نداء من ذ. عبد الناصر ناجي الخبير التربوي وعضو المجلس الأعلى للتعليم إلى ضمير البرلمان بخصوص “لغة التدريس”
هوية بريس – عبد الله المصمودي
وجه الأستاذ عبد الناصر ناجي الخبير التربوي وعضو المجلس الأعلى للتعليم نداء للنواب البرلمانيين، وصفه بـ”نداء إلى ضمير البرلمان”، يتعلق بالقانون الإطار 51.17 المتعلق بإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، والذي قدم بصيغة أطلق عليها “التوافق”، وهي صيغة تسعى لفرض هيمنة اللغة الفرنسية وفرنسة التعليم المغربي.
وهذا نص النداء:
“سيدتي النائبة، سيدي النائب
لا شك أنكم تستحضرون ثقل المسؤولية الملقاة على عاتقكم وأنتم تشرعون لمستقبل الأجيال القادمة من خلال المصادقة على مشروع القانون الإطار للتعليم.
ولا شك أنكم دققتم النظر في كل مادة من مواده وواصلتم الليل بالنهار وأنتم تمحصون مضامينه خشية أن يتسرب إليها ما قد يقوض آمال المغاربة في منظومتهم التربوية أو يفقدهم الثقة في الإصلاح.
ولا شك أيضا أنكم حاولتم تغليب مصلحة الوطن في الحاضر وفي المستقبل وأنتم تبحثون عن التوافق بين الأحزاب التي تنتمون إليها خاصة في القضايا الشائكة والمصيرية التي تشغل بال الرأي العام.
فأنتم صوت هذا الأخير وضميره الذي لا ينام تمثلونه قلبا وقالبا وتحرصون على تحقيق مصالحه في إطار الثوابت الدستورية والقيم الإنسانية المشتركة.
لكن عندما يغيب النقاش الموضوعي في القضايا المصيرية ويحضر منطق التوافق الفوقي، كما حصل في قضية لغة التدريس، يضيع مستقبل الأجيال القادمة وتضيع بوصلة الوطن بين كواليس التواطؤات المرحلية والرهانات الضيقة.
فهل تحضر الموضوعية وتهيمن مصلحة الوطن عندما تحين ساعة الحقيقة ويحتكم إلى الضمير، ولا شيء غير الضمير، لحظة التصويت على مشروع القانون الإطار للتعليم؟
سيدتي النائبة، سيدي النائب
إنكم تعلمون أن اللغة هي الناقلة للثقافة، والمؤتمنة على الذاكرة الجماعية وعلى القيم المجتمعية، والحافظة للتراث، والمجسدة للتنوع الثقافي، فهل تغليب كفة اللغة الفرنسية في المنظومة التربوية الوطنية سيحقق هذه الأدوار؟
تعلمون أيضا أن الاعتراف الرسمي باللغات الوطنية واستعمالها في المؤسسات من الحقوق الثقافية المعترف بها دوليا، فهل التشريع بحصر اللغة الأمازيغية في دور اللغة المدرسة وحصر اللغة العربية في تدريس المواد غير العلمية يسهم حقا في تكريس هذه الحقوق، خاصة في ظل مواصلة التضييق على حضور اللغتين الرسميتين في الإعلام وإقصائهما من اللوحات الإشهارية التي تغزو الشارع المغربي؟
لا يخفى عليكم أن الاتفاقات الدولية نصت على ضرورة التعلم باللغات الوطنية، والتربية على احترام التعدد اللغوي الوطني، وتعلم اللغات الأجنبية، فهل فرض تدريس المواد العلمية والتقنية باللغة الفرنسية يحترم هذه المقتضيات؟
ألن يسهم ذلك في انقراض اللغتين الرسميتين (2500 لغة تواجه خطر الموت حسب اليونسكو)، أو على الأقل اضمحلال استعمالهما بحكم أن اللغة التي تجمع أكثر عدد من الناطقين بها تصبح تلقائيا لغة التخاطب لأنها تشكل الحل الأقل كلفة، وأن كل لغة توجد في هذه الوضعية تدفع غير الناطقين بها إلى تعلمها مما يزيد من هيمنتها؟
ألا ترون أطفالنا وهم خارجون من المدارس التي جعلت الفرنسية لغة التدريس، وهم يتخاطبون مع آبائهم وأمهاتهم بلغة موليير بحجة إتقان هذه اللغة؟ ألا تعتبرون ذلك تهديدا لمكانة لغاتنا الرسمية في المجتمع؟ أم تريدون “فرنسة” المجتمع بتشريعكم إرضاء لمن يرى أن تقدم المجتمع المغربي رهين بتغيير خلفيته الحضارية؟
سيدتي النائبة، سيدي النائب
إن تكريس هيمنة اللغة الفرنسية في المشهد التعليمي الوطني بتغليب كفتها على اللغتين الرسميتين وتخصيصها بميزة تدريس المواد العلمية والتقنية، يذهب في اتجاه تفعيل مفهوم افتراس اللغات (glottophagie ) حيث لن تتردد هذه اللغة في قص أجنحة لغاتنا الرسمية وتحجيم أدوارها، وبالتالي إقرار طبقية لغوية في المجتمع المغربي تكون فيها الحظوة للغة الفرنسية، مما قد يؤدي إلى شرخ مجتمعي ينذر بتوترات نحن في غنى عنها.
إن جميع الدراسات الجادة والبحوث العلمية تؤكد أن التدريس باللغات الوطنية يعزز الثقة في النفس والاعتزاز بالانتماء وحافزية التعلم وحس المبادرة مما يساعد على تنمية الذكاء والشخصية، لذلك لن تجدوا دولة واحدة من الدولة المتقدمة تعتمد اللغات الأجنبية في التدريس، لكنكم لا شك تعلمون أن الدول المتخلفة هي التي تعتمد اللغات الأجنبية في التدريس، بل منها من ذهب أبعد من ذلك فجعلها لغات رسمية دون أن ينتشله ذلك من براثن التخلف.
سيدتي النائبة، سيدي النائب
إن الخطر الحقيقي الذي يتهدد أية لغة حسب اليونسكو، هو عندما يتحدث بها الأجداد ولا يتحدثها الآباء مع أبنائهم بل فقط يفهمونها، وتصبح في وضعية هشة حينما تقتصر على المجال الدراسي كلغة مدرسة، فهل هذا هو المصير الذي تريدونه للغاتنا الرسمية؟
لا أعتقد ذلك، لكن بتشريعكم لتدريس المواد العلمية والتقنية باللغة الفرنسية إنما تؤسسون لهذا المصير الأليم. فهل يحضر الضمير يوم التصويت؟
توقيع: عبد الناصر ناجي”.