يسمى التخليق والأخلاق وتهذيب السلوك وما شابه، فهي إما توظَّف للتحريض ضد طرف ما، أو للتسفيه بشغل الناس بما لا ينفع، أو تلويث سلوك وأفكار المتابعين، بالتطبيع مع ظواهر منحرفة من قبيل الشذوذ الجنسي/المثلية والعلاقات الرضائية/الزنا والخيانة الزوجية..
ويبقى أكبر مؤثر على المجتمع، بمختلف فئاته العمرية، هي شبكات التواصل الاجتماعي، التي يقضي في التنقل بين مقاطعها و”ريلزاتها” وصورها وتدويناتها، المواطن المغربي الساعات الطوال، ويكفي أن تسأل شخصا ما تعرفه عن فيديو مرّ بك صدفة على “الفيسبوك” أو “التيك توك” أو “الإنستغرام”، حتى يخبرك على الفور بكل تفاصيله.. وطبعا كل مواطن يبحث عما يثيره داخل هذه التطبيقات، وتبقى الأمور الجنسية والفضائح الأخلاقية والجرائم أكثر ما يثير المتابعين..
وهنا يمكنني أن أدعي جازما أنه لم يمر على الإنسان زمن كان فيه التأثير على سلوكه وأخلاقه بهذه الشراسة والقوة والخطورة، ووفق بحث أجري بالمملكة المتحدة، فإن المواطن العادي يتفقد هاتفه 28 مرة في اليوم، أي أكثر من 10 آلاف مرة سنويا، هذا بالنسبة للمواطن العادي، أما المدمن فله إحصائيات تتجاوز هذه الأرقام بكثير.
وفي ظل العولمة والتطبيقات المختلفة التي تؤطر وتوجه وتربي وتشكل الذوق وترسم السلوك، تبقى مؤسساتنا التي تمول من المال العام في “دار غفلون”، إن لم يكن بعضها متواطئا في هذا المسخ الذي يهدد النسيج المجتمعي واللحمة الوطنية، ويبقى المواطن المغربي دون حماية أمام موجات المسخ العاتية.
يجب مراجعة القانون الجنائي وتشديد العقوبات لايهمنا أن نصير فالمراتب الأولى في حقوق الإنسان أو أن يشاد بنا في المنظمات الدولية لأنه مهما كان لن يرضوا عنا ولو اتبعنا ملتهم إذا فالحري بنا أن نرجع إلى الله ويعاد النظر في برامجنا التلفزية ومقرراتنا الدراسية وقانوننا الجنائي وأن يفتح الباب للخطباء والوعاظ لأن يقولو كلمة الحق وأن يُحضر جل وسائل التواصل الاجتماعي على من هم أقل من 18 سنة والزجر للمتلاعبين بعقيدة الأمة وإلا فإننا سنهلك جميعا
لما سألت الصحافة احد علماء الاجتماعيات يدعى مارك عن سبب تفاقم القتل بين الفتيان الصغار بفرنسا قال غياب المحادثة والحوار هو أساس كل الجرائم،وفعلا لما غابت اللغة البسيطة غابت معها المشاعر والأحاسيس والتصرفات الفطرية الإنسانية البسيطة فتصرف الناس الان حيال اي حدث وأمر ليس هو التصرف في القرن الماضي وصارت الأنانية والمصلحة والغلبة هي الطابع النفسي المرضي وهي العرف الجديد المجتمعي.