مولاي امحمد الخليفة: القضية الفلسطينية بالنسبة للمغاربة هي قضية ملك وشعب وقضية أي حكومة متعاقبة مهما كان لونها
هوية بريس- حاوره: عبد الصمد إيشن
1ـ لقد كنتم من القياديين البارزين في تاريخ حزب الإستقلال، ما تقييمكم لأداء الأحزاب السياسية الوطنية في تفاعلها مع قضايا مناهضة التطبيع ودعم القضية الفلسطينية؟
الملاحظ هو أن الأحزاب الوطنية لم تكن ردود أفعالها كما كانت في الماضي. فعندما كانت القضية الفللسطينية تمس بسوء، أو يحاول أيا كان، إخضاعها لتجارب قاسية أو احتواء توجهاتها أو التحكم في قراراتها كانت الأحزاب الوطنية تتصدى لكل بالبيانات وتصريحات القادة في المظاهرات المليونية.
ولكن أعتقد أن كل الأحزاب الوطنية المغربية تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها المقدسة وأسبقية الأسبقيات، وقضية القدس الشريف بصفة خاصة لأنها قضية مقدسة عند جميع الأحزاب السياسية المغربية، لأن هذه القضية يعتبرها الشعب المغربي قاطبة قضيته الأولى وقضيتها الكبرى التي أعطى من أجلها دائما، ليس الآن ولكن عبر تاريخه المجيد.
فالقضية الفلسطينية امتزجت امتزاجا عميقا بتاريخ المغرب منذ العصر الموحدي عند قيام الحروب الصليبية إلى الآن. ولم يثبت تاريخيا أبدا أن المغاربة تخلفوا في معركة من المعارك التي خاضتها الأمة العربية، أو خاضتها أي دولة عربية من أجل القضية الفلسطينية العادلة. فالمغرب حتى في العصر الحديث شارك في تحرير مصر وشارك أيضا في الدفاع عن سوريا، وشهداء المغرب في الجولان لهم قدسية خاصة في وجدان الشعب السوري، إذا لاتزال قبورهم هناك ممجدة.
أحزابنا سجل لها تاريخها وغضباتها العارمة كلما استهدفت القضية الفلسطينية، وهذا ما لم نلاحظه هذه المرة، وهذا لا يرجع فقط إلى الجو العام الذي تعيشه الأحزاب السياسية ولكن كذلك ما يعيشه العالم العربي، من التشرذم أفقدنا البوصلة الحقيقية لمن هو العدو ومن هو الصديق، وأين ينبغي أن تكون مواقعنا مواقفنا، إن لهذا لهو تأثير كبير بدون شك.
وبجملة واحدة، القضية الفلسطينية بالنسبة للمغاربة هي قضية ملك وشعب وقضية أي حكومة متعاقبة مهما كان لونها، لا يمكننا أبدا إلا الاستمرار في دعم قضية القدس وتحرير الشعب الفلسطيني، وأتمنى أن يعود الوعي بما يخطط ليس فقط لتصفية القضية الفلسطينية، ولكن لتصفية كل ما هو تضامن عربي.
