نقائص في تدبير الشأن الديني في العقدين الأخيرين
هوية بريس – د. محمد بولوز
نقائص في تدبير الشأن الديني في العقدين الأخيرين لا يسع الملاحظ المنصف غير الإشادة عاليا بالثورة الهادئة التي قادها أمير المومنين محمد السادس حفظه الله في تدبير الشأن الديني بالمغرب منذ اعتلاء عرش المملكة وإلى الآن، وكأي عمل بشري، هناك حاجة مستمرة للنقد البناء والتقويم الإيجابي ورصد الحسنات والنظر في تقويتها وتكثيرها، واستعراض النقائص والآفات والعيوب والنظر في إصلاحها وتدارك تقويمها، بغية التجويد والتطوير والتحسين والتصحيح.
وأول الإيجابيات التي تستحق الافتخار والإشادة وجود رؤية ناظمة وتصور واضح المعالم وخطة محكمة البناء يشهد بذلك الملاحظ الداخلي المنصف وكذا الملاحظ الخارجي للشأن الديني ببلادنا،حيث انتقل المجال وبقوة إلى العمل المؤسساتي والقانوني، الذي يضمن الاستمرارية وتنفيذ البرامج بغض النظر عن الزمن الإداري أو السلطة السياسية للحكومة، فوضعت خطة واضحة للعناية بالمساجد وتمت هيكلة المجالس العلمية لتشمل مختلف الجهات والعمالات وعلى رأسها المجلس العلمي الأعلى، وتمت العناية بالعنصر البشري من خلال خطة معتبرة للتكوين والتكوين المستمر في إطار ثوابت المملكة ومقوماتها الوطنية، ونالت المرأة مكانة معتبرة في تركبة المجالس العلمية عالمة وواعظة ومؤطرة ومرشدة دينية، والعناية بجانب نشر الكتب العلمية والتراث الإسلامي الذي تباشره الرابطة المحمدية للعلماء والتي تعد من أوائل الناشرين في المغرب، وتم إحداث مؤسستين إعلاميتين تساهمان بفعالية في التأطير الديني للمواطنين: ويتعلق الأمر بإذاعة محمد السادس للقرآن الكريم (أكتوبر 2004) وقناة محمد السادس للقرآن الكريم (نونبر 2005). واستطاعت الإذاعة فعلا تبوء مكانة معتبرة ومقدرة في الإعلام الوطني.
يضاف إلى ذلك إحادث مؤسسة محمد السادس للعناية بالقيمين الدينيين، ومؤسسة طباعة المصحف المحمدي التي غطت حاجيات المساجد من المصاحف بل وصل أثرها إلى كثير من الدول الإفريقية، وكذا إحداث مؤسستين علميتين تهتمان بالشأن الإفريقي الديني وكذا شؤون الجالية المغربية الدينية بأوربا..
وتمت العناية بالتعليم والتكوين الديني من خلال هيكلة التعليم العتيق والاعتراف الرسمي بشواهد رواده فانخرطوا بانسيابية في الجامعة المغربية وفي مؤسسات تكوين الأطر والوظائف في مختلف المؤسسات حسب مؤهلاتهم وما يناسب تكوينهم، فكان بحق فتحا مبينا على هذه الفئة التي ظلت ردحا من الزمن على الهامش، وتم إرساء دعائم النظام التربوي وبرنامج محو الأمية بالمساجد فتحققت نجاحات فاقت ما كان في قطاعات أخرى من قطاعات الدولة وخصوصا في صفوف المرأة.
