من يحارب محمد الفايد ولماذا؟
هوية بريس – حسن فاضلي أبو الفضل
مقدمة
بين الفينة والأخرى تشن فئة من الناس حملة من التشويش والكذب على الدكتور محمد الفايد، هذه الفئة معروف عداؤها لكل المرجعيات الإسلامية، ومعروف لسانها الطويل وخبرتها الكبيرة في التدليس والتزوير، ومعروفة أيضا دوافعها النفسية والعقلية في ذلك …ولو لم يكن هذا الرجل ذا مرجعية إسلامية متينة معتزا بعقيدته ومدافعا عنها، لما رأينا تطاول هذه الألسن. وإذا نظرنا إلى دوافع حنق هؤلاء لم نجده شيئا يرتبط بالعلوم وبالمختبر والتجربة، وقابلية ذلك للصواب والخطأ والدحض والتأكيد، وإنما لأن الرجل يتكلم في علم ولا يفصله عن دين، ويصر على أن العلم والعلم شيئا واحدا لا خصومة بينهما ولا تضاد.
وإذا كان محمد الفايد قد خبر علوم التغذية و اطّلَع على خفايا الصناعات الغذائية والدوائية، ومعلوم ما في هذه الصناعات من آثار سلبية على صحة الإنسان، بل إنه من المسَلَّم به أن كثيرا من الأمراض سببها المواد الغذائية المصنعة وطبيعة النظام الغذائي بصفة عامة، كما أنه من المسلم به أيضا أن بعض شركات الأدوية تتلاعب في نتائج الأبحاث المتعلقة بنجاعة الأدوية وفعاليتها، بل وفي الآثار الجانبية لها- كما سيأتي معنا-. ولذلك نجده يحارِب على هذا المستوى ويحذر من خطورة وآثار هذه الصناعات، بل ويقدم بديلا طبيعيا لها.
وإذا نظرنا إلى هذه الفئة التي تتزعم هذه الحملة وتحارب هذا الرجل، نجدهافي الأصل تنقسم في إلى فئات ثلاث: فئة الملحدين والعلمانيين المتطرفين، وفئة أرباب الشركات الغذائية والدوائية، وفئة من أتباع هؤلاء وهؤلاء لا رأي لها .
الفئة الأولى: (الملحدون والعَلمانيون المتطرفون ومن سلك مسلكهم): ليس من الغريب أن يحارب هؤلاء جميعا هذا الرجل وأمثاله، فقد سبق ذلك في تاريخنا الإسلامي ولازال في عصرنا الحالي. يوظفون في ذلك كل الأساليب الخسيسة؛ من دعاية كاذبة وتحريف للكلام عن سياقه وأشكال من التحريض والعنف. لكن لِم أجمع هؤلاء على محاربة هذا الرجل؟
محمد الفايد ليس كأي عالم مختص في علوم التغذية، بل هو فوق ذلك نموذج للعالم المسلم الذي لم يتنكّر لحضارته وتراثه، والذي يسعى جاهدا لإحياء حضارة إسلامية علمية تراعي كرامة الإنسان وبدنه وعقله فيما تُقدمه من نتاج، لذلك نراه يربط عِلمه بعلوم الدين والوحي والغيب ولا يفصل بينهما، حتى كأنهما واحدة متكاملة لا تقبل الفصل والعزل والتقسيم، والأمر كذلك. و إذا علمنا أن هذه الفئة الأولى بلغت في درجاتها المتصاعدة من العَلمنة أن كتابنا الكريم تقتصر مهمته في هداية العامة والجهلاء، بينما النخبة المثقفة قادرة على الوصول إلى الحقيقة اعتمادا على عقلها فقط دونما حاجة إلى وحي أو كتب مرسلة، بحيث يكون المصدر الوحيد للمعرفة عالم الطبيعة والمادة.
