مولاي إدريس “مبعوث ملك المغرب لتنظيم المقاومة في الصحراء وتسليحها” 1906م
هوية بريس – ذ.إدريس كرم
ملخص الجزء:
كانت مهمة مولاي إدريس، مبعوث ملك المغرب للصحراء، توزيع السلاح والذخيرة التي حملها معه على شوخ القبائل، وتسليمهم ظهائر التعيين كقياد على قبائلهم باسم الملك، كما كان من مهامه تنظيم بيت المال لتمويل المقاومة، وإقامة تحالفات بين شيخ المنطقة، لمقاومة الانتشار الاستعماري في الصحراء، وإقناع الموالين لفرنسا بالتخلي عن تلك الموالاة، والانضمام للمقاومة، وقد أسهم الشيخ ماء العينين، المقيم بمدينة السمارة، في الترويج لتلك الدعوة، وقد أثمرت جهود الشريف مولاي إدريس، والشيخ ماء العينين، على توفر قوة هامة من المتطوعين للمقاومة، توجت بحصار مركز تيجيكجا، وخوض معارك على أطرافها، وفي جهات أخرى من الصحراء.
كلمات دالة:
الشيخ سيديا، تاكانت، إيداوكالي، محمد الأمين ولد زين، محمد المختار ولد حمود، كابولاني، بكار، الطريقة القادرية الكنتية، الداغش، أدرار، الرقيبات، الشيخ حسنة، الشيخ الطالب اخيار، الحوض، موريطانيا.
نص البحث:
بداية تجمع القبائل للجهاد مع ممثل ملك المغرب:
انظم مولاي ادريس في أدرار، لمعظم القادة المحاربين الذين وجدوا مئات من المتطوعين، المستعدين للسير لمقاومة الاجتياح الفرنسي للصحراء، حيث قاموا بعد بضعة أشهر، بحصار مركز تيجيكجا في نونبر (1906) مقدمين مثلا لما سيقع من مقاومة أصيلة في المستقبل.
تمَّ تجميع المتطوعين للمقاومة في أدرار، وتوزيعهم، إلى مجموعات، بداية من سنة 1906 حيث نجدهم يتجمعون تدريجيا، في ناحية، يصعب تصور وجود هذا الكم من السكان المقاتلين بها، يصولون ويجولون بكامل الأريحية.
المتطوعون للجهاد الموالون -من الترارزة- للأمير سيدي محمد فال، فرع لبراكنا، كانوا بقيادة الأمير احمادو، والجزء الآخر من الدواغش كان تحت قيادة ولدي الأمير بكار: عثمان، ومحمد محمود، أغلبية اولاد بولسّْبع، الذين يقودون القتال ضد الفرنسيين منذ 1904، وعناصر من الرقيبات الذين نزحوا للجنوب، بسبب قلة المرعى في الشمال الخ، انضافوا لتجمع محاربي أدرار، ولاسيما أولاد قايلان، بقيادة الأمير سيدي احمد.
كانت مهمة مولاي ادريس؛ توزيع السلاح الذي حمله معه، -بأمر من ملك المغرب طبعا- وتنظيم بيت مال الجهاد، وتوزيع ظهائر تعيين شيوخ القبائل قيادا على قبائلهم، أو تجديد ما بيدهم من ظهائر.
ما يزال وصول المولى إدريس لأدرار، غير دقيق نسبيا وهو مثَبَّت في يونيو 1906 لكن يبدو أن وصوله من الممكن، أن يكون قبل ذلك بأسابيع، مرفوقا بعدد قليل من الرجال، وكثير من الأسلحة والذخيرة، التي سيوزعها على المنشقين، ويحاول أيضا تنظيم -من الآن فصاعدا- ضرائب تنمي بيت المال، وتمول العمليات العسكرية. ويظهر أن عملياته، سرعان ما تباينت نتائجها لحد ما،
بالرغم من أن أمير أدرار سيدي احمد، كان تلميذا للشيخ ماء العينين، وتحت التأثير المباشر لابنه الشيخ حسنة، الذي أمضى بالقرب منه وقتا طويلا، لم يكن هذا الأمير، قلقا بشأن التأثير الذي يحدثه مولاي ادريس، على المعارضين بشكل عام، وعلى سكان أدرار بشكل خاص.
