“موسوسين.. مرضى.. خوارج”.. قاموس تجريح وزارة الأوقاف يفجّر موجة غضب

“موسوسين.. مرضى.. خوارج”.. قاموس تجريح وزارة الأوقاف يفجّر موجة غضب
هوية بريس – متابعات
أثارت تدوينة للدكتور رشيد بنكيران، الأستاذ الباحث في أصول الفقه ومقاصد الشريعة، ردود فعل واسعة بعد تعليقه على بيان وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الأخير، والذي تضمّن هجوما لفظيا غير مسبوق على من انتقد قرار عزل الوزارة لرئيس المجلس العلمي المحلي بفكيك.
وفي تدوينة نشرها على صفحته بفيسبوك، كتب د. بنكيران تحت وسم #الوزير_وقاموس_التجريح:
“حين يعجز الخطاب الرسمي المسؤول عن الشأن الديني عن الإقناع، يلجأ إلى قاموس التجريح”.
واستغرب بنكيران لجوء الوزير إلى وصف من خالفوه من العلماء العدول والثقات بعبارات قاسية مثل: “مرضى”، “خوارج”، “أنانيين”، “ذوي فهامة خاوية”، “مغرضين”، “متهافتين”، و”مسووسين”، معتبرا أن هذه اللغة لا تليق بمسؤول في مؤسسة علمية تُفترض فيها الحكمة والاتزان.
وأضاف الفقيه المغربي أن بيان الوزارة الأخير يُظهر نزوعا واضحًا نحو التخوين والإقصاء بدل الحوار، وتعبيرا عن منطق سلطوي لا يرى في الاختلاف العلمي والفكري إلا تهديدا ينبغي قمعه، لا مناقشته.
بيان الوزارة
وكانت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قد أصدرت بلاغًا شديد اللهجة، بشأن إعفاء رئيس المجلس العلمي المحلي لفكيك، ردّت فيه على ما وصفته بـ”المغالطات والتسرع” في تناول الموضوع من قبل بعض الجهات والأصوات الإعلامية، مؤكدة أن قرار الإعفاء تم بناء على مساطر واضحة وتوصيات مؤسسات علمية مختصة، ولا علاقة له بأي خلفية غير مهنية.
وجاء في البيان أن بعض من علّقوا على قرار الإعفاء “كانوا إما مغرضين أو متهافتين”، فالمغرضون –بحسب تعبير الوزارة– وجدوا في القرار فرصة لـ”نفث ما في صدورهم”، أما المتسرعون فقد تجاهلوا السياق القانوني والإداري الذي يُؤطّر مثل هذه القرارات.
وأوضحت الوزارة أن حالات الإعفاء في مثل هذه المناصب تنقسم إلى صنفين:
إعفاء من وظيفة نظامية، ويكون بناء على حكم قضائي أو قرار صادر عن مجلس تأديبي.
إعفاء من تكليف غير نظامي، وهو ما ينطبق على المجالس العلمية، ويعود فيه القرار إلى الجهة التي قامت بالتعيين.
وأكد البيان أن المعيار الأساس في استمرار الشخص في التكليف هو مدى التزامه بواجباته، وأن الإعفاء لا يتطلب بالضرورة تبريرا صريحا، بل يكفي أن يُستشفّ من الوقائع، موضحا أن المعني بالأمر –في هذه الحالة– قد صرح بنفسه بـ”كثرة غيابه”، ما اعتُبر من طرف المؤسسات المعنية إخلالا بمقتضيات المهام الموكلة إليه.
وذكرت الوزارة أن القرار جاء بناء على تقرير من المجلس العلمي الأعلى، الذي استند بدوره إلى تقرير صادر عن المجلس العلمي الجهوي، مؤكدة أن هذه المؤسسات الثلاث تُعرف بصرامتها وجديتها، وأن “من يتشكك في ذلك فهو موسوس مرتاب”.
ردود فعل
هذا وقد ربط مراقبون البيان مباشرة بما عرف إعلاميا بـ”إعفاء بنعلي”، في إشارة إلى قرار وزارة الأوقاف بإعفاء الأستاذ محمد بنعلي من رئاسة المجلس العلمي المحلي لفكيك، بعد نشره تدوينة انتقد فيها صمت المؤسسة العلمية الرسمية إزاء الإبادة الجماعية في غزة.
في تحليله للبيان، أشار د. رشيد بنكيران إلى أن ما صدر عن وزارة الأوقاف لا يُعد مجرد زلة لسان أو تعبير غاضب عابر، بل هو انعكاس لمنظور استبدادي يرى في كل رأي مستقل خصومة، وفي كل مخالفة تهديدًا للسلطة.
وأكد بنكيران أن العلماء والدعاة الذين جرى التلميح إليهم في البيان لم يرتكبوا جريمة، بل عبّروا عن رأي شرعي وإنساني ينسجم مع وجدان الأمة ومع قيم الإسلام، ولا يمكن أن يُقابل بهذا القدر من الازدراء اللفظي والتجريح الشخصي.
وختم تدوينته بالتنبيه إلى أن “اللغة التي استُعملت في البيان تُنذر بتوجه خطير في تدبير الشأن الديني بالمغرب، حيث يُراد للعلماء أن يكونوا فقط أبواقا للتوجيه الرسمي، لا أصحاب رأي وموقف ومبدأ”.
وقد لقيت التدوينة تفاعلا واسعا من قبل علماء ودعاة وناشطين في الشأن الديني والفكري، رأى كثير منهم في كلام بنكيران تشخيصا دقيقا لحالة الانغلاق التي تعيشها المؤسسة الدينية الرسمية، في وقت تعرف فيه الأمة الإسلامية جراحا كبرى، تحتاج إلى علماء صادقين أحرار، لا موظفين صامتين.
كما عبّر بعض المتابعين عن قلقهم من هذا “الانفصال الخطير بين المؤسسة الرسمية ومشاعر الناس”، في إشارة إلى التباين الواضح بين صمت الوزارة وموجات الغضب الشعبي والعلمي مما يتعرض له الشعب الفلسطيني.



