ندوة علمية دولية: تاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية: النشأة والتطور
هوية بريس – بلال بكور
تميزت الحضارة الاسلامية بتنوع تراثها العلمي وتشعبه وغناه. ولربما لوضوح وجلاء الإسهام العلمي لهذه الحضارة؛ لم يعد -ها هنا- من مسوغ لاستفراغ الجهد في التحاجج بشأن قيمة هذا التراث؛ وذلك بالنظر إلى خلفه علماؤها على امتداد عصور متعاقبة.
وليس يخفى على أحد من المشتغلين بهذا الحقل المعرفي؛ ما يسجله تاريخ العلوم من تعامل أجيال متعاقبة من علمائنا مع علوم الأمم والحضارات التي كان لها السبق، وهي العلوم التي عُرفت لديهم بعلوم القدماء أو علوم الأوائل؛ من حيث إنهم تلقوها من حضارات مختلفة وصهروها في حضارتهم، وبصموها ببصمتهم، وأخضعوها لشروط نهضتهم، حتى أضحت مقوما رئيسا من مقومات نهضتهم الحضارية، في عصر كان يعرف لدى الغرب بعصر الظلمات.
واستجابة لهذا المطلب الملح في التعريف بتاريخ العلوم في الحضارة وما قدمه علماء هذه الأمة في هذا السياق في شتى العلوم والمعارف، فقد احتضنت كلية أصول الدين بتطوان ندوة علمية دولية من تنظيم شعبة الفلسفة والفكر الإسلامي والحضارة، وفريق البحث “فلسفة وتكامل العلوم في الحضارة الإسلامية؛ تاريخ واستشراف” في موضوع:
“تاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية: النشأة والتطور”.
وذلك يومي الأربعاء والخميس 17/18 جمادى الأولى 1446هـ/ الموافق 20/21 نونبر 2024 بقاعة المؤتمرات والندوات بالكلية.
وقد شهد هذا اللقاء مجموعة من المداخلات والمشاركات العلمية المتميزة من داخل المغرب ومن خارجه، بحضور ثلة من العلماء والأساتذة والباحثين وجم غفير من الطلبة والطالبات، وجاءت أشغال الندوة في ست جلسات علمية، ومحاضرتين افتتاحيتين لكل من اليوم الأول والثاني.
استُهلت الندوة بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، وانعقدت الجلسة الأولى بتسيير الدكتور الأمين أقريوار الذي أحال الكلمة بداية للسيد عميد كلية أصول الدين الدكتور عبد العزيز رحموني؛ والذي رحب بالحضور وبكافة المشاركين الذين حجوا من داخل المغرب ومن خارجه، كما أشاد بدور اللجان العلمية والتنظيمية لهذه الندوة، مشيرا إلى أن هذه الندوة تسعى إلى استشراف مستقبل الأمة، من خلال الاستفادة من تراثها الزاخر، وكذا من خلال انفتاحها على ما أنتجته الحضارات الأخرى. ثم تلتها كلمة رئيس شعبة الفلسفة والفكر الإسلامي والحضارة الدكتور الزبير درغازي، الذي أكد على أن هذه الندوة تأتي استئنافا للمشروع العلمي الذي سطرته الشعبة احتفاء بتاريخ العلوم الإسلامية، ومن أجل توسيع دائرة النقاش حول قضية التكامل والتداخل بين العلوم على اختلاف مجالاتها وتخصصاتها.
ثم أحيلت الكلمة بعدها لمنسق فريق البحث “فلسفة وتكامل العلوم في الحضارة الإسلامية؛ تاريخ واستشراف” الدكتور عبد الغني يحياوي، الذي أعرب عن سعادته بتنظيم هذه الندوة العلمية المباركة مرحبا -بدوره- بالحضور؛ علماء وأستاذة وطلبة باحثين وصحافة وإعلام، مؤكدا أن من أنبل ما ينبغي الاهتمام به في واقعنا المعاصر؛ هو تاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية. من أجل استثمار ذلك في النهضة والتقدم الحضاري للأمة، وأن هذه الندوة جاءت استجابة لهذا المطلب الملح -حسب تعبيره- وختم كلمتَه بشكر القائمين والساهرين على نجاح هذه المحفل العلمي.
بعدها نُقلت الكلمة للدكتور أحمد الفراك ليلقي كلمة باسم اللجنة المنظمة، فتحدث عن سياق هذه الندوة والمراحل التي مرت منها؛ بدءا بالفكرة فالاستكتاب فالتحكيم فانتقاء البحوث، التي استقرت واستوت في 36 مداخلة ومحاضرتين افتتاحيتين.
بعد هذه الجلسة ألقى الدكتور بناصر البعزاتي محاضرة افتتاحية في موضوع “مسالك الفاعلية البرهانية في العلم” بتسيير الدكتور مصطفى السعيدي، حيث تطرق في مداخلته إلى العديد من القضايا والإشكالات التي تعتري تاريخ الأفكار العليمة، ومسالك الفاعلية البرهانية في العلم؛ فوضّح مسالك البرهنة في علمَي الحساب والهندسة، منبها إلى أن عملية البرهنة في علم الحساب له مسالك قد لا تبدو بديهة منذ البداية، منبها إلى أن البرهنة السليمة والواضحة، يجب التصريح فيها بكل شيء دون أن يترك فيها شيء للإضمار. كما تحدث في السياق ذاته عن الفرق بين الأولية والمسلمة إلى غير ذلك مما جاء في محاضرته القيمة.