تدفُّقُ المحاربين المنشقين الخارجيين أحيانا مع تجمعاتهم، بسب الضغوط الشديدة على الموارد المحلية، مما كان يتسبب في حوادث متعددة، غالبا ما يكون محاربو أدرار مصدرها.
لقد عرفت الناحية ظروفا سيئة في التغذية، أو الصحة، مما أدى لتفاقم التوترات، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن توحيد المقاومة ضد الاحتلال، كان له تأثير قوي، على القبائل في عموم موريطانيا.
في نهاية 1906 وعلى الرغم من إحجام الأمير سيد أحمد، عن إبرام اتفاق مع مولاي إدريس، لتنسيق جهود جميع المقاومين، بالإقامة في أدرار، فإن توحيد المقاومة هذا، سيتجاوز أثره بسرعة حدود أدرار، ويتم أيضا محاصرة عدد من القبائل الخاضعة للفرنسيين، كلا أو جزء.
دور الشيخ ماء العينين في توحيد المقاومين:
إن نجاحات توحيد المقاومة هذه، كانت بسبب جزء هام من الحملة الدعائة التي ينشرها الشيخ ماء العينين اعتماداعلى الشرعية الدينية التي يعطيها لها والتي لا تقبل الجدال، لذلك بعث بسلسلة من الرسائل للزعماء الدينيين الصحراويين الكبار، أوَّلُهم الشيخ سيديا، الذي لم يفقد الأمل في إقناعه بالتخلي عن مساندة ادعاءات الفرنسيين الزاحفين لاحتلال المنطقة.
أما الرسالة الأخرى، فقد وجهها للشيخ سيديا نفسه، بواسطة الشيخ محمد العمياد، من أولاد عبيايري، الساكن بالسمارة، وصهر الشيخ ماء العينين في غضون 1906:
“الغرض من الرسالة، هو اطلاعك على ما قرره جميع المسلمين، بشأن موضوع المسيحيين: بمعنى أن كل المرابطين، وكل المقاتلين من الحوض، لغاية البحر، قد بعثوا بمندوبيهم للشيخ ماء العينين، وهذه أسماؤهم:
أهل سيدي امحمد، يمثلهم ابن بناي، أقلال يمثلهم قائدهم غاوب، الذي يمثل في نفس الوقت، القايد مشداف ولد امحيمد، الدايبوسات، ومسُّوما، وولد لخيب وقايد اولاد ناصر، تاجاكانت ولد أحمد زيدان، وولد مايبو، الدواغش مع أحمد محمود ولد بكار، وولد أسا، وآيت شيخا الخادي، من قبل سيدي المختار ولد سيدي، اولاد غيدا، اولاد دايد، الدواسالي وأخيرا اسماسيد.
كل هذه القبائل اتفقت على الجهاد ضد المسيحين، والممثلين الذين جاؤوا لرؤية الشيخ ماء العينين، قد ذهبوا مع ممثل جديد للملك، يسمى مولاي ادريس ومعهم بنادق جيدة وزعها عليهم، وعما قريب، سيتوجه الشيخ ماء العينين، أو أحد أبنائه، لزيارة الملك، كي يحصلوا منه على الأسلحة والتموين للقوات، وأيضا تجديد ما قاله له في السنة الماضية، من شكوى المسلمين من تسلط المسيحيين، أنت لا تجهل بأن الملك مصادق منذ سنوات ماضية للألمان، وقبل هذه الدولة، كان على علاقة بالإنجليز، الذين كانوا أصدقاء لوالده.
[هامش9: أرشيف وزارة فرنسا ما وراء البحار سلسلة موريطانيا 4 ملف 2].
