نموذج وليد الركراكي في الرياضة: هل يصلح لإصلاح السياسة؟
هوية بريس – بلال التليدي
قبل أيام حقق المنتخب المغربي فوزا صعبا أمام المنتخب الإسباني في ربع نهائي كأس العالم، وشعر العالم العربي بفخر كبير بهذا الإنجاز الذي لم يسبق لأي منتخب عربي أن يحققه، وتواترت موجة من التحليلات تحاول مواكبة الحدث وقراءة أسباب هذا النجاح، وهل يكمن في الجهد الإداري الذي قامت الجامعة المغربية لكرة القدم، أم الدعم المالي، أم قرار إعفاء المدرب السابق، وحيد خاليلوزيتش الذي قاد المنتخب المغربي إلى التأهيل لكأس العالم، وتعيين وليد الركراكي خلفا له، أم يعود للجهد الكبير الذي قام به المدرب الجديد في بناء الفريق وإعادة اللحمة الجامعة له، أم يعود إلى الفرديات التي يتمتع بها هذا المنتخب الذي يضم من بين لاعبيه عددا من المحترفين الذين يلعبون في كبريات الأندية الأوروبية.
والواقع أن هذا المقال، لن يجاري تحليلات المختصين في الرياضة المولعين بدراسة التفاصيل، ولن يجاري أيضا ما تردده الصحافة التي تتبع الخبر، وتدرس تصريحات المدربين والمتخصصين عن طريقة لعب هذا الفريق وطريقة لعب الآخر، والأخطاء التي حصلت في الخطط والقرارات.
هذه التفاصيل مهمة، وهي جزء من الجزئيات التي يأخذها المدربون بعين الاعتبار في بناء استراتيجيات لعبهم، لكن ما يهم هو التوقف عند القيم، التي بلورت هذا المشروع الجديد الذي ربما نراه أول مرة في ساحة اللعب الدولي.
نسميه مشروعا، لأن عناصره لا تنسحب على الرياضة فقط، بل يمكن استصحابها في كل المجالات، وقراءة ظاهرة النجاح من زاويتها، وأيضا قراءة ظاهرة الفشل من خلفيتها، والمثير للانتباه أن عناصر هذا المشروع، يمكن أن يقرأ بها أيضا حقل السياسية، ويمكن أن تكون أرضية أساسية للنهوض بهذا الحقل ومعالجة مشكلاته المستعصية.
نبدأ تمرين كشف عناصر هذا المشروع، بالتريث الطويل في إقالة مدرب له أرقام جيدة، ومعروف بالجدية، لكن، تقدير الجامعة المغربية لكرة القدم، أن طريقته في إدارة الفريق لا تساعد في ضمان لحمته، ولا ضم الطاقات التي يمكن أن تقدم الكثير للمنتخب الوطني، فضلا عن افتراض له ما يبرره، يرى أن أجواء التشنج والتحكم في الفريق والإدارة العسكرية له، لا يمكن أن تؤدي لنتائج على المدى البعيد.
قرار الجامعة بإعفاء المدرب السابق في ذلك التوقيت كان يبدو أشبه ما يكون بمغامرة، خاصة وأن أسئلة كثيرة طرحت حول إمكانية أن يكون الجزء القليل المتبقي من الوقت كافيا بالنسبة لمدرب جديد، يوجد في سجل أرقامه كسب بطولة، وكأس الكاف للأندية البطلة، ولم يسبق له أن درب منتخبا من المنتخبات الوطنية.
الكثيرون اعتبروا أن القرار كان مؤسسا على فكرة ضرورة وجود ناخب وطني، وأن التجارب العربية، أثبتت نجاح هذا النموذج، مع مصر (محمود شحاتة) ومع الجزائر (جمال بلماضي) وغيرهما، لكن في الواقع، لم يكن هذا هو المبرر، وإنما كان الدافع للبحث عن مدرب جديد، هو الجو المشحون الذي كان داخل المنتخب الوطني في عهد المدرب السابق، وحالة اللاثقة في إمكان أن يحقق منتخب خاليلوزيتش إنجازا معتبرا في المونديال.
نتوقف في أول نقاط المشروع على ثلاث قيم أساسية، الأولى، هي الثقة، التي منحها مدرب وطني شاب، حقق إنجازات كبيرة، ونتوقف على قيمة ثانية، هي إنهاء التشنج وتوفير شروط انسجام وحافزية للعب الجماعي، ونتوقف في القيمة الثالثة، على المصالحة، أي إعادة ضم اللاعبين الذين تم وصمهم بصفات التمرد والفوضى وغير ذلك مما يؤثر في وحدة الفريق وتماسكه وقوته.
نجحت عملية المصالحة، لكنها أديرت بشكل ذكي، فتم في البدء إنهاء مشكلة نصير مزراوي، ثم بعدها حكيم زياش، وتم تأخير مشكلة حمد الله بوقت طويل، وذلك حتى يتم تأمين شروط الالتحاق وفق شروط تضمن وحدة الفريق وانضباطه.
