نظر في “أَعْلَوِيَّةِ الخُلُقِ” واستوائِه على “عرش العقل”
هوية بريس – ميمون نكاز
لم يٌمدَحِ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بعظمة العقل، وإنما مدح بعظمة الخلق وبالأعلوية فيه{وإنك لعلى خلق عظيم}[القلم ٤]،كأنه -هو بنفسي وأهلي وولدي- قد استوى على عرش الأخلاق، وهو عليه الصلاة والسلام بلا ريب بالغٌ في العقل تمامَه وكماله كذلك، وفي التوصيف بالأعلوية على الخلق تضمين لشرط الأعلوية المحمودة والمطلوبة على “الخَلْق” بالأخلاق، بحسبانها “أعلوية هداية وإمامة”، وبلحاظ قصدها إلى “إعلاء قدر الإنسان”، بخلاف “الأعلوية عليهم بالعقل” فهي واردة ممكنة، وهي قائمة حاصلة، ولا برهان فيها على “الاستحقاق”، بل البرهان ناهض عليها ببيان آفة العدوان فيها على “الخَلْقِ” بالتحكم والاسترقاق والجبروت والطغيان، وذلك ظاهر تمام الظهور في الوجهة الاستعلائية للغرب السلطاني…
“عظمة العقل” من “عظمة التَّخَلُّقِ فيه”، و”الخُلُقُ” أقربُ رَحِمٍ وأوصلُه بالخَلْق، فبه تُضَمُّ أشتاتُ الإنسان ويُرفًع قدرُه، وإن شئت قلت: “الخُلُقُ” أرحمُ بالخَلق من “العقل”، وإن كان للعقل في الخَلق بعض الرحمة، فإنها لا تمام لها ولا كمال فيها إلا باستواء “الخُلُق” على “عرش العقل”، فإذا فقدت حضارة الإنسان “أعلوية الأخلاق” على “نتاج العقل ومعقولاته”، انقلب العقل في أفعاله من كونه “سلطانا” إلى صيرورته “متسلطا” على الإنسان والطبيعة والوجود، وعلى الأخلاق والقيم، وفي مجاري الحضارة الغالبة اليوم -على صدق ذلك وصحته- ألف دليل وألف برهان… فمن انقلاب “العقل” على “الأخلاق” انقلب على نفسه، ومن ثمة ينقلب بانقلابه على نفسه من “السلطان على الأشياء” إلى “التسلط” على “الإنسان العاقل نفسه”، وذلك كائن منه لا محالة إذ يجاوز حدوده…