نسجل بأن الرسالة كانت أقل استدعاء للمشاعر الدينية حتى تروق الشيخ سيديا، ليقرر تقديرا جديدا للقوى التي أثبتت نفسها: القبائل الصحراوية في طريقها للاتحاد ضد الفرنسيين، بدعم من ملك المغرب، الذي بإمكانه الاستفادة من دعم الألمان، واتصاله بالإنجليز إلا أن سياق إعلان الجهاد، أبطل ذلك التقارب بشكل واضح.
حجج بعض المؤيدين للاستعمار الفرنسي:
تم تطوير الحجة، للتأكيد للشيخ سيديا، بأن الأسباب التي دفعت للفوضى في البلاد، هو التوازن غير المناسب، للقوى التي نعمل على تطويرها، والذي ليس هناك ما يمنعك من الانضمام لها، في هذا الوقت الذي تتجمع فيه القوات الإسلامية ضد الكفار.
وعلى الرغم من محاولات أخرى مماثلة، احتفظ الشيخ بموقفه المؤيد للفرنسيين، فبقي هذا الموقف استثناء.
[هامش10: لم يكن موقف الشيخ سيديا نفسه، الحليف القديم للفرنسيين، المرتبط بهم بمصالح واضحة بما يكفي، في هذه المرحلة، وجهت له اتهامات بالاتصال مع أخيه الشيخ ماء العينين، من قبل المسؤولين الاستعماريين، ويبدو أنه بقي في وضع الحذر، الذي لا يستبعد الاتصال المنتظم، مع المقاومين].
في تاكانت، سيكون عمل الشيخ ماء العينين لا جدال فيه (ولد خليفة 1991) مستندا على نشاط أحد أتباعه الموثوق منه، هو في الأصل من إيداوكالي، في تيجيكجا، المسمى محمد الإمام ولد زين، الذي ذهب لتكانت في أوائل 1906 لحثّ القبائل على الانتفاض ضد الفرنسيين.
والاتحاد حول مولاي إدريس، الحامل لعدد من الظهائر الموجهة للرؤساء الأساسيين للزوايا، وحسَّان، كان عمله الفعال بشكل خاص، مع محمد المختار ولد حمود، “الصديق” القديم لكابولاني، الذي سمح له بالعودة مع عائلته لرشيد.
[هامش11: منذ ذلك الوقت، ظل متميزا بوجوده تحت عيون الفرنسيين، وقد حصل منهم على 50 بندقية عصرية، لتسليح أنصاره، للدفاع عن اقْصر رشيد، ضد مهاجميه] وهو ما وُعِد به، إضافة لإعطائه صفة “قائد تاكانت” من قبل كوبولاني.
محمد الإمام انتصر على مقاومة أخيه سيدي ولد زين، الذي كان مواليا للفرنسيين، عندما استقروا في تيجكجا، والذي لعب دور الوسيط لدى الداوكالي، وقد شُكَّ في تواطئه بعد موت كوبولاني.
[هامش12: وبجدية “تعرض للضرب” أثناء الاستجوابات التي لحقته، بتحريض من أخيه].
ورأى أن نفوذه لدى السلطة الاستعمارية، انتقل لعندي ولد امبارك، الوكيل السابق لأملاك الأمير بكَّار، حول هذين الزعيمين، تم تشكيل فصيلين داخل اقصر تيجيكجا، أكثريتهم مناهض للفرنسيين، وأقليتهم متفقة مع السلطة الاستعمارية.
التحضير لمحاصرة تيجيكجا:
منذ مارس 1906 تضاعفت الاضطرابات في تيجيكجا نفسها، حيث وجدت الحامية الفرنسية نفسها معزولة، بشكل متزايد عن السكان، وتفاقم العزل بعد وصول مولاي إدريس إلى أدرار، وانضمام محمد الإمام ولد زين إليه على الفور، كدليل على عدم وجود مخالفين له بين هؤلاء السكان، والذي يمكنه إحضارهم في غضون بضع شهور للمقاومة في لقصر.
أدت الاضطرابات المتوالية في أبريل، لتوقيف وسجن أخيه سيدي ولد زين، في ماي 1906، فرحل معظم أعيان المدينة، مبتعدين عنها، مما زاد من عزلة الفرنسيين، (عبد الله ولد خليفة 1991).
