من يدبر ريع المحاكم؟.. مركزية حد كورت نموذجا
هوية بريس – ذ. إدريس كرم
قد يُتساءل: وهل في المحاكم ريع حتى يتحدث عن تدبيره؟
حقا إنه سؤال ساذج يطرحه من لم يلج شعاب المحاكم، ويكتوي بنيران مساطرها التي تبتدئ بالتبليغ ولا تنتهي بالتنفيذ، الذي قد يكون من شروط إنجازه كما يروى في نازلة كانت شائعة بحد كورت في نهاية العقد الماضي أن المنفذ له وافق على دفع إتاوة سنوية بعد كل موسم حصاد، ولم ينقذه منها إلا موت فارضها.
قد يوجد لهذا الخبر نظائر مشكلة حسب ما ينفذ بدء من النفقة مرورا بالحجوزات والبيع العلني وانتهاء بمسطرة تنفيذ أحكام العقارات.
فإذا كان الأعوان القضائيون الذين لا يغطون تراب نفوذ المحاكم وخاصة في البوادي، وعدم اختصاصهم في البنايات، يتقاضون تعويضات محددة حسب قرب وبعد مكان المهمة من المحكمة بحيث تصل أقصاها في محكمة سيدي قاسم إلى 400 درهم، فإن موظفي المحكمة ومراكزها لا يعقل أن لا يتقاضوا شيئا عن التبليغ والتنفيذ، ويظهر ذلك في طريقة تقاضيهم عمولات عما يقومون به من مهام، وتبدأ من أن يطلب من صاحب التنفيذ أو التبليغ إحضار وسيلة النقل وأكيد لن تكون الدابة وإنما سيارة، وقد تكون سيارة مخصوصة بالعون المكلف بالمهمة، ثم بعد ذلك يتفق الطرفان على المبلغ حسب أهمية المهمة.
وبناء على موضوع المهمة يتحدد التكليف، ففي حد كورت مثلا يقتصر التكليف على (ر) فيما فيه عائد متسلسل من استدعاء وتبليغ وتحري ومحاولات تنفيذ وكل بثمنه، وتحدث مقايضات ومزايدات بين الخصوم لرفع الاستفادة بتعقيد المساطر، وقد يلجأ المأمور لخلط الأوراق وافتعال الخطأ في المحاضر -كما حدث في نازلة السنة الماضية حيث أصبح المنفَذ عليه مرافقا للمأمور وصاحب القول الفصل-، وذلك حتى يترك الفرصة لتمديد المنازعات وزيادة عائدات الصبيب المالي، دون حسيب أو رقيب، خاصة إذا كانت شكوى المرتفقين للجهات المفترض فيها المراقبة وتحليل الشكايات كما يقال في الأخبار، لا تجد لها مكانا غير الحفظ بعدما يتخابر مع المشتكى به، ليقال: إن المصالح الفلانية تلقت شكايات المواطنين، لكن لا يقال كم حلت منها.
والسؤال المطروح هو: من يستفيد من ريع التبليغ والتنفيذ؟ أهو المأمور أم آمره ومكلفه وحاميهما؟
ولِم يترك المرتفقون يُنهبون من قبل موظفي المحاكم الذين يفرضون ما يشاؤون من تعويضات وإتاوات ناهيك عن تركهم مهامهم الإدارية شاغرة، بل عاينت في مركز حد كور تكليف شاوش بالمشاركة في مهمة محاولة تنفيذ معروف أنها غير ذات جدوى ولكن الأهم هو تعويضه.
لقد كان امتناع مأمور الإجراء في حد كورت بجماعة المرابيح يوم 23/4/2017 من مباشرة مهمته بعدما حل بمكان التنفيذ صحبة القوات العمومية وممثلي السلطات المحلية بدون سبب، يدخل في إطار إطالة أمد التقاضي من أجل الوصول إلى ما أسلفنا، وما كان ذهابه إلا من أجل تسجيل الحضور على أن يعود مرة أخرى، مما يدل على أن وراء ذلك ما وراءه، والغريب العجيب أنه لم يساءل من قبل أحد من رؤسائه عن هذا الشطط الفاضح!!
وهذا يوضح أن العملية الريعية ربما لها أطراف أخرى، لذلك يتم السكوت عن المخالفات التي تضر العدالة في الصميم.
إن محاربة الريع يجب أن يشمل المحاكم التي عشش فيها وفرخ، ولن تنفع معه الخطب ولا المزاعم بإدارة إلكترونية تديرها عقلية ريعية لا ترى في المرتفق إلا غنيمة سهلة الافتراس في غياب الردع والزجر المنبني على المتابعة والمحاسبة والاستماع للمظالم بحلها، والبحث فيها لإحقاق دولة الحق والقانون لحماية البلاد من مغبة استشراء الفساد وعواقبه الوخيمة.
والله لا يصلح عمل المفسدين.