“مول الحوت” يكسر الطابو ويري الحكومة وجهها في المرآة

هوية بريس – نبيل غزال

خلال أيام قليلة فقط، استطاع عبد الإله “مول الحوت” أن ينال ثقة شريحة واسعة من المواطنين، وذلك عقب خروجه للعلن وحديثه عن أثمنة السردين والسمك بالمغرب، وفضحه لبعض الأسباب الكامنة وراء ظاهرة الغلاء.

هذه الظاهرة التي أتت على الأخضر واليابس، وأدخلت جل المواطنين في دوامة لم يستطيعوا الخروج منها أبدا، فلا شيء سلم اليوم من موجة الغلاء، سواء تعلق الأمر بما يتم استيراده من الخارج، أو المنتوجات المحلية مثل الخضروات والفواكه والحبوب والقطاني وطبعا الأسماك؛ وما أدراك ما الأسماك.

إنها الأسماك التي وصلت مستويات قياسية من الغلاء لم يشهدها المغرب على مدى تاريخه الطويل والعريض، لكن الشاب المراكشي عبد الإله استطاع أن يكسر الطابو ويبوح بالمستور ويُحرج التجار والوسطاء والحكومة والمعارضة والإعلام الرسمي و”شبه الرسمي”.

وبغض النظر عن التهم التي رمي بها “مول الحوت”، والأثمنة التي يبيع بها ومن يموله وشروط وظروف تخزين وعرض بضاعته بمحله بالحي الحسني بمراكش، فإن هذا الشاب المغربي استطاع أن يلزم الجميع بفتح نقاش عمومي حول موجة الغلاء ومسؤولية الحكومة والإدارات المختصة فيما يعانيه المغاربة في صمت أحيانا؛ وبألم وصراخ أحيانا أخرى.

عبد الإله والملقب بـ”الجابوني” وضع حكومة “تستاهلو حسن” دون مساحيق أمام المرآة، وأظهر لها فشلها الذريع في تحقيق السلم الاجتماعي، وعجزها عن ضبط السوق والحدّ من موجة الغلاء والتضخم والبطالة.. أكثر من هذا فالحكومة وهي ترى أمام ناظرَيها ما يجري من غليان في الشارع وعلى شبكات التواصل الاجتماعي لم تستطع حتى أن توفد لجنة لتقصي الحقائق لتطمئن الرأي العام حيال فضائح المضاربات و”الشناقة” و”صحاب الشكارة”.. ذلك أن الصمت والتجاهل والتعالي على معاناة المواطنين سياسة حكومية لا يمكن الإخلال بها أبدا، فشعار حكومتنا الموقرة ومنذ توليها “نحن نتتبع الوضع”، تماما كما أعلن لسانها الناطق باسمها تعليقا على مول الحوت، لكن عملها على أرض الميدان “الله يجيب”.

عبد الإله أحرج أيضا وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، أحمد البواري، الذي برّر من داخل قبة البرلمان ارتفاع أسعار السمك بـ”تأثره بالجفاف”! علما أن معظم الثروة السمكية للمغرب ومنذ زمان توجد بالمناطق الصحراوية التي يشحّ فيها المطر، كما أن تأثير التساقطات على البيئة البحرية محدود جدا، لكن الوزير المعين حديثا اختار في جوابه سياسة الهروب للأمام والتبرير بحجج لا يمكن ولا يعقل أن تصدر عن وزير بالحكومة المغربية..

كما أحرج عبد الإله كثيرا من أحزاب المعارضة التي فرطت في دورها، ولم تتفاعل ولم تتحرك لا في موضوع الأسماك فحسب بل في كثير من المواضيع الحساسة والمرتبطة بالمعيش اليومي للمواطن المغربي، حيث ظلت تلتزم الحياد السلبي وفي أحيان أخرى تطبل وترفع القبعة لسياسات أخنوش، وعينها دائما على التعديل الحكومي وإمكانية المشاركة في الحكومة..

ابن 21 سنة فضح بقوة أبواقا إعلامية مأجورة، خوّنت واتهمت هذا الشاب منذ أول وهلة، لا لشيء سوى لأنه قام بدور المفروض أن تقوم هي به، وفضح اختلالات الحكومة ولهيب الأسعار.. لكن ما لا ينصفه الإعلامُ اليوم؛ تنصفه شبكات التواصل الاجتماعي والجمهور..

عبد الإله كشف لنا أيضا زيف صنَّاع التفاهة والمؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي، وأعطاهم درسا بليغا في أن سبل التأثير والوصول لعموم الناس يمكن أن تقع بغير التفاهة وثقافة تحت الحزام، وذلك بالحديث عما ينفع الناس ويرفع المعاناة والضرر عنهم..

إن استقبال والي مدينة مراكش لعبد الإله وإخباره شخصيا بإعادة فتح متجره بالتزامن مع إعفاء قائد ملحقة الحي الحسني من مهامه عقب إصداره قرار إغلاق محل “مول الحوت”؛ يؤكد أن السلطة واعية تمام الوعي بحساسية المرحلة؛ وحريصة على تجنب أي إثارة أو استفزاز من شأنهما أن يتسببا في احتقان أو يثيرا فتنة.

ويبقى المهم في كل هذه الأحداث أن هذا الشاب المراكشي قد حرك الحس الإحساني والتضامني في هذه الفترة العصيبة لدى عدد من التجار والباعة والمواطنين، فهذا بات ينافس عبد الإله في ثمن السردين، وباعة من أكادير يعلنون عن تخفيض كافة أثمنة الأسماك الطرية، وآخر يقدم شاحنة من الأسماك للمواطنين بالمجان، كما أن قطاع الدواجن والبيض قد دخل أيضا في حملة منافسة خفض الأسعار، وبعض محلات الجزارة وتجار اللحوم الحمراء أيضا، وهذا ما سيعود بالتأكيد على المواطن بالنفع…

واليوم المغاربة قد دعموا عبد الإله وتفاعلوا معه افتراضيا وواقعا، واستقبلوه بعد لقائه والي مدينة مراكش وعودته إلى محله استقبال الأبطال، لكن كل هذا سيمر ويمضي وسينساه الناس كما نسوا أحداثا كثيرة قبله، لكن الخطر كل الخطر أن يلتف المضاربون وتجار الفساد على المطالب الاجتماعية ويعودوا لحيلهم القديمة، فيلتهب بذلك السوق، وتعاود الأسعار لهيبها فتحرق جيوب المواطنين المقهورين.