مهمة فرنسا بالمغرب 1913م
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
احتلال تازة بصفة نهائية
الشهر الماضي (أبريل) كان صعبا بالنسبة للتهدئة في ناحية تازا وكذلك زيان.
1- في ناحية تازة
توقف آخر سردنا عند لحظة التقاء الكلونين الذين قاما باحتلال تازا: كلون بومكارتين القادم من الشرق وكلون كورو القادم من الغرب حيث قاتلوا الدسول في ثلاث معارك كبرى أيام 1و10و12 ماي، و في 16 ماي بمضيق باب حماما (باب تربان ) تم شقت طريق بين معسكر واد إمليل ومكناسة التحتانية التي دخلها كلون بومكارتي قادما من تازا للقاء الجنرال ليوطي وكلون كورو.
كانت لحظة مؤثرة عندما بدت للأعين المراكز المتقدمة لكلون الغرب، الجنرال بومكارتي وضباطه انطلقوا مسرعين على خيولهم وكذلك فعل نظراؤهم من كلون الغرب، الجنرال ليوطي عانق من فوق حصانه الجنرال بومكارتين فوق حصانه، وقال ببساطة مشيرا إلى الجنرال كورو: (أقدم لكم الذي بفضله نحن هنا).
بعدها توجه الجميع لمكناسة التحتية، حيث استعرضوا كلون الغرب، بعد الغد الجنرال ليوطي والكلون دخلوا تازا، وبعدما استعرض المقيم العام الكلونين، دخل مع الجنرالين كورو، وبومكارتي، المدينة التي كانت تحلق الطائرات في سمائها، وسار أمامه الباشا سي الهاشمي، والقايد والأعيان والزوايا.
الباشا أكد أن السكان ملتزمون بالأمن، وأجابه المقيم بأن فرنسا وفية لمهمتها المجيدة لتوفير الأمن للمغرب، وإعطائه عهدا جديدا من الرخاء، بفعل العمل والجد.
بدأ الجنرال ليوطي غده في وضع معالم الربط بين المغربين الغربي والشرقي، بزيارة امسون، ومن هناك توجه بالقطار لوجدة حيث استقبل بترحيب، ووشح فارني ممثل فرنسا بالمغرب الشرقي (الإحساس العام يسفر بالمناسبة عن الترجمة الكاملة لمعنى الاستيلاء على تازا التي بفضله تم فتح طريق كبرى للمواصلات في المغرب، بل شريان سياسي وتجاري وإن مع بعض الحذر، لأنه لا يجب الاعتقاد بأن كل العوائق قد زالت بين المغربين الشرقي والغربي بالاستيلاء على هذه القنطرة التي تعتبر المعبر الأول).
بل ما تزال هناك بؤر سيتم معالجتها حالا ومستقبلا، بسلسلة من العمليات، والتي في الواقع منذ اليوم الأول من احتلالنا تازا، كان عندنا وعد من بني وراين بعدم اختراق أماكن تواجدنا، وترك توافد الخاضعين لمراكزنا الجديدة التي أقمنها بتازا وحولها من قبيل عدد من فخدات غياتة، وعدم مهاجمة المركز المنوي تشييده على واد بولجراف لحماية طريق تازا امسون، ومعرفة امكانية اجتياز مستطلعينا أراضي بني جان، إحدى قبائل بني بويحيى المعادية لنا.
يوم 23 ماي تقدم مئات المغاربة، تقدموا عبر سهل جيل، فى خط التموين بين امسون والصفصافا، فقامت مفرزة بدفعهم في معركة قتل فيها ضابط برتبة ليوطنا، وتم تكليف الكولونيل بيرو بالتصدي لها، فبادر بالأغارة على بني بويحيى وعزز مركز الصفصافا وامسون، والنخيلة، وأخيرا تم توقيف فوضى الثائر الشنكيطي.
مجموعة بقيادة رئيس فوج كوبو، أرسل لأعالي واد امسون، وأخرى خرجت من تازا وقد أراد الجنرال بومكارتي تمشيط شمال المدينة وبث الهدوء بها ونواحيها خاصة منذ 19 ماي يوم خرج فيه الكولونيل “بيرون” على رأس كلون لمعاقبة امطالكا، في قرية جيلا الذين كانوا أول من أطلق النار على طلائع كلون بومكارتي عندما احتل تازا، فقام الكوماندار “موجين” واستولي على المعادين بالكسرين، ودمر جزء كبيرا من قريتهم، ولم يترك سوى المسجد والمحاصيل الزراعية أيضا يوم 27 ماي الجنرال بومكارتي دفع بطلائع لغاية بليلان، على حدود التسول والبرانس.