2ـ ما تعليقكم على مسارعة بعض الدول العربية إلى التطبيع مع إسرائيل؟ وما مستقبل هذه الدول في نظركم بعد التطبيع؟
هذا التطبيع العلني بكل الصخب المواكب له بكل أسف شيء يحز في النفس، واعتبر أنه بالنسبة للقضية الفلسطينية العادلة لن يكون له أي أثر. فهي ليست فقط هرولة نحو العدو الإسرائيلي للتطبيع معه، لكنها رهاناتها خاسرة من الأساس، فهي لن تنفع أبدا السيد ترامب في النجاح في الإنتخابات الأمريكية، لأنه إذا كان اعتماده فقط أنه يقضي على أمل شعب في الحياة الحرة الكريمة، من أجل أن يعاد إنتخابه، لا أعتقد بأن هذا الطريق على جماجم وامال وطموحات شعب بكامله سيكون طريقا موصلا، وآمل في الشعب الأمريكي أن يعرف الخسارات التي قاده إليها السيد ترامب، بالنسبة للشعور العربي من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق. وكذلك لن تنفع نتنياهو من أجل الإفلات من العقاب على جرائم ارتكبها وفقتحت لها الآن أربع ملفات، هذا لن يجدي شيئا. وبكل أسف هذه الهرولة هي تنبأ أن الذين قاموا بها لا يستحضرون ولا يعرفون حتى أبسط الأشياء من التاريخ، الشعب الفلسطيني، في النهاية سينتصر هذا الشعب وستكون له دولته وعاصمتها القدس الشريف. هذا ما علمنا التاريخ، وهذه الهرولة بهذه السرعة، لم يكن يحلم بها أقسى الطغاة الذي خططوا لإقامة إسرائيل. إسرائيل لم تقم بين عشية وضحاها، إسرائيل خلقت في الوجدان وخطط لقيامها، ونسجت مؤامراتها منذ قيام البروتستانتية، ومنذ قال مارتن لوثر كينغ: إن المسيح لن ينزل على هذه الأرض، إلا إذا كان لليهود وطن. وهذه أكذوبة تاريخية وتلفيق معتقدي خطير من أجل أن يكون لليهود المقطعين حتى يعود المسيح عليها السلام. هذه الأكذوبة الكبرى منذ القرن السادس عشر، وبقيت تتحتضن وتربى في النفوس وبالمؤامرات جيلا بعد جيل حتى كان وعد الذي لا يملك للذي لا يستحق، وكان وعد بلفود، وبالتالي انتظروا أربعة قرون من أجل يكون وعد بلفور ومن أجل أن يقوم ويزمان بما قام به، ومن أجل أن يشتتوا الدولة العثمانية ويفرقوا بين العرب، ومحاولات بئيسة لخلق كيانات في منطقة الجزيرة العربية والخليج. هذا الشيء لم يتم بين عشية وضحاها، وحتى الذين كانوا يخططون للصهيونية لم يخطر ببالهم يمكن أن يعيشوا في هذه الأرض بكل أمان وبكل ما يملكون من قوة. وبن غوريون يقول: إننا لن نستطيع أن نبقى هنا لأننا نملك القنبلة النووية، نستطيع أن نمتلك هذه الأرض لتقام فيها الدولة عندما سنقسم العراق، عندما نقضي على الشام، عندما لا يبقى الشام موحدا، عندما نشتت كل قطر عربي، وعندما نستطيع أن ندخل إلى أي جيب عربي، إذاك يمكن أن نقول ستكون لنا دولة.
لم يحرر شعب عربي واحد بقوته وحده أوبمناضليه وحده أو بجهاده وحده أو بأحزابه وحده، كل الوطن العربي تحرر بفضل التضامن العربي والإسلامي. المغرب خير مثل، المغرب وما أدراك ما المغرب هذه الإمبراطورية العظيمة، لم يحرر بعدما أصيب بمصيبة الإستعمار الفرنسي والإسباني، إلا لأنه كان مدعوما. فلقد ذهب علال الفاسي رحمه الله للأمم المتحدة بجواز سفر يمني. وذهب الحاج احمد بلافريج للأمم المتحدة بجواز سفر باكستاني، وكان ظفر الله خان، وزير خارجية باكستان يدافع عن القضية المغربية كأنها قضيته. وكان محمد صلاح وزير خارجية مصر في بداية الخمسينات يدافع عن المغرب كأنه يدافع عن قضية مصرية، ناهيك عن عظماء الشام وشكيب أرسلان، لم يكن المغرب وحده. وكنا نشعر في جيلنا بأننا غير مستقلون إذا لم تستقل الجزائر، المغرب كان سندا ودافعا لإستقلال الجزائر، فاستشهد المغاربة في كل المعارك التي خاضتها فرنسا وضرب المغرب بالقنابل في المنطقة الشرقية، من أجل أن تتحرر الجزائر، وكنا نقول مع إخواننا التونسيين، إن القلب هو الجزائر إذا تحرر الجناحان ولم يتحرر القلب لن يكون هناك أبدا تحرر، بهذه الروح تحرر المغرب وتحرر الجزائر، وتحررت كل الأقطار العربية والمسلمة. نحن عشنا في المغرب كانت إرتيريا تناضل في سبيل إستقلالها، كان في المغرب ممثل شعبي لهذه الثورة اسمه عثمان سابي، كان يقضي معظم وقته في مركز حزب الإستقلال، وكانت العلم لسان هذه الثورة. لم يكن أبدا شعب عربي أو اي شعب آخر يريد التحرر يناضل وحده.
