مواجهة بين “كلام في السياسة” وحديث في التفاهة

02 يناير 2025 19:45

هوية بريس – سعيد الغماز

في مقالي ومتابعتي  للحلقة الأولى من “كلام في السياسة”، ختمتُ الكلام بالقول “ويبدو أن بوعشرين، يريد أن يميز بين السياسي والصحفي، ليكون المنتخب هو السياسي، والصحفي فقط محب للسياسة. لكن هل هذا يعني أن يكون محبا للسياسي؟”، وقلتُ أيضا ننتظر الحلقة الثانية من “كلام في السياسة”، لنعرف الجواب نحن محبي السياسة… ويبدو أننا مع الحلقة الثانية من “كلام في السياسة”، بدأت تتضح صورة علاقة الصحفي بالسياسي، وهل يمكن أن نتحدث عن الحب في هذه العلاقة.

ويأتي الجواب بالمباشر من صاحب “كلام في السياسة” في الحلقة الثانية، حين قرأ فنجان الحكومة، وأخبره هذا الفنجان أن السيد رئيس الحكومة سيغادر منصبه هذه السنة، ولن يُكمل ولايته. والسبب هو أن البطالة ثابتة والاستدانة صاعدة، يقول صاحب الكلام.

هذه الحلقة الثانية من كلام في السياسة، ساهمت بقدر معين في إبعادنا عن التفاهة التي استوطنت وكادت أن تحتل مواقع التواصل الاجتماعي. وربما كل حلقة من “كلام في السياسة”، تُبعدنا بمقدار عن عالم “مليء بالمعلقين والمحللين وحتى بعض المختلين” كما جاء في الحلقة الأولى. فاليوتيوب والفاسبوك وأخواتهما، يستوطنون أرضا تقع بين البياض والسواد. لكن المعتزلة لم ترد أن تكون المعركة بين البياض والسواد فقط، أي بين السياسة والتفاهة. بل أبدعت منطقة رمادية أسمتها منزلة بين المنزلتين. دعوني أشرح كما يقول صاحب “كلام في السياسة”.

إذا كان البياض “حديثا خفيفا على القلب، مفيدا للعقل وربما ممتنعا” كما وصفه بودكاست “كلام في السياسة” في الحلقة الأولى، فإن السواد تمثله “تحفة” فرضت نفسها في متحف التواصل الافتراضي. وكل زائر لهذا المتحف الافتراضي، يجد نفسه مجبرا على المرور بجانب هذه التحفة العجيبة. المشرفون على المتحف الافتراضي، يفرضون على الزائر مسارا مدروسا بعناية، كما تفعل كبريات شركات الأثاث، لا تخرج من المحل إلا بعد المرور من جميع أروقة البضائع المعروضة للبيع، إن لم تشتري أريكة تشتري على الأقل ديكورا أو ما شابهه. المهم ألا تخرج إلا وفي يدك بضاعة. جيدة تافهة، لا يهم ما دمت تمر في المتحف بجانب التحفة التي تحسن الكلام والضرب على البندير، وتجهل الكتابة ولغة المتعلمين.

نفس الشيء في المتحف الافتراضي، تمر بلوحة لا جوكندا وتمثال بيكاسو، وبين ذاك وذاك، تمر “رغم أنفك” بجانب التحفة المعلومة. هكذا هي إرادة أصحاب المتحف.

في المتحف تجد منطقة البياض ومنطقة السواد، وبينهما منطقة رمادية استوطنتها العصابة المعلومة. بضاعتها مثل بضاعة التحفة المفروضة في المتحف الافتراضي، لكنها تدَّعي أنها تقف مع الجانب الأبيض في المتحف. دعوني مرة أخرى أشرح.

صاحب “كلام في السياسة” لا يتحدث لا عن التحفة المفروضة ولا عن العصابة الرمادية. لكن هؤلاء جعلوا من “كلام في السياسة” عدوا خطيرا وجب استئصاله من المتحف. فلا يعقل أن تصطف أمامه 147.000 زائر في يوم واحد، 22.000 لايك و3500 تعليق، الأرقام لا تكذب. نحن نستوطن المتحف منذ سنين، ولا يعقل أن يأتي مولود جديد ويفضح مستوانا بالأرقام التي لا تكذب. فالمتحف شفاف وأرقامه حقيقية ومعروضة لكل الزائرين (ما كاين ما يتخبا).