وعاد مرفوقا بالكلونيل بلوكس، مع جزء من كلون كورو، من معسكر واد امليل يدعى معسكر تيرفي، وهو على اسم ضابط قتل في معركة 12 ماي، هذه الطليعة هدأت ناحية شمال واد ايناون وواد حرحار.
كلون “بلوكي” لاحقا توجه للإقامة في سيدي الغازي، بأعالي سهل واد اللبن بالتسول، حيث مكث هناك 8 أيام قبل أن يعود للمعسكر بواد أمليل، ثم دخل لتازا في 31 الجنرال بومكارتي خرج يوم 3 يونيو نحو الشمال الشرقي، مارا بعين أغبال ليلتقي يوم 4 في عين كرمة بمجموعة كوبو، وقد سبق أن قلنا بأن المسار سيقودنا لأعالي واد امسون وسيدي بلقاسم حيث تم الإبلاغ بوجود التجمع الرئيسي للأعداء، وفي نفس اليوم جرت معركة ضارية يقول عنها مراسل “الطان”:
الجنرال بومكارتي واصل منهجه في القتال بشكل نظامي في ناحية تازا، فعسكر يوم 3 يونيو بعين أغبال، شمال شرق تازا، بعدما ضمن تهدئة ساكنة ناحية الشمال الغربي لتازا لغاية واد أمليل وناحية الشمال لغاية مكناسة الفوقانية.
بعد توصل الجنرال بخبر تحرك الثائر الشنكيطي من حدود بني بويحيى للاقتراب من بلاد لبرانس قاطعا الأراضي التي كنا قد نشرنا بها عرفاء لتلقي طلبات الخضوع من كل مكان، ولما أخبر بأنه وصل ضريح سيدي بلقاسم شمال أمسون على الضفة اليسرى.
غادر الجنرال بومكارتي تازا يوم 3 يونيو وعسكر في عين أغبال يوم 4 منه وفي الفجر توجه نحو سيدي بلقاسم مع فوجي ميت وديرييز من اللفيف وفوج كورنيط لازواوا، وفوج سوفاجيو رماة، وفصيلة مغاربة، فصيلة اصبايحية، فصيلة رماة، الكوم الجزائريين، الكوم المغاربة، مدفعية الجبال، وملحقات أخر خرجت من امسون بقيادة الكومندار كوبو صاعدا الضفة اليسرى للواد فصد الاتصال بكلون تازا.
هذا الكلون اجتاز في طريقه عدة قرى لأولاد بوريماتم إخلاؤها على عجل من أهلها، بعدما حرص البعض منهم على الخضوع قبل في حين غادر غيرهم كارهين سيادتنا عليهم، الكلون دمر وأحرق مساكن ومحاصيل الذين شاركوا في الاعتداء على مراكزنا.
في الثامنة والنصف قام الكلونان بالالتقاء في عين كرمة وبعد ذلك بقليل هوجما من قبل اولاد بوريما المنشقين على شكل جماعات صغيرة تكاثرت بانضمام عدد صخم من فرسان ومشاة امطالسا، فدارت معركة ضارية انتهت حوالي الرابعة والنصف بعد الزوال، وانتهت بقصف المدفعية مجموعة العداء المتراجعة.
دارت المعركة في نقط مختلفة متباعدة بسبب تموقع المغاربة الذين كانوا مقسمين لمجموعتين أساسيتين.
فرسان الفرنسيس وفوجي ميت وديريز قاتلوا على الجناح الأيمن على أرض صعبة للغاية بها سلسلة من الروابي الصخرية تتصدرها منحدرات وعرة يصعب على الخيول اجتيازها مما يجعلها مواقع جيدة للكمائن الدفاعية وشراكا ممتازة لصيد المهاجمين.
الكومندان كوبو الذي يقود هذا الجزء من العملية اجتاز دون توقف عددا من الدواوير المهجورة من سكانها المغاربة على عجل الفرين من أمام خطه الأول، كانت المطاردة التي قام بها قاسية جعلت العصاة يتركون وراءهم خمسة أو ستة جرحى يزحفون في حالة سيئة بعدما اكتشفوا عالقين خلف الصخور بينهم شيخ مهيب مسلح بمسدس ومدية يهدد بهما جنود اللفيف الذين اكتشفوه وأسروه.
بينما الكومندار كوبو يعمل بكفاءة في الجناح الأيمن، الكوم بقيادة ليوطنا لافاي استولى على موضع سيدي بلقاسم.
الفرسان النظاميين الذين كانوا يحرسون الجناح الأيسر احتلوا منحدرات امسون المطلة على النهر، هؤلاء الفرسان يكونون سرية الفرسان، الرماة، سرية ماك كارثي واصبايحي وسرية المغاربة الفرسان واصلوا مهامهم لاحتلال المرتفعات شمال ضريح الولي وقاتلوا راجلين ضد المغاربة الذين قاوموهم في الشمال.
