نصيحة أخوية للجمعيات والمؤسسات الخيرية والدعوية

هوية بريس – نور الدين درواش
المحاسبة الدقيقة سياج الأمانة في العمل الخيري.. نصيحة أخوية للجمعيات والمؤسسات الخيرية والدعوية
تعد سجلات المحاسبة الدقيقة من الدعائم الأساسية لنجاح أعمال الجمعيات الخيرية والدعوية واستمراريتها، إذ تعبر عن مستوى الأمانة والوضوح في إدارة المال الخيري، وتظهر مدى التزام المؤسسة بالشفافية التي دعا إليها الإسلام في جميع المعاملات. فالمال في العمل الخيري ليس ملكا للأفراد، بل هو أمانة يجب أن تصرف في مواضعها الصحيحة، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [النساء:58].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته” [متفق عليه] فالمسؤولية المالية جزء من هذه الرعاية الشرعية.
وإن ضبط الموارد والمصروفات من خلال سجلات منظمة وواضحة متاحة لأعضاء الجمعية أو المؤسسة كلهم؛ لا يعد عملا إجرائيا فحسب، بل هو التزام شرعي وأخلاقي يعزز الثقة بين الجمعية والمانحين والعاملين والمستفيدين.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحاسب صلى الله عليه وسلم عماله على ما في أيديهم، كما في قصة عامل الصدقة ابن اللتبية رضي الله عنه.
فعن أبي حميد الساعدي قال: “استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا على صدقات بني سليم، يدعى ابن اللتبية، فلما جاء حاسبه، قال: هذا مالكم وهذا هدية. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهلا جلست في بيت أبيك وأمك، حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا…” [رواه البخاري].
وقد بوب شيخ مشايخنا العلامة المُسند محمد عبد الحي الكتاني في كتابه “التراتيب الإدارية في نظام الحكومة النبوية” بابا للمحاسبة أورد فيه حديث ابن اللتبية، ونقولا غيره [1/207].
وفي الأخبار لابن قتيبة: “قدم معاذ من يمن بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي بكر رضي الله عنه فقال له: إرفع حسابك. فقال: أحسابان، حساب من الله وحساب منكم؟ لا والله لا ألي لكم عملا أبدا.”[1/125].
وفي الطرق الحكمية لابن القيم رحمه الله قال:” وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستوفي الحساب على عماله، يحاسبهم على المستخرج والمصروف” [2/646].
ومن المخاطر التي ينبغي التنبيه عليها تعدد الصناديق داخل الجمعية الواحدة، إذ يؤدي ذلك إلى ضعف الضبط المالي، وتداخل المسؤوليات، وفتح أبواب الريبة وسوء الظن بين العاملين. والواجب أن يكون المال في صندوق واحد تحت إشراف محاسبة واضح يضمن وحدة القرار المالي وترشيد المصاريف وفق معايير موحدة، مع استبعاد الاجتهادات الشخصية، بين من يتوسع ومن يضيق، ووضع معايير الصرف على طاولة الحوار حتى تكون محل اتفاق بين كل أفراد المكون المؤسسي او غالبيتهم.
إن الشفافية المالية هي السياج الذي يصون القلوب من التنازع، ويحفظ صفاء النيات في ميدان العمل الخيري، فهي ميزان العدل الذي يُقيم الأمور على نصابها، ويُبرِّئ الجهود من مظنة الخلل والاتهام، وبها تُغرس الثقة في النفوس، ويزكو العمل، وتُؤدَّى الأمانة في أبهى صورها وأكمل وجوهها.