وبعد هذه المحاضرة الافتتاحية انعقدت الجلسة العلمية الأولى للندوة، وكان محورها: “الحديث والفقه والأصول في الحضارة الإسلامية” بتسيير الدكتور رشيد كهوس. وقد تعاقب على المداخلات في هذه الجلسة؛ كل من الدكتور بدر العمراني في موضوع: “النقد الحديثي وصلته بالعلوم الإسلامية: نماذج على المحك” والدكتور محماد رفيع في موضوع: “الدرس الحجاجي في الحضارة الإسلامية نشأته وتطوره”. والدكتور عبد العزيز القاسح في موضوع: نظرات في الفقه السياسي عند المسلمين: قراءة في النشأة والتطور، والدكتور أحمد الطيبي في موضوع: العلوم في الحضارة الإسلامية، وسؤال الموافقة في القصد عند ابن رشد الحفيد. والدكتور أحمد القضاوي في موضوع: الاختصار في الفقه المالكي: قراءة في سياق النشأة وكرونولوجيا التصنيف. والدكتورة فاتحة الأنصاري في موضوع: التأليف الأصولي عند المالكية: النشأة والتطور. وختمت هذه الجلسة بالمناقشة.
تلتها مباشرة الجلسة العلمية الثانية في محور: “الفلسفة والمنطق وعلم الكلام في الحضارة الإسلامية” بتسيير الدكتور: محمد بلال أشمل. وقد تعاقبت المداخلات بدءا بموضوع: الأثر الرشدي والسيناوي في دانس سكوت: موضوع الميتافيزيقا نموذجا، من تقديم الدكتور محمد منادي إدريسي، وموضوع: في نقد القراءات الإيديولوجية لتاريخ العلوم العربية، من تقديم الدكتور عبد الفتاح كموني. وموضوع: نقد فخر الدين الرازي لابن سينا في مسألة تعدد العوالم الممكنة، من تقديم الدكتور محمد الصادقي. وموضوع: علم المنطق في الحضارة الإسلامية العربية: النشأة والتطور، من تقديم الدكتور أحمد الفراك. وموضوع: بين التأريخ لعلم الكلام واستئناف القول الكلامي، من تقديم الدكتور محمد لشقر. وموضوع: هل يمكن اعتماد البصمة الأسلوبية في صحة نسبة المؤلفات العلمية؟ من تقديم الدكتور مصطفى السعيدي. وقبل المناقشة، ختمت مداخلات الجلسة العلمية، بمداخلة في موضوع: علم مقارنة الأديان في الحضارة الإسلامية؛ نشأته وإسهامات علماء المسلمين في تطويره موضوعا ومنهجا، من تقديم الأستاذ يوسف الشاطر.
وختم اليوم الأول للندوة بالجلسة العلمية الثالثة التي كانت متوازية في التوقيت مع الجلسة العلمية الثانية بقاعة الاجتماعات بالكلية، وتكلف بتسيير أشغالها الأستاذ محمد زين العابدين الحسيني، وتعاقب على المداخلات كل من الدكتور عدنان أجانة في موضوع: نشأة الدرس النحوي في الأندلس؛ دراسة في المقدمات الممهدات. والأستاذ الخليل اخنيبلة في موضوع: نشأة علم النحو وتطوره؛ الكتاب لسيبويه نموذجا، والدكتور عبد العزيز انميرات في موضوع: أثر الترجمة في تكوين بنية العلوم الإسلامية وتطورها. والدكتور ميمون الموساوي في موضوع: حلقات من تاريخ عمارة المسجد الجامع بقرطبة. والدكتور إلياس الهاني في موضوع: تطور المعرفة الببليوغرافية في الحضارة الإسلامية؛ الفهرست لابن النديم نموذجا. والدكتور خليل محاح في موضوع: دور أعلام الرحلة في تطور علم الببليوغرافيا في تاريخ الحضارة الإسلامية شخصية الرحالة أبي سالم العياشي نموذجا. وبعد التعقيب والمناقشة اختتمت أشغال اليوم الأول من الندوة.
افتُتح اليوم الثاني من أعمال الندوة بمحاضرة افتتاحية في موضوع: العلوم البحتة ضمن الحضارة الإسلامية: شمولية وتكامل وانفتاح، من تسيير الدكتور يوسف الزيدي، وتأطير الدكتور محمد زين العابدين الحسيني الذي أبرز فيها -بعد اعرابه عن شكره وسعادته بالمشاركة في هذه الندوة النافعة- تميز علماء المسلمين بالشمولية والتكامل والانفتاح، وأن الحضارة العربية الإسلامية المغربية تشكل منظومة متكاملة المكونات؛ وهذه المكونات ترتبط فيها العلوم بالتقنيات والمعمار والشريعة. وأشار إلى ضرورة تغيير تلك النظرة القاصرة التي تظن أن العلوم البحثة من اختصاص الأجانب وعد ذلك توهما، وقد أتى في هذا الصدد بالعديد من الأدلة التي تزكي شمولية علماء المسلمين وإسهامهم الفعال في العلوم البحتة، وأخذهم قدم السبق في بعضها.
