نهاية السياسية مع حزب أخنوش

نهاية السياسية مع حزب أخنوش
هوية بريس – سعيد الغماز
يقوم حزب التجمع الوطني للأحرار بلقاءات حزبية جهوية يرأسها رئيس الحزب السيد عزيز أخنوش. وتعتبر هذه اللقاءات الجهوية من أبرز أنشطة حزب الأحرار الذي يقود الحكومة. خلالها يتناول الكلمة نخبة الحزب التي تعكس مستواه، وتبرز وعيه السياسي وتوضح مدى قدرة الحزب على تأطير المواطنين.
المواطن المتابع للشأن العام، ينتظر من هذه التجمعات، بكل تلقائية، تصريحات مفيدة ومواقف واضحة وتحاليل رصينة. لكنه يجد عقب كل لقاء تصريحات شاذة، تعكس غياب الوعي بالممارسة السياسية السليمة، وبرداءة التأطير السياسي، وضعف المستوى السياسي لنخبة الحزب التي تتعاقب على منصة الخطابة.
نقول هذا الكلام لأن المتشبع بالممارسة السياسية الواعية والسليمة، داخل الأحزاب الحقيقية، يجد أن هذه اللقاءات الجهوية ليست في إطار حزب سياسي اسمه “التجمع الوطني للأحرار”، وإنما هي لقاءات باسم حزب أخنوش. فتدخلات نخب الحزب، كلها متشابهة، وكلها على نمط واحد وبلغة واحدة: “إنكم السيد الرئيس قمتم بعمل غير مسبوق وحققتم ما تعجز عنه ليس الأحزاب بل الجبال والهضاب..”. إنها لغة تذكرنا بعصر أبيات المديح مقابل أكياس من الدنانير.
لذلك سوف لن نتحدث عن حزب التجمع الوطني للأحرار، وإنما سنتحدث عن حزب أخنوش. فالحزب أصبح هو أخنوش، وأخنوش أضحى هو الحزب. فلا يمكن لمن يقف وراء منصة الخطابة، أن يقول كلمته دون أن يردد متلازمة “كتعرفوا السيد الرئيس…أنتم السيد الرئيس…”، وكأننا أمام نخب حزبية تتنافس في ترديد أكبر عدد من هذه المتلازمة، وكأنه المقياس للترقي الحزبي.
هذا الواقع يفرض علينا التساؤل التالي: هل من يخطب في المنصة أمام السيد الرئيس، يخطب بكفاءته وثقافته ووعيه السياسي؟ أم أنه مضطر للحديث بلغة المديح للسيد الرئيس، خوفا من التهميش، وربما فقدان أكياس الدنانير، والتي تعني في عصرنا المصالح والمسؤوليات ووكلاء اللوائح الانتخابية.
أخر حلقة من سلسلة فضائح تصريحات نخبة حزب أخنوش، ما قالته سيدة من نخب الحزب بين قوسين، اعتلت منصة الخطابة أمام رئيسها، ثم قالت “البيجيدي حوَّل القنيطرة إلى شبه قرية…لا صحة لا بنيات تحتية لا نقل … لقينها جرداء”. هذه عينة فقط من تصريحات نخب الحزب، وهي فقط الشجرة التي تخفي غابة انعدام التأطير وغياب شيء اسمه السياسة في حزب أخنوش.
المتتبع لهذا التصريح، يجب أن يحمل في دماغه عقل “ميستر بين” لفهم ما تنطق به هذه السيدة. باستعمال العقل الساذج لشخصية “ميستر بين”، يمكنني أن أفهم أن الأمر يتعلق بحزب تحمل المسؤولية، فقام بجرف الطرقات المعبدة، وهدْم المستشفيات القائمة، وسحْب الحافلات وتعويضها بالدواب تجر العربات…أرادت السيدة المحسوبة على نخب الحزب كيل المديح أمام الرئيس علها تظفر بكيس من الامتيازات، فإذا بها تسقط في كيس الرداءة والتملق من حيث لا تدري. وهذه ممارسة بعيدة كل البعد عن دور الأحزاب في تأطير المواطنين.
الغريب في اللقاءات الجهوية لحزب أخنوش، هو أن غريمه حزب العدالة والتنمية، يكون حاضرا بقوة في كل تلك اللقاءات. كيف لحزب لا يتوفر على فريق برلماني، يتحول إلى موضوع رئيسي ويكون أبرز عناوين لقاءات حزب حاصل على الأغلبية في البرلمان ويقود الحكومة.
هنا نلمس الفرق بين نخب حزب تمارس السياسة بوعي وكفاءة، ونخب حزب لا تتحدث عن الوعي السياسي، وحقوق المواطنين، والاختيار الديمقراطي، والنضال من أجل تقليص الفوارق الاجتماعية…بقدر ما هي نخب اختزلت الممارسة الحزبية في لغة المديح للرئيس وتنهل من مصطلحات شعر أكياس الدنانير.
لكن المثير للاستغراب في اللقاء الأخير لحزب أخنوش، هو ظهور سيدة أخرى تقول إنها انتقلت من جغرافية سياسية (تقصد حزب العدالة والتنمية) إلى جغرافية سياسية أخرى هي حزب أخنوش. المتتبع لكل نخب الحزب التي تعاقبت على منصة الخطابة، سيلمس حضور البصمة السياسية لحزب العدالة والتنمية داخل لقاء جهوي لحزب الحمامة.
على خلاف باقي المداخلات، تحدثت صاحبة تغيير الجغرافية السياسية، بلغة ومصطلحات ومفاهيم تعكس البصمة التي جعلتها ترتقي بالثقافة والفكر في تجربتها مع الجغرافية السياسية الأولى. لكن يبدو أنها في الجغرافية السياسية الثانية لم تربح أي شيء في حقل الفكر والثقافة والوعي السياسي، اللهم ترديدها متلازمة “السيد الرئيس قمتم بعمل غير مسبوق” لمرات عديدة كي لا يسبقها أحد في تكرار المتلازمة، لأنها الكيس الذي على أساسه توزع الامتيازات ونحن على أبواب الانتخابات.
هكذا يكون عنوان الانحدار السياسي، والتردي الفكري وليس فقط تغيير الجغرافية السياسية. وفعلا انتقلت صاحبة التصريح من جغرافية السياسة الحقيقية، إلى جغرافية التملق والمديح.
يبدو أن الجغرافية السياسية الحالية لهذه السيدة، جعلتها ينطبق عليها مقولة “تمشي الصحة ويبقى الفَّانْتْ”، بمعنى “تمشي” المبادئ والفكر الرصين الذي تعلمته السيدة في الجغرافية السياسية الأولى، لتحل مكانها ثقافة التملق والمديح. لكن رغم ذلك يبقى “الفَّانْتْ ديال الجغرافية السياسية الأولى” قائما ليبصم لقاء حزب أخنوش.