لحد الآن لا يعرف أحد الخطاب الذي كان يوجهه وليد الركراكي إلى لاعبيه في التدريب، ولا حتى في غرف الملابس، والقليل النادر مما رشح من هذا الحديث، لا يقدم صورة كاملة عن رؤية هذا المدرب للعب، لكن، في مقابل ذلك، ثمة كم هائل من التصريحات الإعلامية التي أدلى بها المدرب، وكون من خلالها الجمهور والمنافس رؤية عن شخصيته وطريقة إدارته للفريق.
من المهم جدا أن تدرس تصريحات هذا الرجل، الذي استطاع أن يدخل مفاهيم جديدة للفضاء الرياضي مثل النية في الله، ورضا الوالدين، وبشكل خاص رضا الوالدة، والوطن، وضرورة القتال والشراسة في تحقيق ما تتطلع إليه العائلة أو البلاد.
هذه القيم الجديدة التي أدخلها وليد الركراكي للفضاء الرياضي، جعلت اللاعبين والجمهور المغربي الواسع، يبدد كل التخوفات التي كانت تملأ الفضاء الصحافي بالعناوين عن قوة الفرق الأوروبية أو الفرق اللاتينية، والتي كانت من غير قصد تثير حالة هزيمة تدفع اللاعبين إلى الخوف، وتدقع الجمهور والصحافة إلى جلد المنتخب والفريق.
التركيب الذي جمع به وليد الركراكي هذه القيم الأربع، ألا أحد يمكن أن يفزع المنتخب، وأن الجميع يجب أن يصطف خلف الفريق، وأن يساهم في دعم معنوياته، وأن دور الصحافة قبل أن ينهي المنتخب مشواره، أن تساعد وتدعم وأن تكف عن نشر كل ما يمكن أن يهزم معنويات الفريق.
نجح وليد الركراكي في خطابه التواصلي، رغم أنه لا يتقن اللغة العربية، بل لا يتقن حتى الدارجة المغربية، لأن الرجل ولد في ضواحي باريس، ونشأ هناك، وتردد في اللعب لعدد من الأندية الأوروبية، لكنه يتقن الحديث بعدد من اللغات الأجنبية.
آخر قيمة في المشروع الذي تبناه وليد الركراكي، هو الواقعية، فمنذ البداية، نجح في أن يهزم أحد أشد الخطابات هيمنة على الفضاء الرياضي، ذلك الخطاب الذي كان يركز على الأداء، وأن يكون رائعا، فقد هزم الركراكي هذا الخطاب، وبين أن الهدف هو الفوز، لا تقديم أداء رائع يبهر الجمهور ويمتعه، وأن من أراد المتعة فعليه أن يتابع فريق برشلونة.
هذه الواقعية، هي التي جعلته يواجه انتقادات كبيرة عند مواجهته لفريق كرواتيا، ولماذا لعب بأسلوب حذر، ولم يتحرك كثيرا للهجوم، لكنه، كان يقدر بأن فريق كرواتيا قوي، وأن اللعب المفتوح معه، سيؤدي إلى هزيمة للمنتخب المغربي، وبسبب هذه الواقعية التي التزمها مع منخب بلجيكا، فقد نجح في أن يضمن فوزا كبيرا على هذا الفريق.
تكررت هذه الواقعية مع إسبانيا، فالرجل يدرك أن فريقا كبيرا مثل إسبانيا، لا يمكن هزمه باللعب المفتوح، وأن إحداث كتلة أو كتلتين في الدفاع، مهما يكن الأمر، سيكلف المنتخب الإسباني جهدا كبيرا، ولذلك كان مما رشح من تصريحاته في غرفة الملابس بين الشوطين، إذ قال للاعبيه: «بقيت لدينا خمس وأربعين دقيقة، قاتلوا حتى تمر: لأن الرجل يدرك بواقعتيه أن لديه حارسا عالميا يمكن أن يحدث المفاجأة في ضربات الترجيح، لاسيما أمام فريق منهك مضغوط عليه من قبل المدرب والجمهور، بأن يحسم النتيجة في الدقيقة تسعين.
ملخص هذا المشروع، هو استبدال الجدي المستبدل العادل، بالجدي الحواري المندمج المتجذر من الشعب يؤمن بقيم المغاربة، والرهان على وحدة الفريق وتماكسه والتصالح مع اللاعبين، وبناء عائلة واحدة، تثق بالله، وتثق بقدراتها، وتحقق تطلعات العائلة والوطن، وتقاتل بشراسة، لكن بأهداف واقعية قابلة للتطبيق.
هذه العناصر، في الجوهر لا تصلح فقط لإصلاح حقل الرياضة، بل إنها تصلح لأن تكون قاعدة لإصلاح السياسة في الوطن العربي برمته، بما في ذلك المشهد السياسي في المغرب نفسه، إذ لا ينقص في حقل السياسة في عالمنا العربي، سوى أن تؤدي العملية الانتخابية لفوز نخب وطنية، وتؤمن بقيم الشعب، وتقاتل من أجل العائلة والوطن، إذ هما شيء واحد، بل إن العائلة بقيمها هي من تبني الوطن، وأن تحصل المصالحة مع كل مكونات المجتمع، لكن على قاعدة الإدماج في وحدة الوطن والدفاع عن مصالحه والتشبث بقيمه.