مورست ضغوط خاصة على شيخ كونا، الرشيد محمد المختار ولد حمُّود، الذي توصل في بداية أكتوبر 1905 برسالتين من الشيخ ماء العينين، موقعة من ملك المغرب، تخبر إحداها، بوصول مبعوث منه، فقام مسرعا وحشد جمعا للمقاومة، مع حفاظه أيضا، على علاقات ودية على ما يبدو، مع السلطات الفرنسية في تيجيكجا، وتدخل صحبة الشيخ سيديا، من أجل جذبه لمعسكر المقاومة.
[هامش13: لم تصل هذه الرسالة للسلطات الفرنسية حتى بداية 1907، حيث أثبتت أن الشيخ سيديا نفسه قد حافظ على درجة من الحذر، ولم يكن في عجلة من أمره لإبلاغ السلطات الاستعمارية، بانشقاق بعض قادة الصحراء.
نذكر بأن الطريقة الصوفية، للشيخ سيديا، ترتبط بشكل قوي، بأصل الطريقة القادرية الكنتية، عند محمد المختار، الذي يظهر كقائد روحي وسياسي].
هذه الرسالة مؤرخة بعد وصول مولاي إدريس لأدرار، وعليه؛ فمحمد المختار، دخل في صراع مفتوح شيئا فشيئا، مع الإدارة الفرنسية، التي لم تشك مع ذلك في انعكاس تطرفه.
بعدما أعلن للشيخ سيديا إجماع المنشقين حول مولاي إدريس، وعزمه على السير بهم لتاكانت، بين محمد المختار أن مولاي إدريس “ينوي القيام بتحصين كل من اقصر البركة، إما في الحنك وإما في موجيريا، لكن الشريف لم يحدد اختياره بعد، هذا التحصين يهدف لتدمير ما قام به الفرنسيون من بناء، أو ما ينوون القيام به”.
محمد المختار أحصى لاحقا كل القبائل المعبأة للجهاد وأضاف: كل هؤلاء المعبئين، وضعوا أنفسهم تحت تصرفه بالكامل، ويسيرون تحت رايته، وإن رضي تحت أحذيته.
الآن اهتم جيدا بعملك، واستعد للاتصال بالله وحده فسينجيك ويحفظك، وتصرف بحكمة، مع إظهار الكثير من الألفة والمودة، لإخفاء مخططك، ودوافعك الخفية.
في كل شؤوني، وأعلم أني لا أعتمد على أي دعم آخر غير دعمك، وكل شيء آخر غيرك، يزن لي فقط جناح بعوضة، ولا يمكن أن يكون له نفس استخدام جناحك،
الشيء الوحيد الذي قررت أن أقدمه للفرنسيين، هو الأمل في استطاعتك يوما ما، أن نتمكن من فحص الوضع معا، وترتيب شؤوننا.
أنت أخي وعلينا أن نسير سويا، فالله يساعد الإخوة دائما عندما يريدون مساعدة بعضهم البعض… أحذرك من أنني أقسمت اليمين، للعظيم للشريف اللامع، نرجو من خلال جهودنا وتعاونكم، أن ينصر الله الإسلام، كن حازما وتصرف بحكمة، من أجل خلاصك.
يجب أن تسرعوا وتتخذوا قراراتكم بسرعة، لأن علم الكفرة قد رفع فوق علم المسلمين، حتى تظهر القرعة لصالح الأشرار، وأن الدِّين الذي أسسه خير المخلوقات لا يرحب به أحد، على أي حال، لا تنشر أي شيء، وكن حذرا، حتى يتاح لك اغتنام الفرصة نفسها”.
[هامش14: الأرشيف الوطني السنغالي؛ ملف 12 -G2].
سيطبق محمد المختار المبادئ التي نصح بها الشيخ سيدياً، لانقلابه على الفرنسيين مع أول فرصة تسنح له،
تمَّ توقيع اتفاق بين منشقي أدرار، أواخر غشت 1906.