وإذا كانت هذه الفئة لا تؤمن بالغيب وتعدُّه مجرد أسطورة نافعة لتخويف الناس وحثهم على الخير و العمل الصالح، أو تؤمن به لكن لا تجعل له مدخلا في حياة الناس وعلومهم واقتصادهم وسياستهم وفنونهم وأدبهم...الخ وهي لا تطلب من الإنسان – في الظاهر- سواءً كان عاميّا أو عالما في مجال ما “أن يتنازل عن دينه، فيمكنه أن يحتفظ بانتمائه الديني، على أن يستبعد من عقيدته (وعلمه) فكرة الوحي والمعجزات، ويبقي على القيم العقلية المجردة منفصلة تماما من أي غيب، أي منفصلة عن أية نظرية معرفية دينية “(1).
وإذا كان الأمر كما ذكرنا فإن هذه الفئة تجعل من الإنسان موجودا يَقدر العقل/العلم أن يَعرفه تمام المعرفة وأن يكشف خباياه كلها ويزيل عنه الحُجُب كلها؛ معرفة البدن كله وخفايا العقل كله وحجب النفس كلها، وقُل ذلك في الشعور والإحساس والرغبة والشهوة والذكاء والوعي بل والروح أيضا ! كأنهمانطلقوا من مسلمة: ما من شيء في الإنسان إلا ويدركه العقل ويحيط به العلم. والحقيقة المغيبة عن هؤلاء أن الإنسان لا يشبه غيره من الموجودات، فهو يحمل في باطنه غيبا لا يدركه العقل ولا يحيط به العلم وقُل ذلك في حياة خلاياه وروحه. فلِمَ يرفض هؤلاء حقيقة أن الإنسان يتميز عن “الموجودات الأخرى بكونه لا يقبل أن تنكشف حقيقته بتمامها/ بل ما الذي يمنع من أن تبقى -على الأقل- بعض جوانب الإنسان لغزا محيرا إلى الأبد، دلالة بيّنة على خالقه”؟(2).
هذا ما أدركه محمد الفايد ولم يدركه هؤلاء، ولذلك شرع في تعامله مع الإنسان على هذا الأساس؛ فمنه ما يُدرك بالعقل ويُحاط به بالعلم ومنه ما لا يدرك بالعقل ولا يحاط به بالعلم، و إنما السبيل إلى إدراك هذا العنصر منه هو وحي القرآن والسنة. هذا الرجل جعل هذه الحقيقة عنوان تعامله مع الإنسان وغذائه وطرق وقايته وحماية بدنه وصحته. لذلك يمكن أن يُقال إن صراع هذه الفئة مع هذاالرجل ليس صراعا علميا مختبريا، وإن كان يبدو في الظاهر كذلك فهو في الحقيقة ليس كذلك، و إنما هو صراع ذو بعد عقدي- في الأساس- يُلبسه أصحابه لبوسا مختلفا؛ فتارة يلبسونه لبوس العلم وتارة يلبسونه لبوس العقل وتارة يلبسونه لبوس التخصص. كل ذلك التخرّص سببه فقدانهم الشجاعة الكافية لإعلان أصل الصراع والإفصاح عن حقيقته.
الفئة الثانية (أرباب الشركات الغذائية الدوائية): لابد أن نثير هنا مجوعة من الأسئلة، يكون الجواب عنها في عمومه تفسيرا لسبب حنق ومحاربة هذه الفئة لفكر محمد الفايد ومنهجه في التغذية والوقاية؛ من قبيل:
هل تلتزم شركات الصناعات الغذائية فعليا بالمعايير الصحية؟ من يحدد الحد الأقصى المسموح به للمُضافات الغذائية في المواد الغذائية ؟ أليس هدف هذه الشركات هو الربح المادي ولو كان ذلك على حساب صحة الإنسان؟ لماذا تحذر جمعيات حقوق المستهلك من الإكثار من المواد الغذائية المصنعة؟ لماذا يجمع المختصون على أن تجاوز الكميات المسموحة من المضافات الغذائية قد يؤدي إلى تكون أورام سرطانية؟ لماذا تكثر السرطانات في المجتمعات التي تعتمد نظاما غذائيا مصنعا؟