حوالي الساعة الثانية مساء جاءت سرية من اللفيف، وسرية راكبة لدعم حركة الفرسان الراغبين في النزول لعمق الوادي لتمشيطه على مسافة كلمترين، مستفيدين من نيران الرماة الذين كانوا مفترشين النباتات الشوكية على أطراف المنخفضات، بعدها استدار الفرسان يمينا للاستيلاء على ما كان بيد المغاربة من مواشي تخلوا عنها هم متراجعون لأعالي امسون.
كانت آخر طلقة مدفع حوالي الساعة الرابعة والنصف، وقد انتهز لفيفنا ورماتنا الفرصة ففتشوا الخيام المهجور واستولوا على ما يمكن الاستفادة منه بها.
الشنكيطي بدوره بعدما أحس بتذمر امطالسا وتوترهم وانفعالهم مما حدث من خسائر تراجع مع حرس قليل لعين زهرا في المنطقة الإسبانية.
الجنرال بومكارتين أمر بتوقف حركة القوات وبقائها في مواقعها ليتفقد خسائر الكولون التي كانت عبارة عن ثلاثة قتلى ضابطان وكومي جزائري والجرحى ضابط والقايد احمد من هوارة وستة من اللفيف بينهم ضباط صف وقناص إفريقي واصبايحي وكوميان.
عمليات هذا الفوج أوجدت انفراجا في وضعية هذا الجانب، القبائل المعادية بدأت في الفرار نحو المنطقة الإسبانية.
قرية عين كرمة مركز المنشق الشنكيطي دمرناها تماما بقنابل الميناجيت الحارقة، بعد ذلك دخل بومكارتين تازا، بينما نحن سائرون في طريق العودة تم إزعاج جانبنا الأيمن من قبل جماعة من المغاربة الذين رمى بهم جناح حراسة كولونيل بوير.
كلون كودو دخل امسون وبها تبين له أن القبائل المعادية عازمة على الانتقال للمنطقة الإسبانية للاحتماء بها والاختباء من مطاردتنا لها.
في 12 يونيو أعلن بأن كلون بومكارتين سيغادر تازا وكلون كورو سيغادر واد أمليل ليجتمعا في مكناسة ليقوما بعمليات بوليسية على طول واد إيناون في غياتة جنوب غرب تازة.
يوم 13 تعرض كلون بومكارتين لهجوم في مؤخرته حيث دارت معركة حامية قبل أن يلتقي بكلون كورو.
يوم 14 قام الكولونان معا بتدمير قصبة بني أمغار (ص:264).
في بلاد زيان
كما توقعنا، تم استكمال عملية تازا بعملية أخرى في بلاد زيان حيث انطلقت بإنشاء مركز في مولاي بوعزة من قبل الجنرال بلوتدلات كومندار ناحية الرباط الذي غادر معسكر كريستيان يوم 12 ماي للوصول لهذه النقطة بعد الغد حيث استقبل عددا من الخاضعين ودفع باستطلاعات نحو واد اكرو ومرتفعات فوغال بقيادة الجنرال هنري كومندار ناحية مكناس الذي قاد عملية ازعير.
الجنرال ليوطي عاد من تازا وبحث الموضوع مع الجنرال هنري في فاس كما تم بحث المعلومات المتعلقة بموحى وحمو الزياني واحتمال وصول قائد الشهير تغياغي قادما من سوس للقتال معه، فتقرر التوجه لغزو اخنيفرة بثلاث كلونات أحدهم بقيادة كلونيل كلوديل يخرج من إفران (شرق بطو) والآخر بقيادة الكلونيل كورسي يخرج من مرتفعات فوغال شمال غرب خنيفرة قرب مولاي بوعزة، الثالث بقيادة الكولونيل دوبليسي يخرج من قصبة تادلا ويسير على طول أم الربيع.
القوة الرئيسية للأعداء توجهت ضد كولون كلوديل الذي يسير مع الجنرال هنري، في ليلة 6و7 يونيو تمت مهاجمة معسكر كلوديل النازل في واد يفران بشراسة ليلا واستمر الهجوم لغاية الساعة الواحدة والنصف صباحا، أبعد الأعداء المهاجمون من قبل المدفعية في الساعة السادسة صباحا وكانوا مكونين من منشقي أمهاوش ومدعميهم القادمين مع موحى واسعيد سقط لنا في هذه المعركة أربعة جرحى.