بعد هذه المحاضرة انعقدت الجلسة العلمية الرابعة بتسيير الدكتور مصطفى بوجمعة في محور: “العلوم البحتة في الحضارة الإسلامية”، فتحدث فيها الدكتور أحمد مصلح عن: دينامية الفكر الرياضي: نماذج كتاب الجبر والمقابلة للخوارزمي، والدكتور علي بن العجمي العشي عن: تطور الطب بين ابن سينا وابن النفيس: من الصناعة إلى العلم. والدكتور سمير قدوري عن: رسالة إسحاق بن عمران في المرض السوداوي صفحة من تاريخ الطب النفساني العربي. والدكتور عبد الغني يحياوي عن: إسهامات ابن الجزار القيرواني في تطور الطب العربي الإسلامي. والدكتورة بشرى عسال عن: علم الفلك الإسلامي: الأسس والتوجهات. والدكتور محمد أبركان عن: صعوبة التأريخ لعلم الفلك في سياقات المسلمين. والأستاذ عبد الرحيم صادقي عن: نشأة علم الفلك بالأندس وحدوده. وختمت الجلسة بالمناقشة.
بعد ذلك انعقدت الجلسة العلمية الخامسة ضمن محور: تصنيف العلوم في الحضارة الإسلامية بتسيير الدكتور أحمد الفراك، وتعاقب على المداخلات الدكتور يوسف العماري في موضوع: تجديد المنهج في التأريخ للعلوم في المغرب خلال القرن السابع عشر. والدكتور أحمد كازى في موضوع: المنحى العرفاني للعلوم الذوقية. والدكتور محمد روي في موضوع: مناهج التأليف في كتب تصنيف العلوم في الحضارة الإسلامية. والدكتور محمد بنيونس في موضوع: معيار تصنيف العلوم من منظور ابن حزم الظاهري. والأستاذ لحسن احمتي في موضوع: النموذج التصنيفي مدخلا لتكامل العلوم الإسلامية: تصنيف الفارابي نموذجا. ورفعت الجلسة بعد المناقشة.
وبالموازاة مع الجلسة العلمية الخامسة انعقدت الجلسة السادسة في موضوع: تكامل العلوم في الحضارة الإسلامية العربية بتسيير الدكتور الزبير درغازي، تعاقب على المشاركة فيها الدكتور عمر بن بوذينة في موضوع: النسق التكاملي في علم تصنيف العلوم عند المفكرين المسلمين. والدكتور محمد علا في موضوع: حوار العلوم وتكامل عطائها في السياق الحضاري مقاربة في الآليات الوظيفية والمنهجية. والدكتور عمر بن سكا في موضوع: وظيفية وتكامل العلوم الإسلامية؛ مبحث طبيعة المعرفة الإسلامية أنموذجا. والدكتورة كريمة بومعاز في موضوع: موقع علم الكلام بين العلوم التأثير والتأثر. والأستاذة نادية الإسلامي في موضوع: إسهام الوقف في تطور العلوم في الحضارة الإسلامية.
وبعد هذه الجلسات العلمية الماتعة، اختتمت أعمال الندوة بجلسة ختامية من تسير الدكتور محمد علا؛ الذي أحال الكلمة إلى السيد عميد كلية أصول الدين، الذي أشاد بأعمال هذه الندوة المتميزة، ووعد بعقد ندوات أخرى تلبي رغبة الباحثين وتفتح آفاق البحث في الحضارة الإسلامية نشأة وتطورا وازدهارا، وانفتاحا على الحضارات الأخرى. تلتها كلمة رئيس شعبة الفلسفة والفكر الإسلامي والحضارة، وكلمة منسق فريق البحث “فلسفة وتكامل العلوم في الحضارة الإسلامية؛ تاريخ واستشراف” وكلمة باسم الضيوف ألقاها الدكتور بناصر البعزاتي.
وختمت الندوة بقراءة البيان الختامي والتوصيات، من إلقاء الطالب الباحث: بلال بكور. حيث جاء البيان الختامي، مركزا على أهم توصيات الندوة ومخرجاتها الآتية:
-الدعوة إلى طباعة ونشر أعمال الندوة في أقرب الآجال ورقيا ورقميا.
-ترجمة أعمال الندوة إلى لغات أخرى.
-الدعوة لانعقاد ملتقيات أخرى تهتم بالحضارة الإسلامية وتفاعلها مع الحضارات الأخرى.
-ضرورة تنمية الوعي الحضاري بالاعتراف النبيل لجهود كل حضارة في إفادة البشرية.
-الدعوة إلى إنشاء مجلة تُعنى بتاريخ العلوم في الحضارة الإسلامية.