ناصر الزفزافي.. الوطن غفور رحيم

هوية بريس – الحسن شهبار
في لحظات نادرة، يتجلّى الوطن في صورة أبٍ رحيم، يفتح ذراعيه لمن خاصموه أو خاصمهم باسم معاناةٍ طالت. أمس، شهد المغاربة واحدة من تلك اللحظات، حين سُمح للمعتقل ناصر الزفزافي بتوديع والده الراحل رحمة الله عليه. لم تكن الواقعة مجرد حادث إنساني، بل تذكيرا بأن الوطن أوسع من كل جراحه، وأكثر قدرة على الصفح والمغفرة.
شدد ناصر الزفزافي، في كلماته أمس، على تشبثه بالوحدة الوطنية، قاطعًا الطريق على كل من يراهن على الانقسام أو يستثمر ضعف اللحمة المغربية. ولست أدري: هل خرج ناصر يومًا مطالبًا بالانفصال؟ أم أنه خرج مطالبًا بإنصاف منطقة مهمشة، تطالب بحقوق بديهية كالمستشفى والجامعة والطريق؟ فإن كانت الأولى فقد تراجع عنها أمس أمام الملأ، وإن كانت الثانية، فما طالب به لا يتجاوز واجبات الدولة تجاه أبنائها.
لقد عشت في الريف سنوات، ورأيت معاناة التلاميذ الحاصلين على البكالوريا في الالتحاق بالجامعة، وعناء السكان مع الماء الصالح للشرب والكهرباء، وضيق السبل إلى الدواوير النائية، وانعدام المستشفيات. كان ذلك قبل عقد من الزمن، واليوم صار لزامًا إطلاق مشاريع كبرى تفكّ العزلة وتعيد الاعتبار للمنطقة.
بعضهم يسخر من أن ناصر يُعَدّ ليصبح زعيمًا سياسيًا، ولست أرى في ذلك عيبًا؛ فإن ابن المنطقة المتكلم بلسانها، إذا استطاع أن يؤسس حزبًا يخدم مطالبها في إطار الوحدة الوطنية، فإنه يكون قد أسدى معروفًا لوطنه قبل أهله، وهو أحق بها من وجوه فقدت مصداقيتها عند الجميع.
وإن المواطن الصادق، مهما ظُلم من وطنه أو ضاق صدره من جراحه، لا يحمل حقدًا على ترابه؛ بل يظل مستعدًا لبذل روحه ودمه فداءً لوطنه. فإن الوطن قد يخذل بعض أبنائه أحيانًا، لكنهم لا يتخلّون عنه، لأنه ليس سلطةً ولا أشخاصًا، بل هو الدم في العروق، والهواء في الرئة، والأرض التي لا يُباع حبها ولا يُشترى، فالمواطن الحر الشريف يخاصم الظلم لا الوطن، ويقاوم التهميش لا الوحدة، وإذا نادى المنادي للجهاد الأكبر في وجه الأزمات، كان أول من يبذل دمه وروحه دفاعًا عن تراب الوطن.
وإنّ الوطن حين يغفر، لا يفعل ذلك عن ضعف؛ بل عن قوة، وحين ينصف أبناءه، فإنه لا يمنّ عليهم؛ بل يرد لهم دينًا في عنقه. واليوم أمام بلادنا فرصة ثمينة: أن يجعل من الريف جسرًا للوحدة لا ساحة للانقسام، ومن آلام الأمس درسًا في البناء لا جرحًا يتناسل.