هل الاختبارات التي تنجزها الشركات المصنعة للأدوية على أدويتها قبل عرضها في الأسواق تكون سليمة ونزيهة؟ لماذا تطرح بعض الأدوية في الأسواق ثم بعد ذلك يتم سحبها ؟ ألا يفترض أنها تعرضت للاختبار قبل ذلك؟ ألا تتلاعب شركات الأدوية في نتائج الأبحاث، بحيث تبرز فوائد أدويتها بنحو مبالغ فيه ؟ هل تكشف هذه الشركات أصلا عن بيانات تجاربها ؟ لماذا تصرخ مجموعات دعم المرضى محذرة من المضاعفات الجانبية لبعض الأدوية ؟ لماذا تميل الأبحاث التي تمولها الشركات الدوائية الخاصة إلى إظهار نتائج إيجابية أكثر من الأبحاث التي تمولها الحكومات ؟ ألا يمكن أن نتحدث عن توظيف حيل تظهر فوائد بعض العقاقير وترفع درجة فاعليتها، أو تخفي آثارها الجانبية ؟
يجيبنا الطبيب النزيه والكاتب المحقق بِن جولديكر Ben Goldacre في كتابه (Bad Pharma)، يقول في مقدمته متحدثا عن التجارب والاختبارات التي تقع على الأدوية قبل عرضها في الأسواق :” هذه التجارب تميل إلى إصدار نتائج تصب في مصلحة منتجي الأدوية، وعندما تكشف هذه التجارب نتائج لا تعجب تلك الشركات، فإنها تعمد إلى إخفائها عن الأطباء والمرضى”. ولإثبات أن التجارب التي تمولها شركات الأدوية تفضي غالبا إلى نتيجة إيجابية مبالغ فيها أكثر من التجارب المستقلة في تمويلها ، يقول في الفصل الأول المعنون ب(إخفاء بيانات التجارب): “…في عام 2007 فحص عدد من الباحثين جميع التجارب المنشورة التي أجريت لبحث فوائد عقاقير الستاتين Statin ، وهي عقاقير تخفض نسبة الكولسترول في الدم، و تقلل خطر الإصابة بالنوبات القلبية، و يصفها الأطباء بكميات كبيرة جدا…بلغ إجمالي التجارب 192 تجربة، وهي إما أن تقارن أحد عقاقير الستاتين بعقار آخر من نفس الفئة، و إما أن تقارن أحد عقاقير الستاتين بعقار من فئة مختلفة يعالج نفس الحالة. وما إن ضبط الباحثون العوامل الأخرى…حتى وجدوا أن التجارب التي مولتها شركات الأدوية كانت أكثر ميلا عشرين مرة لإعطاء نتائج إيجابية مؤيدة للعقار محل الاختبار“!!(3)
وهذا بالضبط ما ينتقده محمد الفايد ويحذر من نتائجه؛ ينتقد المُضافات الغذائية و يحذر من المضاعفات الجانبية لبعض الأدوية، ولذلك نراه يقدم بدائل طبيعية غذائية وعلاجية أقل تكلفة وأكثر ضمانا وأمانا لصحة الإنسان. ولأنالرجل له قدرة جيدة على التواصل وله جمهور واسع يسمع نصائحه ويأخذ بتوجيهاته، فإن ذلك يعني تدرج هذا الجمهور في تغيير نمط عيشه و الانتقال من المواد الغذائية و الطبية المصنعة إلى المواد الطبيعية. وهذا بطبيعة الحال سيؤثر في نهاية المطاف على أرباح هذه الشركات. وإذا علمنا أن هذه الشركات المختصة في صناعة الغذاء والدواء تعتبر كغيرها من الشركات التي تهدف من تأسيسها الربح المادي، و إذا كانتمتجردة من الضوابط الأخلاقية وقادرة على الإفلات من الرقابة القانونية، فإنه لا شيء يمنعها إذن من مضاعفات الأرباح حتى وإن كان ذلك على حساب صحة الإنسان والبيئة والحيوان.
لا يتعلق الأمر هنا بالدعوة إلى ترك التطبيب مطلقا أو الإعراض عن الأدوية المصنعة كلها، كلّا ! ولا أحد يقول بذلك. وإنما يتعلق الأمر بالدعوة إلى نظام غذائي طبيعي يقي الإنسان كثيرا من الأمراض والعلل، وهذا ما تدعو إليه منظمة الأغذية و الزراعة (FAO)، فقد أصبح من المسلم به أن كثيرا من الأمراض يكون السبب فيها هو النظام الغذائي الصناعي.