وأما عن بعض الملاحظات:
فالملاحظة الأولى: تهم الانسحاب التدريجي للعلماء من الشأن العام ومن التأثير فيه وتوجيهه، فالقيم والأصول والثوابت تضرب صباح مساء وتنتهك حتى وصل الأمر للطعن في الذات الإلهية والتشكيك في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فضلا عن بعض الصحابة كأبي بكر وعمر وأبي هريرة رضي الله عنهم ومن بعدهم كالبخاري رحمه الله ووصف النبي صلى الله عليه وسلم بالإرهاب، وكان الضرب في قطعيات الشريعة والميراث…
كل ذلك وقع ويقع باستمرار ولا نكاد نسمع للعلماء ولمجالسهم ركزا ولا صوتا ولا حسيسا ولا دفاعا إلا من رحم الله من بعض الأفراد هنا وهناك إن أفلتوا من سيف التوقيف والإسكات بحجج تافهة واهية فللجميع الحق في الكلام والنقد، ولكل من هب ودب الإدلاء بدلوه إلا العلماء، حيث خفت ركن عظيم من الدين وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المغرب من طرف العلماء، ونقص الأمر كثيرا عما كان عليه زمن رابطة علماء المغرب، وفي زمن الحسن الثاني رحمه الله والذي كان يوصف عهده رحمه الله بأنه أقل من العهد الجديد في مجال الحريات، ومن يقف على بيانات رابطة علماء المغرب يقف على مقدار ما كان للعلماء من جرأة وشجاعة في تناول مختلف مظاهر الخلل في المجتمع والدولة، الأمر الذي تم قبره الآن.
والملاحظة الثانية:
اتسع ترويج الخرافة والخزعبلات في العقدين الأخيرين وازداد في المغرب العناية بالأضرحة ومواسمها بحجة خدمة التصوف والأولياء وهو ما يمس في العمق أصل التوحيد العظيم في الدين.. ويسائل النفقات الكبيرة من وزارة الأوقاف في المجال، فلو أنفق ذلك على الأئمة والوعاظ والقيمين الدينيين ونحن نعرف أحوالهم وأوضاعهم، لكان أنفع لهم وللأمة من إنفاق تلك الإموال على أموات المسلمين رحمهم الله تعالى، ولو تم تقييد دعم التصوف بانضباطه لمنهج الجنيد السالك رحمه الله والذي نص على العناية بالتزكية وفق الكتاب والسنة لما انتعشت مظاهر ما أنزل الله بها من سلطان، من الطرق البدعية التي حادت عن السنة، وكذا بعض برامج إذاعة محمد الساس وما يبث فيها أحيانا من قصائد وأهازيج وحكايات خرافية بعيدة عن هدي الوحيين.
والملاحظة الثالثة:
ضعف أو غياب مبدأ الشراكة وإشراك مختلف الفاعلين الدينيين في هيكلة المجال الديني، حيث يكاد يكون التدبير من طرف واحد ووحيد أي المخزن وحده ومنه الوزارة الوصية فلا إشراك للأطراف المدنية والشعبية في المجال الديني كالحركات الإسلامية والسلفية المعتدلة والطرق الصوفية ذات المنهج الجنيدي السليم، الأمر الذي يخالف ما يحدث في مجالات أخرى كحقوق الإنسان والعدل والحريات حيث تكون شراكة بين الدولة وجمعيات المجتمع المدني.
فحتى العلماء يظهر أنهم إنما يتلقون وينزلون وينفذون، ففي الوقت الذي يتحدث فيه عن التعددية واحترام الرأي الآخر وتوسيع الحريات يكون مصير العلماء هو التزام الرأي الواحد والموقف الواحد وما كان يتسع له المذهب المالكي من آراء داخله يقابله الضيق بالرأي الآخر في المجال الديني عموما، وحتى إذا كان من حديث عن الانفتاح فيقصد به الانفتاح على خارج الدائرة الإسلامية كاليهود والنصارى وليس اجتهادات الدائرة الإسلامية، فضلا عن سيادة منطق التعيينات في المناصب الدينية، ولا مجال للحديث عن اختيار العلماء بعض من يمثلهم، وكأنهم غير مؤهلين ليمارسوا الشورى والديموقراطية الداخلية. فالشورى كما هو معلوم تعطي أفضل العناصر وأجودها وأحسن القرارات وأرشدها.