وأريد أن أؤكد إذا كان الأمر يحتاج إلى تأكيد أن القدس ليست قضية جيلنا فقط، القدس هي قضية مقدسة، إما أن نحررها وإما أن نتركها للأجيال القادمة أن تحررها، وليس من مسؤوليتنا الآن ونحن منهزمين ومشتتين أن ننهي موضوعا مثل موضوع القدس، إما أن نكافح وأن نجاهد بكل الأساليب لإسترداد القدس أو نترك هذا للأجيال القادمة، لقد قلت لك قبل قليل إن قيام دولة إسرائيل استدعى أربعة قرون من الزمان حتى تحققق قيامها، من أجل أن تصل، فلماذا نحن مستعجلين في ظرف سبعين سنة نريد أن نتخلى عن مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم وعن المسجد الأقصى وعن دعم شعب يستحق الحرية والعيش في أرضه بسلام.
3ـ للملكة المغربية موقف مشرف في مناهضة التطبيع لكن تتعرض لضغوط من أجل التطبيع فما هو توجيهكم للمغرب دولة وشعبا بهذا الخصوص؟
هناك توجه واحد وعقيدة واحدة ومبدأ واحد، ملك وحكومة وشعبا، قضية القدس، إذا أردنا أن نفهم أن السياسة تفهم من الإشارات الدالة، علينا أن أن نعرف أن الوعي الذي خلقه الملك المغفور له الحسن الثاني بقضية القدس، عندما تم إحراقه من طرف بعض المتطرفين الصهاينة في سنة 1969، ودعا قادة المسلمين كلهم إلى الرباط، فكان أول مؤتمر قمة إسلامي من أجل القدس الشريف. فلهذا اختار العالم الإسلامي كله، ملك المغرب ليكون رئيسا للجنة القدس. وبالتالي فلجنة القدس إحدى العلامات الفارقة في تاريخ القدس الشريف، بعد هزيمة 67، أي هي التي أعادت بوابة الأمان المشرعة بأنه ممكن تحرير القدس. فهذا هو تاريخ المغرب. والمغرب بقي هكذا ثابتا في مبدأه في أن قضية القدس قضية مقدسة، وبالتالي لا يمكن أبدا فصلنا ولا فصل تاريخنا عن هذا المسار. أيضا بالنسبة للملك محمد السادس، مشهور ومعروف أنه رفض أن يستقبل رؤساء صهاينة، ما داموا لم يفهموا بأن المغرب يقف مواقف مبدئية، إزاء تحرير شعب يحق له أن يعيش فوق أرضه التي عاش فيها عشرات الآلاف السنين وهو حر مستقل. وبالتالي هذه إرادة ملكية صنعت أحداث عبر التاريخ الإسلامي.
