نظام التعلم في القرآن الكريم: أساليبه، مبادئه، وخصائصه
هوية بريس – المصطفى خرشيش (طالب باحث)
يعد موضوع التعلم في القرآن، موضوع ذو باع طويل، لكن أهمية دراسته ومعرفة سبله وأساليبه؛ مهم جدا في الاستفادة منه في الواقع العملي المعيش خصوصا وأنه مستوحى من المنهج الرباني الذي لا يدخله التحريف ولا التزييف.
ودراسة الإنسان لمثل هذه المواضع من القرآن تشكل لديه وعيا حقيقيا عن مدى أهمية دراسة القرآن الكريم من جميع جوانبه؛ خصوصا وأن منزله هو القائل {ما فرطنا في الكتاب من شي}، ذلك أن هذا القرآن هو منهج حياة، منه ننطلق، وإليه نعود في جميع مناحي حياتنا.
الآيات المؤسسة للنظام التعليمي التعلمي في القرآن الكريم:
- قال الله تعالى بعد بسم الله الرحمان الرحيم {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } [العلق ،الآيات من1إلى 4]
- قال تعالى:( {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ 33}[البقرة، الآيات من:31إلى 33].
- وقال سبحانه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر، 9].
- وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة (122)] .
- {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} [طه،114].
- ويقول الحق جل في علاه: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا، وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ، وَالْأَبْصَارَ، وَالْأَفْئِدَةَ، لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78].
- وقال عز وجل:{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} [الإسراء/85]
أولا: طرق وأساليب نظرية التعلم في القرآن الكريم :
لنظرية التعلم طرق وأساليب كثيرة في الكتاب، لكن أهمها يرجع إلى ما يلي:
- التعلم بالتدرج والتدريج. وهذه الطريقة هي أفضل طريقة في التعلم القرآني؛ بحيث إن القرآن في بداية نزوله كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم حسب الحوادث تدريجا وتدرجا؛ ليسهل على الناس حفظه، وفهمه، وتطبيقه.
ويجب أن ينتقل هذا اللون من التعلم إلى جميع العلوم لتكون عملية التعلم سهلة سلسة، ويقول العلامة ابن خلدون:( اعلم أن تلقين العلوم للمتعلمين إنما يكون مفيدا إذا كان شيئا فشيئا وقليلا قليلا…)[1]. ليكون الأمر أسهل وأفيد على المتعلم، وليتدرج من الأسهل إلى السهل، ومن السهل إلى الصعب، ومن الصعب إلى الأصعب، حتى حصول الملكة.
- التعلم بالتقليد والمحاكاة. من ذلك مثلا قول الحق جل في علاه: {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [ المائدة،31]. فهذا غراب علم قابل دفن أخيه هابل عندما لم يجد ما يفعل به عندما قتله. قال سيد قطب: (وتقول بعض الروايات: إن الغراب قتل غراباً آخر، أو وجد جثة غراب، أو جاء ومعه جثة غراب، فجعل يحفر في الأرض، ثم واراه وأهال عليه التراب.. فقال القاتل قولته. وفعل مثلما رأى الغراب يفعل..[2]. أي: قلده ليتعلم منه.
- التعلم بالمحاولة والخطإ.من ذلك مثلا:قوله سبحانه: {يريدون أن يخرجوا من النار وماهم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم} [المائدة، 37].
- التعلم بالتكرار. ومن ذلك مثلا قول الحق تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (28) يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (30)} [الرحمان، الآيات:26- 30]. والتكرار عملية من عمليات ترسيخ المعلومة؛ إذ بالتكرار يسهل الحفظ والفهم ولابد للمدرس أن يكرر أحيانا المعلومة لترسخ في ذهن المتعلم.
- التعلم بالقدوة والأسوة الحسنة. حيث جاءت رسالتنا السماوية خاتمة الرسالات ومحمد صلى الله عليه وسلم هو بدوره خاتم النبيئين {مَا كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ”} [الأحزاب: 40]. ونحن المتبعين له يجب علينا أن نقتدي به في أفعاله وأقواله وتقريراته، تعليما وتعلما؛ إنطلاقا من قول الحق سبحانه:{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21) }[الأحزاب، 21].وهنا ينبغي للمتعلم أن يقتدي بأستاذه إن كان كفئا أما إذا لم يكن كذلك فلا.