وفي ليلة 7-8 وقع هجوم على مركزنا فتم إيقافه من قبل مدافع الرشاشات، تراجع الأعداء وخسرنا أربعة قتلى بينهم ضابط و11 جريحا.
يوم 10، كلون كلوديل رد هجوما جديدا من قبل زيان وبعد ثلاث ساعات من العراك طرد المهاجمون نحو الجبال.
يوم 22 يونيو تم احتلال خنيفرة من قبل الكلونات الثلاثة ومنخفضاته، كما تم في بلاد زمور يوم 6يونيو بين تداس وولماس مهاجمة مفرزة مكونة من 35 فردا من فوج إفريقيا كانت تحرس فصيلة تجهيز تمد خطوط التلغراف فقتل منهم 6 وجرح 7.
نشير إلى أن مجموع القوات الفرنسية الموجودة بالمغرب بلغ عددها 75000 رجل بينهم فقط من المتربول 5500 رجل، والباقي مكون من مغاربة 14000 رجل، وسنغاليين 12000 رجل، وجزائريين وتونسيين17000 رجل.
لن نكون مبالغين إذا قلنا بأن المهمة المدنية تتابعت بنفس الكثافة وأن فرنسا قد وفت بتعهداتها في إنجاز المهمات الثلاثة التي كلفت بها في المغرب أمام الدول الأوربية وهي إعادة التنظيم الإداري والمالي والقضائي في ظرف سريع وآمن أثناء التنفيذ بحيث لا يمكن لأحد تحقيقه في دلة تنتشر فيها الفوضى كما هو واقع في الإيالة الشريفة.
في عقل من ستة عشر تم تشكيل نظام قضائي متكامل مستوحى من المبادئ الأكثر حداثة للتشريعات الفرنسية والأجنبية المختلفة، وتم إنشاء محكمة استئناف وتنصيب محاكم، وكان قضاتنا والقضاء الفرنسي اكتسبوا ثقة من خلال قدرتهم على معالجة القضايا المستجدة لكل مختلف القوى الدولية بالمغرب في فيها الإسبانية، فتم رفع أثقال الرهونات العقارية الدولية التي كانت تثقل كاهل مغربنا، وأحدثت ولايات قضائية جديدة سلمت لها قضايا الرعايا الأجانب لمعالجتها، وألغت نطام التنازلات، وتم تنفيذ إصلاح إداري بشكل منهجي على الرغم من حركة الهجرة الاستعمار للمغرب التي لم يسمع بها من قبل وهي ظاهرة فريدة من نوعها في التاريخ الاستعماري، إذ في خلال 12 شهرا زاد عدد سكان الدار البيضاء من 40000 إلى 80000 نسمة في نفس الوقت، تقدمت وتيرة التهدئة بسرعة في كافة البلاد وشقت المسالك وبنيت المدارس والمستشفيات والمستوصفات والفنادق، تم تجهيز المدن بالمجاري الطرق والإنارة، ولتحقيق ذلك كان من الضروري أولا وقبل كل شيء تشكيل هيئات إدارية مرنة للغاية تتكيف مع الحالات الطارئة المحلية المتنوعة وفقا للمناطق ولعادات شعب ذكي مجتهد مرتبط بأرضه حريص على التعلم، حريص على إنشاء تدفقات تجارية واسعة مع فرنسا، كانت مدارسنا تستقبل أبناء أعيان التجار الذين يفكرون في إرسالهم للبعثات الفرنسية حيث توجد تخصصات تجارية تعلمهم وتدربهم في ظروف جيدة.
لكن أي خطأ في الإدارة وأي وحشية في سياستنا الأهلية وأية محاولة لطرد أصحاب الأرض يمكن أن يكون لها أخطر وأقسى العواقب.
لا يمكننا إلا أن نهنئ الجنرال المقيم بالقدر الكافي على معالجة هذه المشكلة وطرحها بشجاعة.
الإصلاح المالي والضريبي في طريقه إلى الإنجاز حيث كان قد شل لفترة طويلة بسبب نظام الامتيازات، وهو ينعكس حاليا في إعداد الميزانية العادية من خلال إعادة الضرائب القديمة، وفرض ضرائب جديدة على المعاملات والعقارات والمشروبات الكحولية.
في نفس اللحظة التي قامت فيها قواتنا بعد إعداد سياسي طويل وفعال بختم وضع الحجر الأخير لقيام امبراطورية فرنسية في إفريقيا، كان من الجيد إخبار البلاد بالعمل الجيد المنجز هنا تحية الضباط الذين قاموا بذلك بأسمائهم، وكذا الجنود المسؤولون الذين بذلوا قصارى جهودهم لعظمة فرنسا ومجدها”.
إفريقيا الفرنسية 1914/ص260-266.