نزوح تلاميذ التعليم الخاص نحو التعليم العمومي!

نزوح تلاميذ التعليم الخاص نحو التعليم العمومي!
هوية بريس – اسماعيل الحلوتي
لم يعد مفهوم الهجرة أو النزوح ينحصر فقط في انتقال شخص أو مجموعة أشخاص قسرا أو عن طواعية من مكان إقامتهم المعتاد إلى مكان آخر سواء داخل نفس المدينة أو خارجها، أو من بلد إلى آخر، بهدف الاستقرار المؤقت أو الدائم، بحثا عن أجواء أخرى وحياة أفضل، بل أصبح الأمر يرتبط أيضا بالانتقال من مدارس التعليم الخصوصي إلى مدارس التعليم العمومي، ليس بحثا عن الجودة، وإنما هروبا من غلاء الأسعار وعجز آلاف الأسرة عن الاستمرار في مواجهة هذا “الجحيم”…
ففي هذا السياق، وتزامنا مع انطلاقة الموسم الدراسي الجديد 2025/2026 تجدد الحديث ليس فقط عما بات يعرفه قطاع التعليم العمومي من تحديات، وفي مقدمتها الاكتظاظ، ضعف البنية التحتية، الخصاص في الموارد البشرية، خاصة الأطر الإدارية من حراس عامين ومعيدين، بل كذلك حول ظاهرة الهجرة المعاكسة من التعليم الخصوصي إلى مدارس التعليم العمومي، التي ما فتئت وتيرتها ترتفع منذ تفشي جائحة كورونا، جراء ما خلفته تلك الأزمة الصحية من تداعيات اجتماعية واقتصادية خطيرة، انعست سلبا على آلاف الأسر، وما باتت تعرفه واجبات التسجيل والمقررات وباقي المستلزمات الدراسية في مؤسسات التعليم الخصوصي من ارتفاع صاروخي في الأسعار، أمام ضعف القدرة الشرائية لآلاف الأسر المغربية…
إذ أنه رغم أن التعليم حق أساسي ودستوري، ويجب أن يكون في متناول جميع الأسر المغربية دون أي تمييز، أو تكليفها أعباء مالية إضافية أخرى من شأنها إنهاك قدرتها الشرائية. ورغم أنه سبق للمجلس الحكومي أن صادق في شهر أبريل 2025 على مشروع القانون رقم: 21.59 المتعلق بالتعليم المدرسي، الذي يلزم مؤسسات التعليم الخصوصي بضرورة الإعلان عن لائحة رسوم وواجبات الخدمات المقدمة، ونشرها على العموم بصفة دائمة داخل المؤسسات التعليمية، وإبرام عقد مكتوب مع آباء وأولياء التلاميذ، يتم بموجبه تحديد واجبات وحقوق كل طرف، ويمنعها من رفض التسجيل أو إعادة التسجيل أو طرد أي تلميذ مستوف للشروط اللازمة.
فإن هناك عددا من مؤسسات التعليم الخصوصي تأبى إلا أن تستمر في ركوب رأسها والتمادي في غيها ضاربة عرض الحائط بكل النصوص القانونية والالتزامات، من خلال اتخاذها قرارات مجحفة، تتمثل في إجبار أمهات وآباء وأولياء الأمور على دفع رسوم التسجيل والتأمين، تتراوح قيمتها ما بين 1000 و3000 درهم دون أن تجشم نفسها عناء تقديم أي تبرير أو توضيح لذلك، في تحد صارخ لقرارات وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، التي سبق لها التشديد على أنه لا يجوز تحت أي ظرف كان أن تتجاوز رسوم التأمين 50 درهما للتلميذ، الأمر الذي أثار حفيظة الكثيرين وطرح عدة تساؤلات حول شفافية هذه الممارسات التعسفية في واضحة النهار دون حسيب ولا رقيب.
وهي ممارسات تضع عديد الأسر أمام تحديات مالية لا قبل لها بها، ولاسيما عندما يكون لديها أكثر من طفل في سن التمدرس، حيث أنه فضلا عن واجبات التسجيل والتأمين، هناك أيضا تكاليف أخرى من قبيل شراء الكتب والمقررات الدراسية التي بلغت أثمنتها في بعض مستويات التعليم الأساسي حدودا لا تطاق، مما يضطرها إلى نقل أطفالها مكرهة إلى التعليم العمومي، الذي رغم ما يعتوره من اختلالات ومشاكل متعددة، من بينها الاكتظاظ، ضعف البنية التحتية وقلة الموارد البشرية، تراه أرحم لها بكثير من التعليم الخصوصي، في ظل هيمنة الجشع والرغبة في الربح السريع على أرباب مؤسسات التعليم الخصوصي…
فما يستغرب له كثيرا هو ألا أحد من الوزراء المتعاقبين على القطاع، تمكن يوما من الوفاء بوعوده حول التصدي لجشع مؤسسات التعليم الخصوصي ووضع حد لقراراتها الجائرة، وما يترتب عنها من استياء عميق لدى آلاف الأسر المغربية، التي تستنزف جيوبها بلا أدنى رحمة، أمام أنظار ممثلي الأمة الذين يغط بعضهم في نوم عميق. علما أنه سبق للوزير الأسبق سعيد أمزازي أن أشار في أكتوبر 2019 إلى تنامي ظاهرة انتقال تلاميذ التعليم الخصوصي إلى مؤسسات التعليم العمومي، وأكده خلفه شكيب بنموسى، عندما كشف عن معطيات رسمية بخصوص التلاميذ الوافدين من القطاع الخصوصي إلى القطاع العمومي بالأسلاك التعليمية الثلاثة، حيث بلغ عددهم في الموسم الدراسي 2023/2024 ما مجموعه 85724 (منهم 39690 إناث) مقابل 80376 (منهم 36532 إناث) برسم الموسم الدراسي 2022/2023 أي بزيادة حوالي 5348 تلميذ “ة” بين الموسمين الدراسيين.
إننا نرى أنه ليس هناك من وسيلة ناجعة لمواجهة الجشع المتزايد أرباب مؤسسات التعليم الخصوصي، عدا العمل على تفعيل القوانين والتشريعات التي تنظم هذا القطاع، بدل الارتكان إلى القول بأن هذه المؤسسات عبارة عن مقاولات تخضع لحرية الأسعار، وأنه يتعذر مراقبة جميع خدماتها. وبات لزاما على أصحابها إن هم أرادوا أن يبرهنوا فعلا على أنها مؤسسات مواطنة، كما يدعي بعض المسؤولين في رابطة التعليم الخاص بالمغرب، أن تحترم التزاماتها القانونية والاجتماعية مع المجتمع والأسر، وتحرص على تقوية العلاقات الاجتماعية والتربوية.