والملاحظة الرابعة:
تهم بعض مظاهر تخلف وزارة الأوقاف في مجال النزاهة والحكامة الجيدة والتدبير المعقلن والشفافية في التسيير، مقارنة بما نجده من محاولات لا باس بها في مجالات ووزارات أخرى، حيث تبقى تساؤلات عديدة في تدبير مالية الأوقاف، هل تتوجه إلى ما يجب أن تتوجه له بحسب الأولويات الدينية أم تدخل اعتبارات أخرى؟!
هل وقف الناس يراعى فيه دائما نيات ومقاصد الواقفين أم يتم توسيع الاجتهاد في تدبيرها حتى تبتعد عن مقاصد أهلها، فتهجم على المرء تساؤلات وهو يسمع نفقات الأوقاف على الأضرحة وعلى أمور تراثية وتاريخية وما يدخل في الخط والزخرفة وغيرها، وهل تراعى معايير موضوعية وعادلة بين العاملين في المجال الديني في إسناد بعض المهام الدينية؟!
ومثال ذلك ما يجري في تأطير الجالية المغربية المقيمة بالخارج وتطاير الحجاج فتجد وجوها تتكرر كل سنة في حين زملاء لهم من سنوات لم يدعوا لشيء من ذلك، وهم لا يقلون كفاءة عن زملائهم إن لم يتفوقوا عليهم، وأيضا غياب مسطرة واضحة وجلية ومعايير دقيقة لتوقيف الخطباء هنا وهناك وبلا حقوق الدفاع عن الشطط الذي يمكن أن يلحق بهم..
الملاحظة الخامسة:
لا نسمع عن تشخيص دقيق للحالة الدينية في المغرب برصد الايجابيات وتثمينها ورصد المشكلات والتصدي لها ومعرفة الحاجات الحقيقية والسعي للاستجابة لها، فأين وصل مؤشر توحيد الله ونبذ مختلف أشكال الشرك المحبط للأعمال كلها والذي يهدد أصحابه بسوء العاقبة في الآخرة؟
وأين وصل مؤشر الصلاة وهو أعظم أركان الدين وكذلك الشأن في فريضة الزكاة وغيرها من الفرائض والواجبات الشرعية؟
وماذا عن الكبائر العظيمة كعقوق الوالدين والسحر والربا واكل أموال اليتامى وحرمان النساء من الميراث وباقي الذنوب كالرشوة والقمار ومظاهر الغش وغيرها ومشاكل الأسرة من عزوف عن الزواج وارتفاع نسب الطلاق… ويمكن مباشرة أبحاث ميدانية اجتماعية والاستفادة من الإحصاء الوطني ودراسات القطاعات المختلفة وأرشيف المحاكم ونحو ذلك من مصادر الرصد والمعطيات لبلورة رؤى المعالجة بالتربية الدينية وبرامج المجالس العلمية وتوجيهات الخطباء والوعاظ ونحو ذلك.
واعتقد أن الايجابيات أكثر وأكبر، ومن شأن تدارك هذه النقائص والآفات وغيرها، أن يرقى بمجالنا الديني إلى آفاق عليا في الجودة والتطوير والإبداع بما يحفظ على الناس دينهم ويساهم بقسط وافر في إقامة الدين وإصلاح المجتمع واستمرار الإشعاع الديني لبلدنا واسعا قويا في العالمين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بارك الله في الشيخ الجليل أقل مايقال في هذا المقال انك وضعت الاصبع على الجرح ملاحظات قيمة في الإيجابيات وأجمل منها الملاحظات في النقائص كلام طيب وجميل يجب أخذه بعين الاعتبار خصوصا إذا كانت الدولة حقيقة تريد إصلاح المجال الديني وتريد إصلاح حال البلاد والعباد فجزاك الله خيرا وكثر من امثالك