وبينما كانوا يستعدون للسير إلى تاكانت، تضاعف تجمع القبائل حول الشريف، كما رأينا في الرسالة الأولى المقتبسة، ونعني أكثرية قبائل تاكانت، من الركيبات وأيضا الحوض: الدواغش، أهل سيدي محمود، أقلال ادِّيب سات، مشدوف، تنواجيو، اولاد الناصر، تاجاكنات مسُّوما الخ بعض الرجال من هذه القبائل التحقوا بالمنشقين، والعدد الأكبر بقوا متجمعين، غير بعيد من تيجيكجا، في انتظار نتيجة المعركة.
بداية معارك الجهاد بقيادة مولاي ادريس:
بعد أن جمع مولاي ادريس القوات في شنكيط، وشكل حرسا شخصيا من 200 بندقية، وضعهم على أهبة التوجه نحو تكانت، يتبعه أكثرية المنشقين، باستثناء مقاتلي أدرار، والأمير سيدي أحمد، الذي لم ينظم للقوة الكبيرة، إلا متأخرا، في نهاية شتنبر، أقامت قوات مولاي إدريس في مدخل خطَّ، المنخفض الذي يفصل أدرار عن تاكانت، في 11 أكتوبر، فاستقر الشريف بالقرب من عشريم، حيث تقبل الولاء المباشر من محمد المختار ولد حمود، وعددا من القبايل ثم بعث برسالة للسلطات الفرنسية، بتيجيكجا طالبا منها إخلاء هذه المدينة، وعموم البلاد.
ونتيجة لذلك، وجدت حامية تيجيكجا الفرنسية نفسها معزولة تماما في بلد معاد، ولا معرفة لها بتطورات الوضعية، علمت السلطات الاستعمارية المحلية أن قوات مولاي إدريس، تتجه نحو تيجيكجا، وأنه يتم تجميعها بالقرب من نييملان، على بعد عشرات الكيلومترات من القصر، فأرسلت مفرزة من الرماة بقيادة يوطنايين هما أندريو، وفرانسو، لمفاجأة ومهاجمة حشد الشريف، غير أن الأدلاء قاموا بتضليلهم، ولم يشعروا إلا وهم محاطون من عدة مئات من المحاربين الذين هاجموهم، وكبدوهم خسائر فادحة، وذلك في 24 أكتوبر 1906.
كان من بين القتلى قائدي المفرزة، مع ضابطين آخرين أوربيين و15 جنديا، زيادة على 25 جريحا، ومن نجى من المعركة، وصل بصعوبة لتيجيكجا، في غضون المعركة قام مساعدو كنتا، التابعين لمحمد المختار، بتحويل أسلحتهم ضد المفرزة الفرنسية، مما ساهم في تدميرها؛
أما الخسائر من جانب المقاومين فكانت فادحة للغاية، بلغت ما يقرب من 100 قتيل.
[هامش15: أدى ذلك لانسحاب اولاد بولسبع، بينما أغلال ومشدوف، لم يبعثوا برجال للمعركة].
لقد كان لهذه القضية، تأثير كبير في جميع أنحاء البلاد، ودفعت القبائل الأساسية المنتظرة، للإسراع بالانضمام للشريف، الذي قرر التوجه لحصار تيجيكجا،
في 6 نونبر، وبقي على ذلك الحال، لآخر الشهر، وبعدها سادت حالة الذعر لدى الجانب الفرنسي.
[هامش16: كما يتضح من هذه البرقية المرسلة من تيجيكجا في 26 أكتوبر على شكل إرسالية من داكار في 3نونبر: [“أرسلت مفرزة ضد إدريس، الذي تراجع، قتل ليوطنيان أندريو، وفرانسو والشرجنان: فلوريـي وفليب وتركث جثثهم بين يدي الأعداء، قتل الكثير من قوات المفرزة أو جرحوا، أعداد إدريس تتكاثر يوما بعد يوم، أنا في المركز، أطلب إيفاد ما لا يقل عن 500 رجل بشكل عاجل، لأن لدينا 300 بندقية سريعة الطلقات، أحصيت فقط 65 بندقية للدفاع عن المركز ناقصة “أرشيف وزارة فرنسا وراء البحر, سلسلة موريطانيا 4/ملف 2”].