كذلك لا يمك أبدا أن ننسى بأن القضية الفلسطينية ليس فقط قضية الأحزاب السياسية، بل هي في وجدان الشعب المغربي، نحن نتحدث عن شعب يؤمن بأن مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ليس محلا للمزايدة. شعب يؤمن بأن الشعب الفلسطيني كما تحررت كل الشعوب العربية، بدعم قوي من الشعوب العربية والإسلامية كذلك يجب أن يتحرر. وبالتالي فإنه حتى مجرد التفكير بأن المغرب يمكن له يوم ما أن يتنازل عن تاريخه في القدس يعتبر ضربا من ضروب الخيال الجامح، لأنه ليس من باب المصادفات أن نقول بأن القدس كان فيها باب للمغاربة، وأن باب المغاربة في القدس كان من أجمل الأبواب. إذن ملكا وشعبا وشهداء في القدس والجولان وسيناء وعبر التاريخ، نحن المغاربة لسنا شعبا ولد على هذه الأرض بالأمس، ونريد أن نطبع مع دولة لها عراقة في التاريخ، نحن شعب ودولة وكيان ومغرب حقيقي، يعرف بأن القضية الفلسطينية ليست للمزايدات، وبالتالي هذا هو الموقف الذي سينجح في الأخير، ودعك مما يبشر به في أجهزة الإعلام الصهيونية وإعلام المطبِّعين. بكل أسف الدول المطبعة غير محتاجة لا لأموال إسرائيل ولا لتكنولوجيا إسرائيل ولا لسياح إسرائيل، بكل أسف الله أغناها عن كل هذا لو كانوا يعقلون. وكذلك إسرائيل لن تستفيد أبدا مادام الشعب العربي الفلسطيني يناضل من أجل حريته ومن أجل إستقلاله ومازال الشعب العربي بكامله وحكامه الأوفياء العادلون القيمون عليه، يرفضون أي تطبيع، هذا هو الأساس والحقيقة التي يجب أن نقبض عليها، وغير هذا فإنه سحابة صيف تنقشع قريبا، فليس هناك شعب تحرر أبدا بدون أن يقع في المطبات الكثيرة والمنعرجات الخطيرة في المؤامرات العديدة، إن التحرر دائما صعب ولكن الإرادات القوية التي تقود نضالات الشعوب هي في النهاية التي تنتصر، هذا ما علمنا التاريخ.
ومن أجل هذا إذا كان لي أن أقول رأيا في النهاية، إن الأمل الوحيد الذي يعيش عليه كل مخلص للقضية الفلسطينية هو أن إخواننا في فلسطين، قيادة فتح وقيادة حماس، عليهم أن يرجعوا إلى جادة الصواب، إلى الطريق المستقيم، علهم أن يعطوا المثل ويحكموا الديمقراطية فيما هو تحت أرضهم، عليهم أن يعرفوا أن مئات الأبطال الآن في السجون القاسية للإحتلال، البرغوثي وغيره كثير، هناك من يضرب الآن عن الطعام وأوشك على الاستشهاد والعالم يرمقه، ولا يحرك ساكنا. هذا بسبب فقط أنانيات سياسية وحزبية وفصائلية، هذا لا يجدر بالمقاومة، قيادة حماس وفتح، قادرة على أن تتجاوز هذه المحنة، أنا أعتقد أنه إذا استطعنا أن نتجاوز مرحلة تشرذم القيادة الفلسطينية في غزة ورام الله، فإن العالم وحتى المطبعين سيرجعون إلى طريق الرشد. لأن القضية الفلسطينية بيد أبنائها، عليهم أن يستحضروا آلاف الشهداء، وآلاف إخوانهم المعتقلين، وأراضيهم التي يقضم منها الاحتلال كل يوم لبناء المستوطنات، إن إرادتهم على المستوى الهيكلي وعودة اللحمة للصف الفلسطيني، بصناديق الاقتراع، بإرادة الشعب الفلسطيني الواعي، ستنتهي آنذاك كل الخرافات وخيانات الدول المطبعة. ولكن تشبت كل ذي رأي في رأيه وعدم قيام الإخوة الفلسطينيين بتوحيد الصف توحيدا حقيقيا وديمقراطيا من أجل التصدي لهذه الهجمة الإسرائيلية، هي التي أوصلتنا إلى هذا الحزن الذي يسربل كل تفكير وعقل أي إنسان عربي ومسلم.
*مولاي امحمد الخليفة: وزير سابق وقيادي بحزب الإستقلال