مهرجانات الصيف.. مساءلة ومحاولة للترشيد

18 أغسطس 2024 12:26

هوية بريس – محمد زاوي

1-مساءلة لعائد مهرجانات الشواطئ

تنظَّم في المغرب كل سنة مهرجانات شاطئية تتعرض للعديد من الانتقادات التنظيمية والأخلاقية والمالية، حيث يتساءل عدد من المغاربة عن عائد هذه المهرجانات وثمراتها.

ومن المهرجانات التي تثير هذا النقاش كل سنة، مهرجان اتصالات المغرب الذي يسمى “بمهرجان الشاطئ”، والذي ينظم هذه السنة في نسخته العشرين، ابتداء من 13 يوليوز 2024، في ست مدن ساحلية بالمملكة.

وتدعي الهيئة المنظمة أن هذا المهرجان “استطاع على مدى أكثر من عقدين من الزمن، أن يفرض نفسه كموعد لا غنى عنه، مستقطبا كل سنة ملايين المتفرجين من جميع أنحاء المغرب للاستمتاع بالموسيقى والثقافة.. ويسلط الضوء على غنى الموسيقى المغربية ويستقبل أكثر من 200 فنان من المشاهير الوطنيين والدوليين ويقدم ما لا يقل عن 100 حفل موسيقي”، لتترك المجال مفتوحا لطرح سؤال عريض هو: ما مدى حاجة المغاربة لهذا النوع من المهرجانات في وقت ترتفع فيه الأسعار ويكثر فيه اللهو واللعب ولو على حساب القضايا الكبرى؟

إن هذا المهرجان الذي “تجري فعالياته هذه السنة في الفترة من 13 يوليوز إلى 21 غشت 2024 في كل من مدن المضيق، طنجة، الحسيمة، مرتيل، السعيدية والناظور”، والذي أعدت له “أحدث البنى التحتية من خلال منصات تتوافق مع المعايير الدولية ومزودة بموارد بشرية وتقنية ولوجستية، مما يجعل العروض الفنية عالية الجودة متاحة للجميع”؛ قلت: إن هذه المهرجان الذي عمّر لسنوات في المغرب (منذ 2002) ليس فوق المساءلة، ويجب مساءلة عائداته الأخلاقية والمالية.

إن ما يجري في المهرجانات الصيفية من رقص ماجن وتناول الخمور والمخدرات واختلاط سافر يطرح أكثر من علامة استفهام إذا كان ما يحكى صحيحا.

 

2-مواسم البوادي.. هل من سبيل للترشيد؟

تحرص العديد من الجماعات القروية على تنظيم موازين ومهرجانات قروية لإحياء موروثات ثقافية موسيقية أو فولكلورية أو زراعية، تعبر عن معيش الناس وأساليبهم في الفرح.

ومن أهم المهرجانات التي تنظم بالبوادي المغربية مهرجانات “التبوريدة” لما لهما من دلالات رمزية مرتبطة بتاريخ المغاربة والمسلمين، ولما تلقاه من إقبال عند مغاربة الحواضر والقرى وعند السياح والجالية أيضا.

هذا وقد تم إدراج “التبوريدة” ضمن “قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي”، ما أكسبها أهمية كبيرة في المجتمع المغربي وفي العملية الرسمية بها كعروض تجمع بين الرياضة التقليدية والفولكلور بالذاكرة التاريخية الخاصة.

في فن “التبوريدة” مزيج بين الحنين للبادية (أصل المدينة) بالذاكرة العسكرية وعلاقة الإنسان بالحيوان (الخيول) واستعمال اللباس التقليدي الأصيل… كلها إشارات دالة على خصوصية المغاربة وأصالتهم.

كل هذا مهم ويجب تثمينه، ولكن بنوع من التفكير الجدي في التعريف التاريخي أكثر من الفلكلوري بهذا الفن، وجعله مدخلا من مداخل التنمية القروية بتشجيع ممارسيه والتعريف به وطنيا دوليا.

ونظرا لهذه الدواعي، فقد دأبت الدولة أن “تنظم بشكل سنوي “جائزة الحسن الثاني” لفنون الفروسية التقليدية (التبوريدة)، حيث تتبارى عشرات الشربات على هذه الجائزة”.

