نعم نصلي.. لكن هل نصلي؟
هوية بريس – إسماعيل المرغادي
الحمد لله الذي شرع الصلاة وعظم شأنها، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي جعلت قرة عينه في الصلاة حتى قال لبلال: “أرحنا بها”، وعلى آله وأصحابه الكرام الصفوة النبها.
أما بعد، فإن الصلاة أعظم ما أمر الله به بعد التوحيد، وثمراتها وفضائلها كثيرة جليلة. فهي سعادة وانشراح، وسعة في الرزق، ونجاة يوم القيامة، ونور في الظلمات، وقربة إلى الله، وكشف للكربات، وقوة في البدن، وطمأنينة عند المزعجات، وإعانة على الصبر في الشدائد، وغير ذلك من الفضائل والثمرات.
وهاهنا سؤال يطرح نفسه، كما يقال، وهو أن كثيرا من المسلمين يؤدون الصلاة ويركعون ويسجدون، لكن لا نجد أثر هذه الصلاة وثمراتها في حياتهم، وكذا في واقع الأمة وحالها. فأين الخلل وما السبب؟
والجواب، والعلم عند الله تعالى، أن كثيرا من المسلمين لا يصلون الصلاة التي تزكو بها النفوس وتصلح الأحوال؛ ففئة من المصلين يصلون الصلوات الخمس ويركعون ويسجدون لكن لا يداومون على ذلك بل يصلون ويتركون. يصلون في حال الفراغ، فإذا أتى ما يشغلهم من متاع الدنيا تركوا الصلاة، بل إن منهم من يشغله عن الصلاة اللهو الباطل من المباريات الرياضية والرحلات الترفيهية، زعموا.
ألم يعلم هؤلاء أن الصلاة أعظم وأجل ما ينشغل به العبد، فالصلاة تشغل عن غيرها، ولا شيء يشغل عنها.
فلو كان العزاء يجدي لعزينا هؤلاء فيما أضاعوا وحرموا أنفسهم من الخير.
وكثير منهم يداومون على الصلاة ولا يتركونها لكنهم لا يحافظون على الصلاة في وقتها، فيؤخرونها عن الوقت الشرعي لها بأعذار واهية غير مقبولة، لا تنفعهم عند لقاء الله. ألم يعلموا أنه لا عذر في تأخير الصلاة عن وقتها إلا لمن فقد عقله أو غاب عنه وعيه. وهذا الصنف ليسوا من الصنف الأول ببعيد، وقد عرضوا أنفسهم للهلاك وهم يحسبون أنهم على شيء.
وكثير من المصلين لا يحققون شروط الصلاة، فهذا يتيمم من غير عذر يبيح التيمم، وهذا لا يستر عورته، فيصلي في ثياب ضيقة، أو كاشفة رقيقة، أو قصيرة، خاصة عند الشباب، حتى إن بعضهم ينكشف شيء من مقعدته. وذلك لأنهم عظموا الموضة والمظاهر ولم يبالوا بالصلاة، ولو عظمت الصلاة في قلوبهم لستروا عورتهم ولم يلتفتوا إلى الأذواق والمظاهر والموضة وتقليد السفلة.
وكثير ممن يصلون ويحققون الشروط ويصلون في الوقت، لا يقيمون فرائض الصلاة، فمنهم من لا يحسن التكبير، ومنهم من يلحن في الفاتحة ويخطئ في قراءتها أخطاء فاحشة تبطل بها الصلاة، ومنهم من يصلي جالسا بغير عذر شرعي، ومنهم من يسرع في صلاته ولا يطمئن في الركوع ولا في السجود، ومنهم من يلتفت يمينا وشمالا، وربما أداه ذلك إلى الاتجاه إلى غير القبلة، وهلم جرا.
ولهذا كله أسباب منها عدم تقدير الصلاة حق قدرها وعدم الاهتمام بالسؤال عن أحكامها.
وهؤلاء جميعا ممن تقدم ذكرهم داخلون في قوله تعالى: (فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون)، أي: لا يؤدونها في وقتها ولا يقيمونها على وجهها(1).
وكثير ممن يحقق الشروط والفرائض لا يصلون في المسجد مع الجماعة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالصلاة في الجماعة وحذر من التخلف عنها. والصلاة في الجماعة تصون صلاة العبد من كثير من الأخطاء التي قد تؤثر في صحتها.
وبقي من المصلين عدد سلموا من كل ما سبق ذكره، لكن أكثر هؤلاء لا يخشعون في صلاتهم، فالأبدان في الصلاة وداخل المسجد، والقلوب في الفلاة وخيالات الدنيا.
فيا ترى كم بقي، بعد هؤلاء، ممن يصلي الصلاة التي يحبها الله، لا شك أنهم قليل جدا، كما قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه: ” يوشِكُ أن تدخُلَ مسجدَ جماعةٍ فلا ترَى فيهِ رجلًا خاشعًا”.
وبهذا يتبين أننا لا نصلي كما أمر ربنا عز وجل، إلا من وفقه الله، وقليل ما هم. وهذا سبب ما نحن فيه من كثرة الفواحش والمنكرات والمخالفات التي هي سبب ذلنا وضعفنا، وسبب المصائب المتنوعة التي حلت بنا؛ لأن صلاتنا ليست هي الصلاة التي قال الله تعالى فيها: (إن الصلوة تنهى عن الفحشاء والمنكر).
فعلى كل مسلم أن يجتهد في تعلم وإقامة الصلاة التي يحبها الله. لا أن يصلي وفق هواه.
أسأل الله تعالى أن يتوب علينا جميعا وأن يهدينا لإقامة الصلاة على الوجه الذي يرضيه عنا.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آلهوصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــ
(1) “معاني الفاتحة وقصار المفصل” للشيخ الدكتور صالح بن عبد الله العصيمي حفظه الله..