من قلب المأساة.. د.زهير لهنا يكتب: بأي ذنب قتلت؟
هوية بريس – د.زهير لهنا
عبير، 24 سنة، استقبلت في العناية المركزة وهي في مضاعفة شديدة لمرض السكري، بعد ثلاتة أيام من عدم أخذها الأنسولين الذي أصبح غير متوفر في غزة. وبعدها دخلت في شبه غيبوبة، مع صعوبة كبيرة في التنفس الناتج عن ارتفاع الحموضة في الدم.
نودي علي في العناية المركزة لأن عبير حامل في شهرها السابع واكتشفوا أن الجنين قد توفي في رحمها.
حالة عبير كانت محرجة مع درجة السكري فوق 5 غرام مع وجود اضطرابات في كل التحاليل. ذهبت مع الأستاذ رافاييل لنقيم حالتها مع أطباء العناية المركزة الفلسطنيين. ودار بيننا حديث عن جدوى ووقت إخراج الجنين المتوفي لأن وجوده في الرحم يؤثر سلبا على حالة الأم من الإضرابات والتي قد تؤدي بحياتها. قررنا أن نعمل القيصرية بعد إعطاء كمية كافية من السوائل لتتحمل التخدير.
قبل تحويل عبير لقاعة العمليلت أتاها المخاض وخرجت المولودة مع المشيمة والكيس الأمنيوتي. أتيت بسرعة لأتفقد حالتها وأباشر تدليك الرحم لكي نتجنب النزيف، فالمستشفى لا يتوفر على مقبضات للرحم.
أخر جت الجنين المتوفي من الكيس الأمنيوتي. وقطعت الحبل السري. جنين ميت وجميل فقد الحياة جراء الظروف السيئة واللاإنسانية للعيش في غزة.
فالساكنة تتجرع الويلات منذ بداية العدوان عليها فتموت من جراء القصف أو من اختلالات مرضية.
حملت الصغيرة بين يدي لأسلمها للممرضة فأجهشت بالبكاء.
فبأي ذنب يقتل هؤلاء الأبرياء حتى الأجنة في بطون أمهاتهم…؟
بعد سويعات عدنا لتطمئن على صحة عبير، انخفضت نسبة السكر في الدم بعد أخد الأنسولين بأعداد كبيرة، حاول رافاييل أن يجد مع أطباء العناية خطة لعلاج عبير لكن المختبر لا يمكنه إجراء التحاليل كل ساعة في الدم والبول للتمكن من إخراج عبير من مضاعفات السكري المميتة.
في الصباح علمت أن حالة عبير قد تدهورت وبعدها توفيت. الخبر الذي أصابنا بالإحباط والغضب…
الإحباط الذي يصيب كل مسعف، ممرض، طبيب أو جراح بعدما عمل كل ما في وسعه وبعدها يضيع مريض من بين يديه، لا سيما أن السبب معروف هو قلة الحيلة جراء الحرب والحصار.
عبير واحدة من العدد المهول للمرضى والجرحى الذين يتوفون يوميا في المستشفى بعد جهد كبير لمحاولة إنقاذهم، مع علمنا أن عددا كبيرا أصبح لا يستطيع حتى الوصول لأحد المستشفيات لانعدام قدرة سيارات الإسعاف أو غيرها على الوصول إليهم… أشياء لا تصدق لكنها تحدث في غزة.
كل ما نتمناه في القريب العاجل هو وقف العدوان ورفع الظلم على أهل غزة… لأن قدرتهم على التحمل أصبحت صعبة وظروفهم غير إنسانية.