 

3-موسم “مولاي عبد الله أمغار”.. انتقادات لمظاهر تتكرر كل سنة

يعد موسم “مولاي عبد الله أمغار” نواحي الجديدة من أهم المهرجانات القروية المخصصة لفن “التبوريدة” حيث تقصده فرق هذا الفن ومجموعاته من مختلف أنحاء الإقليم ومناطقه، وكذلك من مناطق أخرى خارجه.

وقد أعلنت جماعة مولاي عبد الله (الجديدة)، هذه السنة، عن تنظيم الموسم ما بين 9 و18 غشت 2024، في نسخة على تمتد على مدى 10 أيام لأول مرة، وذلك تحت شعار “رهانات المغرب بين الجذور والحداثة“.

ويشمل برنامج هذه الدورة مجموعة متنوعة من عروض التبوريدة، والعديد من الأنشطة الثقافية والفنية. كما يتضمن البرنامج مؤتمرات حول موضوعات مختلفة تتعلق بموضوع هذه النسخة، بالإضافة إلى فضاءات عرض المنتجات المحلية، والعديد من وسائل الترفيه الأخرى.

أما بخصوص الشق الديني، فسينظم الموسم كما العادة “مواكب وطقوس دينية حول ضريح مولاي عبد الله، فضلا عن مسابقات خاصة بحفظ وتجويد القرآن الكريم”.

إلا أن هذا لا يعفي موسم “مولاي عبد الله أمغار” من الانتقادات التي توجه له، لا من قبل زائريه فقط بل من قبل ساكنة “مولاي عبد الله” كذلك، لما يعرفه الموسم من مظاهر لا أخلاقية، أو تلك المرتبطة بطقوس الصريح وما تحيل عليه من شركيات وتخلف عقدي.

 

4-المهرجانات الصيفية والمال العام

يوجه فاعلون كثر عددا من الانتقادات للمهرجانات الصيفية، سواء تلك الشاطئية والمنظمة بالمدن، أو تلك التي تنظم كمواسم في البوادي. وتتعدد هذه الانتقادات بين ما هو أخلاقي وما هو اجتماعي وثقافي واقتصادي.

وفي سياق متصل، سبق لمحمد الغلوسي رئيس جمعية حماية المال العام، أن انتقد الطريق التي يقدم بها الدعم لهذه المهرجانات.

وطالب الغلوسي رئيسة المجلس الأعلى للحسابات زينب العدوي بـ”التدخل لمراقبة صرف المال العام على المهرجانات الصيفية، وتقييم طرق صرف هذا الدعم ومعايير منحه في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة”.

وشدد على أن “طرق صرف هذا الدعم تطرح أسئلة مشروعة حول مسطرة وطريقة صرفه، خاصة وأن هذا الدعم يأتي في ظرفية خاصة تطبعها الأزمة الاقتصادية والاجتماعية وغلاء الأسعار”.

كما وجه انتقاده لـ”قيام وزارة الشباب والثقافة والتواصل، بتقديم دعم للجمعيات لتنظيم مهرجانات، في ظل رفع الحكومة شعارات وتوصيات بالتقشف وترشيد النفقات”.

ونبه محمد الغلوسي إلى “توزيع المال العام على المهرجانات غير ذات فائدة تذكر وفي وقت الشدة، حيث كان على الوزارة الوصية إظهار روح التضامن وتطبيق شعار ترشيد النفقات في ظل الأزمة الحالية”.

 

5-المواسم والتنمية القروية

هناك من يروق له الحديث بلغة أكثر تفاؤلا من الواقع، فيتحدث عن عائدات اجتماعية وثقافية للمهرجانات لا يراها عامة الناس ولا تصلهم فوائدها، ما يطرح السؤال حول مدى مصداقية وموضوعية الحديث عن هذه العائدات المبالغ فيها.

ذلك هو المنحى الذي نحاه الباحث إدريس القرب في كتابه “عتبات في الجماليّات البصريّة”، حيث قال إن المهرجانات “رئة التنمية وأوﻛﺴﺠين تنفسها” لأنها “فضاءات لتحقيق الذات، وإبراز المواهب، وتفريغ الاحتقان، وتوجيه الطاقات، ولقاء الخبرات والجماهير”.

وزاد أنّ “المدن والقرى ليست تجمعات بيولوجية ترتبط بالحاجات والغرائز فقط”، وإنما “فضاءات عيش مشترك تستمتع بها العين والأذن، بالصور والنغمات وتعبير الأجساد، والحدائق والمكتبات ودور سينما والمسارح والأروقة والمنحوتات، والطرق منسّقَة التصاميم”.