- التعلم بالمصاحبة في الرحلة. وهذا ما نجده في قصة موسى مع الخضر عليهما السلام، وهذا النموذج القرآني الفريد اعتمد على نظرية التعلم الميداني بالمصاحبة والرحلة كوسيلة تعليمية لتحقيق الهدف المبين في قوله تعالى:(هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا)[الكهف،66]. فالملاحظ أن الخضر لم يعلم موسى بالتلقي أو المحاضرة، ولم يجلس به في قاعة تدريس، ولم يوجهه إلى المكتبات والمطالعات، إنما اصطحبه معه في رحلة ميدانية علمية ، كان فيها-ومن خلالها- كثير من المعارف والتطبيقات والخبرات القيمة التي حصل عليها موسى عليه السلام[3].
- التعلم بالحوار. وهذا ما نجده في قصة الرجل الذي جاء يدعو قومه إلى اتباع الرسل فقتلوه: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) آتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27) }[يس، الآيات، 20- 27].
- التعلم بالتجريب العملي والمعاينة: قوله تعالى : {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [سورة البقرة : 260] . قال القِنَّوْجي:( أي ألم تعلم ولم تؤمن بأني قادر على الإحياء حتى تسألني إراءَته (قال بلى) علمت وآمنت بأنك قادر على ذلك (ولكن) سألت (ليطمئن قلبي) باجتماع دليل العيان إلى دلائل الإيمان[4].
- التعلم بالحكمة والموعظة الحسنة.لأن هذا هو الأصل في التعلم؛ لا القهر والضرب والقمع ؛لأن كل هذه الأمور تؤدي إلى عملية تعلمية فاشلة. فمن ذلك مثلا قول الحق سبحانه:( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة) وقال تعالى : { وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ، وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ، وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ، يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ، يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ، وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ } [لقمان : الآيات من 12 إلى 19] . قال سيد قطب:وهو يتحدث عن حكمة آدم في توجيهه للنصيحة التعلمية لولده قال: (والخطوة التالية هي اتجاه لقمان لابنه بالنصيحة: نصيحة حكيم لابنه. فهي نصيحة مبرأة من العيب، صاحبها قد أوتي الحكمة. وهي نصيحة غير متهمة، فما يمكن أن تتهم نصيحة والد لولده….[5].
- التعلم بالمجادلة بالتي هي أحسن.يقول الله تعالى: {أدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } [النحل،125] .
- التعلم من خلال القصص القرآني؛ وذلك بسرد أحداثها. فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (الأعراف،176). ويقول الله تعالى: {لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الالباب ما كان حديثا يفترى } [يوسف، 111]
- التعلم من خلال ضرب الأمثال.قال تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} [الروم، 58]. وذلك بأن يدرس المعلم كل قضية بضرب الأمثلة لها.
- التعلم بالعروض العملية. من ذلك؛ قوله تعالى : { قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى ، قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ، فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى ، قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى ، وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ، فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آَمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى } [سورة طه الآيات : 65 – 70].
ثانيا: مبادئ نظام التعلم في القرآن الكريم :
- مبدأ الحرية:
وقد قررت الشريعة من يوم نزولها مبدأ «الحرية» في أروع مظاهرها، فقررت حرية الفكر، وحرية الاعتقاد، وحرية القول، والنصوص في ذلك كثيرة نذكر منها قوله تعالى: {قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ}[يونس، 101] ، وقوله: {وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران، 7].، وقوله: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}[البقرة،256][6].
القرآن الكريم يقرر هذا المبدأ حتى في الجانب الديني فضلا عن الجانب التعلمي.
- مبدأ التدرج:
فالقرآن الكريم أوضح أن الدعوة تدرجت من السرية إلى الجهرية ، ومن إرساء القواعد في العهد المكي إلى التطبيق في العهد المدني ، ويستطيع المربون استخدام أسلوب التدرج في تربية الناشئة ، بأن يبدأ المربي تعليم الطفل من الشيء المحسوس إلى المجرد ، ومن السهل إلى الصعب تدريجا وتدرجا؛ لأن هذا هو النهج القرآني في إيصال المعلومة إلى الفئة المستهدفة… وهكذا ذواليك.
