نادلات المقاهي.. والدفاع عن حقوق المرأة!!!
هوية بريس – نبيل غزال
لا تخطئ عين المتابع أن تشغيل النساء بالمقاهي بات ظاهرة بعدد من مدن المملكة، حيث يحرص عدد من أرباب المقاهي على تشغيل فتيات بمواصفات خاصة.
“كلما كانت لديك كارصونة قرطاسة كلما امتلأت المقهى بالزبائن“، بهذه العبارة لخص نادل سبب اختيار الفتيات للعمل كنادلات بالمقاهي، حيث إن المرأة، وفق تعبير عدد من المستجوبين والمستجوبات، تجلب زبائن أكثر ولها قدرة على التواصل أكبر، وبإمكانها أن تحصل عائدات مالية مهمة، من أجل كل هذا يتم تسْليعها والزج بها في فضاء ضيق وسط عشرات الرجال بل المئات منهم، وبشكل يومي أيضا.
أكثر من هذا فهي ملزمة أن تخضع للوصاية والعنف والإكراه على نوع معين من اللباس، وبأن تحشر في سروال جينز ضيق وقميص “بودي”، أو أن تعري جزء من جسدها، مع وضع مساحيق لإثارة الزبناء من شتى الأصناف.
جل النادلات المستجوبات يؤكدن تعرضهن، وبشكل مستمر، للتحرش اللفظي والجسدي.. سواء من الزبناء أو من المشغل ذاته، كما أنهن ملزمات بالاشتغال في ظروف أشد من ظروف عبودية الزمن الغابر.
فالنادلات، في الغالب، غير مصرح بهن وليست لديهن تغطية صحية ولا تقاعد، وكثير منهن ملزمات بالحضور إلى مقر العمل قبل السابعة صباحا لتنظيف المرحاض وفضاء المقهى وترتيب الطاولات والكراسي، ثم تنتظرن بعد ذلك قدوم الزبائن، ومنهن من تعمل وفق نظام التناوب، والبعض الآخر تضطرن للعمل من 7 صباحا إلى حدود 11 ليلا دون توقف.
وغالب النساء اللاتي يعمل بهذا المجال يعانين الهشاشة ووضعيات اجتماعية صعبة، ويتم استغلالهن بشكل بشع في هذا الميدان الذي نعلم جميعا ظروفه وإكراهاته ومخاطره أيضا.
إحدى النادلات بمدينة سلا، والتي عملت أكثر من 15 سنة بعدد من المقاهي، حكت جانبا من هذه المعاناة اليومية فقالت بعبارة شعبية: هذا “الضومين قاصح لا أنصح امرأة مقداش تدخل ليه”، أكيد أنه “قاصح” و”خايب” ولا يليق.. وقل ما شئت بعد ذلك من العبارات.
فمقابل كل هذا التعب والإهانة والتحرش تتقاضى الفتاة ما بين 1000 أو 1500 درهم، إضافة إلى إكراميات الزبناء Pourboire، وتقبل على نفسها أن تتعرض لضغوط نفسية كبيرة، وأن تُعزل اجتماعيا عن وسطها الطبيعي، ولا يمكن لأحد أن يزايد على نظرة المجتمع لامرأة تعمل بالمقهى، سواء اتفقنا مع أصحاب هذه النظرة أم لم نتفق.
وإزاء موجة البطالة، خاصة لدى النساء، وقلة ذات اليد والارتفاع الفاحش للمعيشة، كثير من النادلات المستجوبات تصرِّحن بقولهن “اللهم العمل في المقهى أو الخروج لعالم الدعارة” وكأنهن حوصرن بين اختيارين لا ثالث لهما.
وهنا يطرح سؤال حول مسؤولية الفاعل السياسي والحكومة والدولة والمجتمع في حفظ كرامة المرأة المغربية، وضمان العيش الكريم للفئات التي تعاني الهشاشة وقلة ذات اليد، وتوفير مناصب شغل تليق بالمرأة ووضعها الاعتباري في المجتمع.
وما يثير الاستغراب ونحن نفتح نقاشا حول هذا الموضوع هو الصمت المطبق للفئة التي يَرتفع صوتها عاليا خلال كل حادث تحرش وقع هنا أو هناك، في حين تغضّ الطرف عن التحرش اليومي والاستعباد الذي تتعرض له المرأة بعدد من القطاعات، وبخاصة المقاهي والفنادق والعلب الليلية والفلل المخصصة للدعارة “الراقية” وصالونات التدليك وغيرها كثير.
إن الدفاع عن حقوق المرأة أو حقوق الإنسان عموما ليس تجارة أو نضالا مناسباتيا، الغرض من ورائه خدمة أجندات ومخططات دخيلة، ورفع مطالب غريبة عن المجتمع، وإنما هو مبدأ الهدف من ورائه تكريم الإنسان وتمتيعه بحقوقه وفق ما تنص عليه هويته وانتماؤه وفطرته ودينه.
ومعلوم أن الغالبية الساحقة من الجمعيات الحقوقية خاضعة للتصور الرأسمالي الليبرالي المستغل للفقراء والمعوزين من أجل الرفع من المداخيل، فهاته الجمعيات تغرر بالمرأة للخروج من البيت لتحقيق الذات وإحراز الاستقلالية، ثم تتركها نهبا للشركات الرأسمالية التي لا تراعي فيها دينا ولا قيما ورحمة.
إننا في مجتمع الأصل فيه أنه مجتمع مسلم يوقر المرأة ويحفظ كرامتها، لدى يجب على كل الفاعلين الرسميين والشعبيين أن يشجبوا هذا الاستغلال الجشع لجسد المرأة وفقرها وضعف تعليمها والاسترزاق بعرضها، فقد بات الإنسان يستحيي من الجلوس في مقهى وهو يرى نادلات يقتتن بصدورهن وأعجازهن.
فنخاطب النخوة في المغربي الحرّ ما دامت العدالة الاجتماعية غائبة والهشاشة منتشرة.