ويؤكد ذات الكتاب أن “اﻟﻤﻬﺮﺟﺎن ينظّم ﻓﻲ ﻓﻀﺎءات ﻣﺘﻨﻮﻋﺔ، وينشط ويُحيي ويوظف ﻣﻬﻨﺎ ومؤسسات وﻳﺤﺮك وﺳﺎﺋﻞ ﻧﻘﻞ ووﺳﺎﺋﻞ إﻋﻼم وﻳﺸﻐﻞ اﻟﻨﺎس؛ ولهذا فهو في قلب ﺻﻨﺎﻋﺔ المواطنة، وتحديث الذهنيات، وﻣﻮاﻛﺒَﺔ ﻣﺸﺮوع اﻟﻤﺠﺘﻤﻊ الحديث”.

لا ننكر كل هذا التصور، بل قد يحصل منه شيء. ولكن فلنتساءل: إلى أي حد تتحقق التنمية بالمهرجانات في المغرب أو على الأقل بالطريقة التي تقام بها؟ وإلى أي حد تحافظ هذه المهرجانات على هويتنا وخصوصيتنا؟ ألا يعاد في القروية منها إنتاج التخلف والشعوذة إلخ؟ في هذه الحالة، هل تتحقق المدنية التي يتحدث عنها الكاتب؟!

 

6-قول الفقيه.. المهرجانات والتراويح

يقول أحمد الريسوني في مقال له بعنوان “المهرجانات والتراويح.. من المدنس إلى المقدس” (2014):

“التراويح كلها عبادة وسكينة، وثقافة ورياضة، وتزكية وتربية، ونظام ووئام… يأتيها الإنسان راضيا ويخرج منها مرضيا.

والمهرجانات معظمها صخب وضجيج، وخمر وحشيش، وعربدة وبلطجة، وسرقات ومشاجرات، وتحرشات واعتداءات، وأوساخ وقاذورات… والتفاصيل مسجلة ومطوية في محاضر الشرطة وتقاريرها.

التراويح يؤمها ملايين الناس كل يوم على مدى شهر كامل. ملايين المصلين ينتظمون في صفوف التراويح، مع أنها نافلة تطوعية ليس فيها إلزام من الشرع ولا إكراه من المخزن. وهم يأتونها بدون لافتات ولا إغراءات، وبدون ملصقات دعائية ولا وَصلات إشهارية، كما يفعل أرباب المهرجانات وأنصارها مع بضاعتهم.

والمهرجانات تتطلب التعبئة والاستنفار -فعليا واحتياطيا- لعدد كبير من رجال الشرطة، ومن الحراس الأمنيين الخصوصيين، ومن المنظمين والمسيرين، ومن الأطباء والممرضين في المستعجلات… وتقف وراءها جمعيات ومنظمات ومؤسسات رسمية، ظاهرة وخفية.

أما التراويح، فهي مريحة ومستريحة، كما يدل على ذلك اسمها المشتق من الراحة. فهي تقوم وتنتظم بنفسها، بلا جند ولا جهد، ولا تعب ولا صخب.

المهرجانات تعول بالدرجة الأولى على استقدام نساء معروفات، فنانات في نهب الأموال وتهييج الرجال واللعب على الحبال. ويتطلب إحضارهن تدخلات وضمانات من معالي الوزير وسعادة السفير، وشهورا من التحضير والتبذير، لعل فنانتهم المدللة تقبل وتأتي لتتعرى وتثير وتجنن…

أما التراويح فلا تحتاج إلا إلى شخص واحد، شاب أو شيخ، متطوعٍ أو شبه متطوع، حافظ لكتاب الله، يتلو على الناس مما علمه الله.

مهرجانات مملكتنا الشريفة ترصد لها ميزانيات ضخمة خيالية، تُستخرج من الصناديق السوداء والحمراء. أما التراويح فلا تكلف دينارا ولا دولارا”.

هذه مقارنة لها ما يبررها، والسبيل هو ترشيد المهرجان حتى يقترب من التراويح أو ينصلح حاله بها. فيهتدي المهرجان بالتراويح ويعبر عن امتداد لرسالتها. لا أحد ضد الهزل والتمتع، ولكن بأي منهج؟!

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M