- مبدأ المساواة:
فالشريعة الإسلامية تقرر مبدأ «المساوة» بين الناس في التعلم دون قيد ولا شرط وذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات، 13][7].نقابل هذه الصورة بصورة التلاميذ في القسم، فلا فضل لتلميذ على آخر مهما كان أمرهم وشأنهم.
- مبدأ التيسير:
القرآن يسير وميسر في كل شيء؛ وخصوصا في العملية التعلمية، وهذا ما نستفيده من قوله تعالى: ( لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرآناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه ) [القيامة، 17].وقوله عز وجل: (ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه)[طه،114].
- مبدأ الحوار:
وهذا هو أحد المبادئ الأساسية التي بنيت عليه النظرية التعلمية في القرآن.
والقرآن الكريم يستعمل أسلوب الحوار بكثرة فما تقرا سورة إلا والحوار عماد فيها وأساس من أسسها[8]. وقصص الأنبياء كثيرة في القرآن وكيف حاوروا أقوامهم[9].
- مبدأ الشورى:
يعتبر مبدأ الشورى من المبادئ الأساسية التي قام عليها نظام التعلم في الإسلام من ذلك مثلا قول الحق جل في علاه ( وأمرهم شورى بينهم )[ الشورى38 ]. ويقول في آية أخرى ( وشاورهم في الأمر )[آل عمران، 159].
- مبدأ القصص:
وهذا المبدأ أيضا ركيزة من ركائز التعلم في القرآن لما فيه من العبر والدروس والفوائد وخصوصا فيما يتعلق بالأمم السابقة.
يقول سيد قطب:( القصة في القرآن عمل فني مستقل في موضوعه وطريقة عرضه، وإدارة حوادثه)[10].
وفي هذا المعنى يقول الحق تعالى: (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين ).[يوسف،3].
للقصة تأثير كبير في نفس متلقيها لما فيها من تدرج في سرد الأخبار وتشويق في عرض الأفكار وطرحها ممزوجة بعاطفة إنسانية[11].
- مبدأ مواكبته للأحداث الجارية:
القرآن الكريم في نزوله كان ينزل حسب الحوادث والوقائع أي: كلما حدثت حادثة ونزلت نازلة إلا ونزل من القرآن فيها شيء وهذا المبدأ التعلمي القرآني نلاحظه في أسباب النزول على نطاقه الواسع.
- مبدأ حسن العرض للأفكار:
وهذا المبدأ التعلمي شمولي في القرآن بمعنى أن هذا هو النهج القرآني المتبع في العملية التعلمية للفئة المستهدفة، ويمكنك أن تأخذ أي آية من القرآن فإنك ستجدها متسلسلة ومنظمة تنظيما دقيقا؛ لأنها ليست من كلام البشر.
- مبدأ العدل:
يقرر القرآن مبدأ العدل على أنه أمر واجب التطبيق، إذ يقول الحق تعالى: {إن الله يامر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى…} وقوله سبحانه: { إن الله يامركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} فانطلاقا من هذا يجب على الأستاذ أن يكون عادلا في قسمه مع تلامذته.
ثالثا: وسائل وأدوات نظام التعلم في القرآن الكريم:
هذه الوسائل الأساسية لخصها القرآن الكريم في آية جامعة مانعة حيث يقول الحق سبحانه فيها
}وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (النحل، 78)
وهناك من تحدث عن وسائل العلم فقال:( وسائل العلم الحواس، الاستقراء، التحليل العقلي، والتلقي بالقلب، والرجوع إلى الله؛ وهو المرجع لجميع الحقائق، ومن وسائله كذلك العبادة والطاعة والاستقامة [واتقوا الله ] وفي حديث قدسي (من عمل بما علم علمه الله علم مالم يعلم ) فطاعة الله والسير على منهجه من وسائل النمو العلمي [12].
