من “كُلِّيِّ النَّظر” في “جُزْئِيِّ الفقهِ”

هوية بريس – د.ميمون النكاز
في ضيافة كريمة من أحد الفضلاء من الأئمة الخطباء المشرفين على أحد معاهد العلم العتيق، وفي مثنيات أحاديث العلم والمعرفة الجارية بيننا قص علينا قصة عالم زار معهدا للتعليم العتيق فقدم للصلاة بالناس، فلما تمت الصلاة أعلم بعض الطلبة أحد أعمدة الفقه في ذلك المعهد أن العالم الضيف قد صلى بهم ماسحا على جوربيه، فما كان من “الفقيه العمدة” إلا أن قام أمام طلبة ذلك المعهد وأعاد الصلاة حاكما على صلاة العالم الضيف بالبطلان، بناء على ما تقرر عنده في “مظنون الفقه الفروعي عنده”، بعد أن قص علينا هذه القصة سألني عن محل هذا الفعل من “إعراب الفقه”، قلت: فعل مبني لمجهول الفقه المتين الحكيم، وما كان لهذا الفقيه أن يفعل ذلك أمام طلبته، إن صحت القصة عنه، لكون ذلك الصنيع منه ناقضا لما استقر عليه النظر عند الأئمة الهداة من أنه لا يصح إطلاق الحكم بالبطلان في مسائل وموارد الخلاف المعتبر، (لا يحكم بالبطلان في مسائل الخلاف)، يقصدون الخلاف المعتبر، مثل الخلاف في هذه الجزئية التي انتهض هذا “الفقيه العمدة” لإعادة الصلاة من أجلها، كما أن هذا الصنيع المجاهر بالبطلان لا يجري على “سَنَنِ التأديب الفقهي” لناشئة العلم وطلبته، الراكن إلى “هادية السماحة الفقهية” المطلوبة المحمودة في مسارح الاختلاف المعتبر المشروع…
ومن لطيف العلم في المسألة أني ذكرت حديث (وإنما جعل الإمام ليؤتم به…)، وألمحت إلى دلالته الأصلية الكلية على صحة الصلاة خلف المخالف في بعض فروع الصلاة وفي بعض فروع مقدماتها كالمسح على الجوارب من خلال مطلب الائتمام به، ولا يستدرك على هذه “الكلية” المستظهرة من قول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما جُعل الإمام ليؤتم به) بدعوى اختصاص ذلك بالمذكور في الحديث من التكبير والركوع والقراءة، لأنها لم تذكر على سبيل التخصيص التقييدي، وإنما ذكرت على سبيل التمثيل ببعض مشهورات أفعال الصلاة، الصالحة للدلالة على معنى الائتمام وكيفيته في سائر أفعال الصلاة، ولا يغتفر في المخالفة بخصوص أمثالها من الأفعال إلا ما لم ينقض خاصةَ الائتمام بالإمام مما لا أثر له على أفعال المأمومية من الاختيارات والامتثالات الظنية كالقبض ورفع اليدين عند من لا يفعلهما من الأئمة…
الشاهد المعتبر من هذا الكلام كله، أن الإمام يرفع الخلاف في مظنونات الفقه ويجعل المأموم محكوما بسلطان مظنوناته، فلا يصح الاعتراض عليه، ناهيك عن القضاء على صلاته بالبطلان، ورب معترض قائل: ما حَكمَ “الفقيه العمدة” على صلاته بالبطلان، وإنما حكم على صلاته هو في خاصة نفسه بالبطلان، أقول: هذا من “لغو الفقه”، إذ مبنى حكمه على صلاته بالبطلان هو القول -لزوما وضرورة- ببطلان صلاة الإمام، وفي ذلك ضرب من العدوان بمظنونه الفقهي على مظنون الإمام الذي أمر ليأتم به، والأصل في المأموم التبعية للإمام، والإمام بإمامته يرفع كل خلاف موصول بالصلاة ومقدماتها…
ذلك هو “الفقه السيد الإمام” كما يقضي به النظر الأصولي والفروعي الفسيح، وبذلك أغلق القول في هذه النازلة، ثم انتقلنا إلى غيرها من مباحث “السمر الفقهي”، حيث كانت الضيافة ماتعة بالمعرفة…
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة: لا علاقة لأخينا الشيخ الأصولي الفقيه مولود السريري بارك الله فيه بهذه القصة، وإن كان له نفس الاختيار، أقول هذا دفعا لظن البعض أو توهمه أن القصة تعنيه…



