من “وأد البنات” إلى “لا إكراه في الدين”: قراءة مختلفة في حقيقة الإسلام

10 مايو 2025 23:54

هوية بريس – علي حنين

في منشور أثار نقاشًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، طرح الناشط والمدون المصري هشام الحلبي تأملًا فلسفيًا وفكريًا عميقًا حول طبيعة الإسلام ومرجعياته المتعددة.



يقول الحلبي:

“كان من الممكن أن يكون الإسلام نسويًا لو تمركزت قضيته عند وأد البنات و لمّا كان أول شهيد فيه امرأة”.

بهذا المدخل، يفتح الباب أمام قراءة جديدة للإسلام كدين يحتمل في داخله توجهات فكرية وسياسية متعددة، لكنه لا يستقر عند أيٍّ منها بشكل حصري، بل يستوعبها جميعًا ضمن منظومة متكاملة.

🔸هل الإسلام يساري أم ليبرالي؟!

يمضي الحلبي في تفكيك الاحتمالات الفكرية الممكنة، مشيرًا إلى أن الإسلام “كان من الممكن أن يكون يساريًا لو تمركزت قضيته عند تحرير العبيد والعمال مثل بلال”، أو “صوفيًا لو تمركز حول تجربة الخلوة في الغار وتأمّل الكون”.

كما لم يغفل الجانب الليبرالي، مشيرًا إلى أنه “كان من الممكن أن يكون ليبراليًا لو تمركز حول ‘لا إكراه في الدين’ بدون ‘قد تبين الرشد من الغيّ‘ “. “لفظة الرشد دي حكاية لوحدها” يضيف الحلبي.

🔸بين المحافظة والتقدم..

وفي استعراضه للأبعاد المحافظة في الإسلام، كتب الحلبي:

“وكان من الممكن أن يكون يمينيًا محافظًا لو تمركز حول قضية الحفاظ على البنية الاجتماعية والتقاليد، إذ لم يقم بتفكيكها مرة واحدة بل بالتدريج”.

وفي هذا إشارة لخاصية من الخصائص المميزة للشريعة الإسلامية السمحة، التي تتميز بالتدرج في تشريع الأحكام وإصلاح ما أصاب المجتمعات البشرية من خلل وانحرف عن جادة الصواب.

🔸لغة، قومية، وزكاة: عناصر لاختبار الهوية

يُكمل الحلبي تأمله بالقول:

“وكان يمكن أن يكون قوميًا خالصًا لو تمركز حول ‘بلسان عربي مبين’ لولا أن عرفنا أن ‘لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى’“.

ويضيف الحلبي:

“وكان من الممكن أن يكون اشتراكيًا لو تمركز حول الزكاة كفكرة يسعى من خلالها للمساواة بين الفقراء والأغنياء، لولا اسمها، كونها تطهيرًا للمال كقربى إلى الله، وتُحارَب فئة من المسلمين لامتناعهم عنها”.

🔸هل يمكن اعتبار الإسلام رأسماليًا؟

في مفارقة لافتة، يطرح الحلبي احتمالًا رأسماليًا:

“وكان من الممكن أن يكون رأسماليًا/براجماتيًا لو تمركز في دعوته حول رؤوس الأقوام وأغنيائهم لولا قدوم الأعمى”.

في إشارة إلى حادثة “عبس وتولى” ومعاملة البسطاء من الناس على قدم المساواة مع أصحاب الجاه، يظهر الإسلام دينا يعيد ترتيب القيم الإنسانية والكرامة بعيدًا عن الحسابات المادية المحضة.

🔸مزيج بسيط ومركّب: هُوية الإسلام

ويختم الحلبي منشوره بالتأكيد على أن الإسلام هو “مزيج متجانس، بسيط/مركب.. بسيط من بساطة فطرة التوحيد ومركزية العبودية لواحد.. مُركّب من الوحي الإلهي والحكمة الإنسانية ممثلة في مسيرة سيد البشر ﷺ”.

ولتقريب الصورة، يشبه الحلبيُّ الإسلامَ باللون الأبيض:

“يقولون إن اللون الأبيض على بساطته، لكنه تركيب متجانس من ألوان ذات أطوال موجية مختلفة… كذلك المَحَجّة البيضاء التي حدثنا عنها ﷺ لما قال: ‘تركتُكم على المَحجّة البيضاء ليلِها كنهارها لا يزيغُ عنها بعدي إلا هالِك، ومن يَعِش منكم فسَيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بما عرَفتُم من سُنَّتي وسُنَّة الخلفاءِ المهديين الرَّاشدين’ “.

تُبرز قراءة هشام الحلبي العميقة أن الإسلام ليس أيديولوجيا مغلقة تنحاز لتوجه فكري أو سياسي بعينه، بل هو منظومة شاملة ومركّبة تستوعب هموم الإنسان الفرد والمجتمع، في توازن دقيق بين الروح والمادة، وبين المبادئ الثابتة والواقع المتغير.

فالإسلام يمكن أن يُرى من زوايا متعددة: نسوية، اشتراكية، ليبرالية، محافظة… لكنه لا يذوب في أي منها، بل يجمعها في رؤية توحيدية متجانسة، تنطلق من فطرة الإنسان وتُهذّبها بالوحي، لتصنع منه فردًا حرًا ومجتمعًا عادلًا على “المحجّة النبوية البيضاء” التي لا يزيغ عنها إلا هالك.

آخر اﻷخبار

التعليق


حالة الطقس
9°
19°
السبت
20°
أحد
20°
الإثنين
19°
الثلاثاء

كاريكاتير

حديث الصورة