بسبب ارتفاع عدد عناصر المهاجمين الذي بلغوا حوالي 2000 مقاتل، مجتمعين حول مولاي إدريس، لديهم حوالي 400 بندقية سريعة الطلقات، ومع ذلك مايزال موقع تيجيكجا يدار بشكل جيد، لاسيما أن قوات مولاي إدريس، تواجه صعوبة كبيرة، في تنسيق جهوده بعيدا عن الفروق القبلية.
في 6 نونبر تمت محاولة الهجوم الأول على تيجيكجا، فصدته حامية المركز، وفي 11 نونبر تم الهجوم الثاني، فخلف خسائر فادحة للمهاجمين (68 قتيلا و76 جريحا) لذلك لم يبق أمام المحاصرين للمركز سوى القيام بسلسلة من المناوشات، جعلت القوات التي جمعها مولاي إدريس، تتفكك تدريجيا.
وتجدر الإشارة على وجه الخصوص إلى أن الأمير سيدي أحمد من إدرار، الذي انضم للجزء الأكبر من قوات الشريف بحوالي 300 مقاتل، تخلى عن حصار تيجيكجا في 23 نونبر، معتبرا أن استراتيجية الهجوم الأمامي على النقطة الفرنسية كان خطأ.
في 26 نونبر انسحب محمد المختار ولد حميد، بدوره باتجاه رشيد، حيث سرعان ما انضم إليه مولاي إدريس وجزء من الداويش، ومحاربو أدرار، أي حوالي 1000 محارب، وبمجرد ما تحرك كلون النجدة لفك الحصار على المركز، في فاتح دجنبر 1906 تشتت باقي القوات المحاصرة.
بداية تفكك قوات المقاومة:
لذلك فإن الإرادة لتوحيد قوى المقاومة، لم تدم طويلا، بسبب الخلافات القبلية والسياسية، التي أضيفت إليها صراعات حول الاستراتيجية، الواجب اتباعها.
مولاي ادريس ربما لترك الباب مفتوحا للمفاوضات وإثبات سلطته، وسلطة الملك، على هذه المناطق الصحراوية، يبدو أنه أراد قبل كل شيء القيام باستعراض للقوة من خلال الاستيلاء على مركز فرنسي رمزي للغاية لأنه يحمل اسم فورت كوبولاني، وظل بعض قادة القبائل في احتياطهم، ولاسيما قبائل الرجيبة، والحوض الذين لم يشعروا بعد، بأنهم مستهدفون مباشرة، من قبل الاحتلال الإاستعماري.
بعد الخسائر الفادحة الأولى، فضل أولئك القادة انتظار نتيجة القتال، كما كان -ما يزال آخرون ربما أكثر وعيا بصعوبات القتال- لا يريدون مهاجمة الفرنسيين مباشرة؛
لكن المؤسف هو أنهم قاموا بقطعهم طرق التموين على الحاميات، ذلك هو وضع الأمير سيدي احمد، الدواغش من جانبهم كانوا يودون مهاجمة كلون النجدة ميشارد، من أجل إسقاط حامية مركز فورت كوبولاني، إنه حادث سير بارز، سيسرع تفكك القوات التي هاجمت تاكانت.
أحد أعيان الديبسات محمد عبد الله ولد زيدان ولد القالي، انضم لمولاي إدريس مع 400 جمل، تمثل مساهمة القبيلة في مجهود الجهاد، أعطي 60 منها لمولاي ادريس و30 فقط لأهل ماء العينين، وفي هذا السياق الشيخ حسنة والشيخ الطالب اخيار، اللذان رافقا الشريف، اعتبرا أقل حظا، وحاولا الانسحاب نحو أدرار حيث تجمع الأمير سيدي احمد، كانت هذه إشارة لتفكك عام، وتراجع مهول نحو الشمال، وجزئيا نحو الشرق (مامادو با 1932).
أنظر:
L,appel au Jihad et le role du Maroc dans le resistance a la conquete du Shara(1905-1906)pp 206-110
Pierre bonte.