موسم تعلات
هوية بريس – خالد مبروك
هذا الموسم كغيره من المواسم التي تسمى بأسماء الأموات الذين تُبنى على قبورهم أضرحة يحج الناس إليها.
و كما هو معلوم فإن زيارة القبور إما أن تكون مشروعة أو ممنوعة ، فالمشروعة هي أن يزور المسلم مقابر المسلمين من أجل تذكر الآخرة و الدعاء للأموات، و الممنوعة هي أن يزورها من أجل دعاء أصحاب القبور من دون الله و الذبح لهم و طلب الشفاء و الرزق منهم و غير ذلك من الشركيات التي جاء الإسلام لمحاربتها.
موسم تعلات، يقام بجوار ضريح امرأة يُحكى أنها كانت من الصالحات الزاهدات العابدات بمنطقة سوس، و لأنها كانت ممن يكرم أهل القرآن و يهتم بطلبة علوم الشريعة فإن ما يميز هذا الموسم عن غيره هو أن غالبية الحاضرين من طلبة المدارس العتيقة و شيوخها ..
و قد كنت مشرفا على الطلبة في مدرسة من المدارس العتيقة، و كان منهم من يذهب لهذا الموسم و منهم من يمتنع، فأما الذين لا يذهبون فلما فيه من مفاسد، وأما الذين يذهبون فإما لحب الاستطلاع أو لحاجة بعضهم لتبرعات المحسنين أو لصلة الرحم مع طلبة العلم و شيوخ المدارس العتيقة أو لغير ذلك ..
و قد اجتمعت في هذا الموسم كغيره من المواسم مصالح و مفاسد.
فمن المصالح :
– قراءة القرآن بقواعده (و ليس تحزابت المشينة).
– صلة الرحم بين طلبة العلم.
– جمع تبرعات الأغنياء لإنفاقها على المدارس العتيقة.
– التجارة .
و من مفاسد هذه المواسم:
– دعاء الأموات
– الذبح للأموات
– تحزابت: قراءة جماعية منكرة وسيئة.
– بعض من يعمل عمل قوم ل…ط.
و لكي يحكم الفقيه على هذا الموسم و أمثاله من الناحية الشرعية فإن علماء الشريعة وضعوا أصولا و قواعد فقهية تنزل على كل نازلة، و أذكر هنا بعضها :
* سد الذرائع:
-الذريعة في اللغة هي الوسيلة إلى الشيء.
-و في الاصطلاح: ما كان ظاهره الإباحة ، لكنه يفضي ويؤول إلى المفسدة أو الوقوع في الحرام .
بمعنى إذا كان فعلٌ ما سالما عن المفسدة لكنه سيكون وسيلة إلى فعل مفسدة أو عمل محرم فإن فعله ممنوع .
و إلى هذا أشار الإمام القرافي المالكي في كتابه الفروق 2/32 حيث قال :
” سَدُّ الذَّرَائِعِ ، وَمَعْنَاهُ : حَسْمُ مَادَّةِ وَسَائِلِ الْفَسَادِ ؛ دَفْعًا لَهَا ، فَمَتَى كَانَ الْفِعْلُ السَّالِمُ عَنْ الْمَفْسَدَةِ ، وَسِيلَةً لِلْمَفْسَدَةِ : مَنَعَ الإمام مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ ” .
فإذا طبقنا هذا الأصل على هذه المواسم فإن حكمها المنع لأنها وسيلة إلى ارتكاب كبائر من قبيل : دعاء الأموات و الذبح للأموات.
و من القواعد الفقهية التي يجب إعمالها في مثل هذه المواسم :
* درء المفاسد أولى من جلب المصالح :
و معناها: منع دعاء الأموات و الذبح للأموات الذي يفعله البعض في تلك المواسم أولى من مصلحة قراءة القرآن و صلة الرحم و التجارة و غيرها من المصالح.. لأن الشرك ظلم عظيم لا يغفره الله.
* ” إذا اجتمع الحلال والحرام أو المبيح و المحرم غلّب الحرام”
و هذه قاعدة أخرى من القواعد الفقهية التي تغلب تحريم مثل هذه المواسم التي تقع فيها تلك المحرمات .
و لا يمكن بحال من الأحوال أن نقيس ما يقع في هذه المواسم بما يقع في الحرمين الشريفين من مخالفات يفعلها بعض الجهال، فهذا قياس مع الفارق .
و القاعدة الفقهية تقول :”إذا تعارض المانع والمقتضي يقدم المانع إلا إذا كان المقتضي أعظم”
فلا يمكن أن نقيس حج بيت الله بحج ضريح !!!
و لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام والمسجد النبوي و المسجد الأقصى.
و ما ينبغي لأحد أن يحكم على أحد بعينه بأنه “مشرك” لكونه ذهب إلى مثل هذه المواسم..
يحرم على كل عالم أو طالب علم السكوت عن المنكرات التي تقع في هذه المواسم ، إذا لم يتمعر وجهك و ينقبض قلبك مما يقع في هذه المواسم من مخالفات شرعية فاعلم أن شأن التوحيد ضعيف في قلبك، و لنتعلم من الهدهد شيئا من الغيرة على التوحيد، و انظر كيف تكلم هذا الهدهد الضعيف مع نبي و أعظم ملك على وجه الأرض، قال تعالى :
” فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22)إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26)”.