فالأفراد تتفاوت قدراتهم العقلية واستعداداتهم وميولهم وذكاؤهم… فقد نبه القرآن الكريم إلى ضرورة أخذ خصائص كلّ مرحلة من مراحل النمو في الاعتبار عند إعطاء الجرعات التعليمية والتربوية للأفراد، قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)} (البقرة/ 286
رابعا: بعض خصائص التعلم في الكتاب:
- الثبات والمرونة:
أي أن هذه النظرية مأخوذة من مصدر ثابت؛ لا يقبل التحريف ولا التزييف ولا التبديل، لأنه ليس من كلام البشر، أما كلام البشر فيدخله التعديل بين الحين والآخر، يقول الله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }الحجر، والقرآن مرن في الوقت ذاته لأنه يواكب المستجدات، وهو صالح لكل زمان ومكان.
- القصد في اللفظ والوفاء بحق المعنى.
فأبلغ البلغاء إذا حفل باللفظ أضر بالمعنى، وإذا حفل بالمعنى أضر باللفظ. نهايتان مَن حاول أن يجمع بينهما وقف منهما موقف الزوج بين ضرتين، لا يستطيع أن يعدل بينهما دون ميل إلى إحداهما.فالقرآن له قصد في اللفظ، مع الوفاء بحق المعنى وهذا الأمر لن يتأتى لمعلم مهما سما كعبه في العربية واستعمالاتها.
- إقناع العقل وإمتاع العاطفة:
فى النفس قوتان، قوة تفكير وقوة وجدان. وحاجة كل واحدة منهما غير حاجة الأخرى. ولا تجد بليغاً يفى لك بحاجة القوتين في عبارة واحدة. ولكنك تجد ذلك في القرآن الحكيم. في أجمل صورة وأوضح بيان[13].
إذن ذلك هو نظام التعلم من خلال القرآن الكريم بصفة مختصرة وموجزة، وإلا فإن الموضوع في الحقيقة يحتاج إلى دراسة أعمق، وبحث مدقق، لكن كما يقال مالا يدرك كله لا يترك جله، ونحن في هذا حاولنا جاهدين قدر المستطاع أن نعطي لمحة مبسطة عن أهمية نظرية التعلم من حيث مبادؤها وأساليبها وأدواتها ووسائها إضافة إلى بعض خصائصها ليظهر لنا بذلك أن موضوع التعلم موضوع جلل وجليل، فهو جلل من حيث مسؤوليته، وجليل من حيث مكانته، وليس من جهل كمن تعلم، فالفرق بينهما لا يوصف (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) لا وألف لا، والله ولي التوفيق.
[1] مقدمة ابن خلدون ص: 684، دار الفجر للتراث ، القاهرة، ط:الأولى، 1425هـ / 2004م، تحقيق: حامد أحمد الطاهر.
[2] في ظلال القرآن لسيد قطب ج:2، ص: 877.
[3] للرجوع إلى قصة موسى مع الخضر بتفصيل إقرأ سورة الكهف من الآية: 59، إلى الآية: 81
فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي ج:2، ص: 109.[4]
[5] في ظلال القرآن لسيد قطب ج:5، ص: 2781.
[6] الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه لعبد القادر عودة (المتوفى: 1373هـ) ص:51، الناشر: الاتحاد الإسلامي للمنظمات الطلابية الطبعة: الخامسة، 1405 هـ – 1985 م
[7] المصدر السابق ص:50.
[8] من أساليب التربية في القرآن الكريم للدكتور عثمان قدري مكانيي
[9] أنظر على سبيل المثال سورة هود.
[10] التصوير الفني في القرآن الكريم لسيد قطب ص: 143.
[11] من أساليب التربية في القرآن الكريم للدكتور عثمان قدري، ص:362.
[12] التربية الإسلامية دراسة مقارنة للدكتور محمد أحمد جاد صبح، ج:2، ص: 128، دار الجيل بيروت، ط:1413هـ / 1993م.
[13] للإطلاع على هذه الخصائص إقرأ كتاب: النبأ العظيم نظرات جديدة في القرآن الكريم للدكتور محمد عبد الله دراز، ص:143إلى: 152.