كان الله في عون صاحب “كلام في السياسة”، والله “إصاوب” للتحفة وللعصابة. فكلما تضخمت تلك الأرقام، زاد الافتراس، والخوض في الأعراض. ومن يقف فوق المساحة الرمادية، يتحول إلى عصابة حقيقية، ويتحول من اللون الرمادي إلى الأسود، ليقف بجانب التحفة وكأن حلفا يجمعهما. فيسود سواد الليل معظم أرجاء المتحف على حساب بياض ضوء النهار. لكن “كلام في السياسة” يبدو أنه يريد قلب الآية، ليصير النهار بلونه الساطع، أطول من الليل بسواده الدامس.

يقول الحكماء “العقول الصغيرة تناقش الأشخاص، والعقول الكبيرة تناقش الأفكار”. وزوار المتحف لا يفهمون كيف أن صاحب “كلام في السياسة” يتحدث حديثا خفيفا على القلب، مفيدا للعقل وربما ممتعا، بينما الآخر يتحدث في ماضي الأشخاص ولا يتردد في الخوض في الأعراض. فهل المتحف “ولا سايب”.

رغم الخوض في الأعراض، أراد “الكلام في السياسة” أن يبتعد عن “الكلام في التفاهة”، ورفع السقف عاليا، ربما يفوق علو سقف كاتدرائية باريس “نوتر دام”، هي الأخرى تحولت من كنيسة للصلاة، إلى متحف للزوار. تحدث عن سر النقلة الاقتصادية الكبيرة التي أحدثها حزب العدالة والتنمية التركي. فكان الجواب من كبيرهم رجب طيب أردوغان “دخل أكبر مشاكل أقل لا يوجد سر”. لذلك ذهب صاحب “كلام في السياسة” إلى أن مدونة الأسرة ليست كحقيبة سفر، نضعف فيها “كووووووول الأشياء” بتمديد الواو، علما أن المد من اختصاص الألف، نتحدث عن الألف الممدودة، وواو النسوة وليس الواو الممدودة… ولا نعرف سر هذا المد في علم بوعشرين، ربما نجد جزءا من الجواب في “كلام في تحفة التفاهة” المنافس التافه ل”كلام في السياسة”.

مشكل المدونة جزء عند وزير التعليم، وجزء عند وزير المالية، وجزء عند وزير الثقافة، وجزء عند وزير التجهيز والنقل، فلماذا نَحمل كل هذه المطالب في المدونة ونضعها أمام قانون الأسرة؟

هذا ما ذهبت إليه نبيلة منيب حين اعتبرت أن المدونة لها ارتباطات بالاقتصاد والديمقراطية والحقوق والنهوض بأوضاع الإنسان كان امرأة أو رجلا، ومتطلبات التنمية. وتضيف المتحدثة: ليست المدونة مَن تدفع إلى الطلاق وإنما الفقر والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية هي من تزيد نسبة الطلاق. الكلام لي وليس لصاحب “كلام في السياسة”. وتختم نبيلة كلامها بمنطق يصب في نهر “كلام في السياسة” قائلة: “نحن مِن مصلحتنا أن نفكر لمصالحنا، نحن نريد أن نتقدم … نريد أن نصل إلى مقاصد الشريعة، نحن لا نريد أن نصير غربيين، نحن لا نريد أن ننسلخ من حضارتنا، نحن نريد قراءة تنويرية لحضارتنا ولتراثنا”. وهو ما تحدث عنه صاحب “كلام في السياسة” مطالبا بضرورة الابتعاد عن التقاطبات بين محافظ وعلماني، تقليدي وعصري.

كان للجيران نصيب في “كلام في السياسة”. المغرب مشكلة جزائرية، والنظام الجزائري مشكلته الحقيقية هي الاقتصاد الضعيف والشارع المكبوت.

في هذه الحلقة الثانية من “كلام في السياسة”، زادت مساحة السياسة وتقلصت مساحة الحكي والحكاية. ننتظر الحلقات القادمة، لمعرفة اتجاه القطار. أتحدث عن القطار الذي يصل في الوقت، وليس القطار المتأخر عن موعده الذي يستهوي الصحفيين. على حد تعبير صاحب الكلام “نحن الصحفيين لا نتحدث إلا عن القطار المتأخر عن موعده”.

آخر اﻷخبار

التعليق

اﻷكثر مشاهدة

حالة الطقس
18°

كاريكاتير

حديث الصورة

128M512M