من يدفع أجرة الزمار؟؟!!
هوية بريس – أحمد العاني
يستغرب الكثير من الناس جرأة تيار الانحراف في بلادنا على التراث والهوية الإسلامية وأسسها، حتى بلغت بهم الجرأة للتطاول على كتاب الله ورسوله وصحابته والأئمة الاعلام الكبار الذين أجمعت الأمة لقرون على خيريتهم وعدالتهم… طعن وجرأة على محارم الله ليس لها من تفسير سوى مقولة: من أمن العقوبة أساء الأدب، فهذا حالهم ووصفهم الدقيق.
وكأني بالقوم يعلنون تحديهم لملايين المسلمين ولسان حالهم يقول: (الغرب مولانا ولا مولى لكم، فاشربوا البحر إن شئتم).
منشأ الإستغراب هذا هو أن هؤلاء رغم أنهم قلة هامشية في مجتمع مسلم عريض إلا أنهم يحدثون ضجيجا متعمدا دائماً، ساعدهم على ذلك فتح المنابر الإعلامية لهم والاحتفاء الدائم بهم وتقديمهم على أنهم: الدكتور، والمثقف، والعلامة، وفريد عصره، والنابغة والمحلل، والاديب… وووو إلخ.
وقد صدق أحدهم وهو منهم. حين قال في معرض فضح عمالة أصحابه إثر خصومة تشبه خصومة لصوص على اقتسام المسروق. قال: أنه يعرف منهم من لم يتناول عشاء في بيته لسنتين متتاليتين، ليس لأنه فقير معدم، وليس لأنه يشتغل ساعات الليل باحثا عن لقمة العيش…!! بل لأنه لا تمر ليلة دون أن يكون ضيفا مدعوا لنشاط ما بسفارة أو قنصلية أو فندق أو مؤسسة أو مركز أو جمعية…
عمالة هؤلاء القوم ليست بالشيء الجديد الحادث بل هي قديمة قدم الإستعمار الذي ترك نبتة خبيثة في جسد مجتمعاتتا. وهذا ما تطرقت له الكاتبة الباحثة فرانسيس ستونرسوندرز في كتابها ( من يدفع أجرة الزمار ) أو العازف -بحسب الترجمة- والذي ترجم للعربية بعنوان:
الحرب الباردة الثقافية، المركزية الأمريكية وعالم الفنون والآداب. الكتاب خطير مليء بالمعلومات الموثقة والأدلة الدامغة التي تؤكد عمالة واجرام من انتسبوا للادب والثقافة ورأيناهم أعلاما أدبية ونحن صغار، نظرا للهالة الكبيرة التي وضعت عليهم، كطه حسين وجماعته ومجايليه. ومن عرفوا بكتاب المهجر، وكيوسف الخال وأدونيس… والقائمة طويلة.
من الأمور المدهشة أنها ذكرت أن البنتاغون مول طباعة وتوزيع ونشر (مجلة شعر) الشهيرة التي كانت تصدرها مجموعة ممن يسمون بالادباء.
هنا السؤال العريض. ما علاقة البنتاغون بتمويل مجلة أدبية شعرية؟؟!!!!
البنتاغون تخصصه الجيش والسلاح والغزو والحروب والفتك… كيف يمول طه حسين ويوسف الخال وأدونيس وغيرهم من شعراء وكتاب (الحداثة)، أية علاقة؟!!!
لا أعتقد أن الجواب يحتاج كثير توقف وتفكير.
فقد ذكرت المؤلفة في هذا الكتاب أنه على مدار أكثر من عشرين عاماً كانت وكالة المخابرات الأمريكية تنظم وتدير جبهة ثقافية عريضة في معركة ضارية بدعوى حرية التعبير، وبتعريفها للحرب الباردة بأنها معركة من أجل “الاستيلاء على عقول البشر”. وبعد أن سكت هدير المدافع وأزير الطائرات ودوي القصف أخرجت الترسانة أثقالها الثقافية: الصحف والمجلات والإذاعات والمؤتمرات ومعارض الفن التشكيلي والمهرجانات الفنية والمنح والجوائز.. إلخ، وتكونت شبكة محكمة من البشر الذين يعملون بالتوازي مع الـ”CIA” لتمحو من الأذهان فكرة أن “أمريكا صحراء ثقافية” وتزرع فيها فكرة جديدة مؤداها أن العالم في حاجة إلى سلام أمريكي وإلى عصر تنوير جديد، وأن ذلك كله سيكون اسمه “القرن الأمريكي”.
راديكاليون سابقون ومثقفون يساريون من الذين تحطم إيمانهم بالماركسية والشيوعية. ومؤسسات وهمية وتمويل سري ضخم وحملة إقناع هائلة في حرب دعاية ضارية تخطط لها وتديرها “منظمة الحرية الثقافية” التي كانت بمثابة وزارة غير رسمية للثقافة الأمريكية، أو لتكون “الزمار” الذي تدفع له الـCIA ثمن ما تطلبه منه من “ألحان”.
إنها القصة كاملة للدور الذي قامت به الـCIA في الحرب الباردة الثقافية، الأمر الذي يجعل من هذا الكتاب عملاً مهما من أعمال البحث التاريخي كما وصفه المفكر إدوارد سعيد.
ترى هل سنعيش إلى أن يتم الإفراج عن الوثائق التي تثبت عمالة معاصرينا من الزمارين -أشباه المثقفين- أم أن عمالتهم لم تعد تخفى إلا على من طمس الله على بصيرته؟!