الفئة الثالثة (أتباع هؤلاء وهؤلاء): وهذه الفئة عبارة عن أتباع للفئة الأولى والثانية ولا رأي لهم، تأثروا بالدعاية ووقعوا في الفخ فأصبحوا وسيلة دعائية يوظفها هؤلاء وهؤلاء مجانا. إنهم لم يقفوا على حقيقة الصراع بين محمد الفايد والفئتين السابقتين، لكنه غلبهم إعلام هاتين الفئتين فأصبحوا تحت تأثيره، بل و مدافعين عنهما .
لم تكن الفئات السابقة لتخوض حربها مباشرة مع الرجل، لا في مجالها ولا في مجاله فهي لا تقوى على ذلك، بل كانت تخوضه بوسائط إعلامية ودعائية تافهة لا قيمة لها؛ منها ما هو ورقي ومنها ما هو إلكتروني . تكتب بالمقابل و لا يهمها أن تقع في التدليس أو الكذب أو التزوير، لا تهمها تلك الضوابط الأخلاقية والمهنية مادامت تكتب مقابل مال. ولأن المواطن العامي يقع تحت تأثير هذه الوسائط من دون نقد أو تمحيص أو تثبت، ولا استعداد له في بذل مجهود يوصله إلى حقيقة الأمر، فإنه يقتصر على ما تحت يده من وسائل التواصل فيجعل من منشوراتها و أخبارها وصورها ومقاطعها حقائق يطمئن إليها. ثم ينتقل هو بنفسه بعد هضمه لتلك المواد إلى اجترارها ونشرها وترويجا و إعادة بثها بين الناس، فيكون هذ الشخص قد وقع ضحية ل“مبدأ السيطرة على العقل العام”.
إن هذا الأمر يثبت نجاح خطة السيطرة على العقل العام وإخضاعه لحكم رجال المال والأعمال(4)، فلا أحد من هؤلاء يعلم مدى تأثير الإعلام على سلوكه وقناعاته و أفعاله. لأن إدراك ذلك – بكل بساطة- يحتاج إلى قدر مقبول من المعرفة، وهو شيء ليس في متناول الجميع بمن فيهم بعض أهل الطب والهندسة وغيرهم.
خاتمة
لا ينبغي أن يفهم من ذلك أنا نعُدّ محمد الفايد شخصا فوق النقد والدحض والمناقشة، كلّا/ فلا عصمة لأحد – ولا هو يزعم لنفسه ذلك – ومجال الخطأ وارد وهو من طبيعة الإنسان، غير أن ذلك يكون في قنواته العلمية المعروفة وبوسائله المعلومة، وهذا الأمر– للأسف الشديد- لم نلحظه ولم نلمسه في هذه الفئات المذكورة. فعُلم حينها أن السبب يتجاوز ذلك إلى ما هو عقدي وربحي.
ولا يمكن بأي حال من الأحوال اتهام جميع الشركات المصنعة للغذاء والدواء بعدم الالتزام بالمعايير الصحية والتكتم على نتائج أبحاثها، فلا يخلو مجال من المجالات من الشرفاء والنزهاء ولا يمكن أن نسحب مبادئ الأخلاق من جميع الشركات. نحن نقصد نوعا بعينه من الشركات وفكرا ربحيابعينه، فالربح مشروع لكن ليس على حساب صحة الأنسان والبيئة والحيوان .
إن محمد الفايد يربط أحيانا بين نصوص دينية وبين قضايا علمية أو طبية بعينها بشيء من الجزم، لا نقول به ولا يمكن التحقق منه الآن، كما يعتمد أحيانا أسلوب التعميم والشمول، وهو أسلوب أدبي معروف يُراد به شدة التخويف والتحذير، ومن عرَف أساليب اللغة عَلِم أن ذلك ليس على حقيقته . والله أعلم !
ــــــــــــــــــــــــــــ
1- العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة، ج2، ص54
2- بؤس الدهرانية، ص112
3- أنظر كتاب Bad Pharma وكتابBad Scince لصاحبهما Ben Goldacre، فهما مهمان للغاية
4- للمزيد راجع كتابMedia Control لصاحبه Noam Chomsky