نهاية سنة وسؤال الحصيلة
هوية بريس – ابراهيم أقنسوس
عند نهاية كل سنة ميلادية، تبادر الكثير من الهيئات المعنية بتدبير الشأن العام، محليا وإقليميا ووطنيا، إلى الحديث عما تعتبره حصيلتها، وتسارع إلى الرد على كل من يشير إليها، ويطالبها بتقديم الحساب، معتمدة على تقارير ورقية، وخطابات شفوية، مفعمة بالكثير من الكلام والحماسة والإدعاء، ومشفوعة بالكثير من الأرقام والإحصائيات، وبعض التفاصيل، التي تروق لها ؛ والغرض من كل هذا طبعا، هو الرغبة في إبراء الذمة، وتأكيد الأحقية في ممارسة التسيير والتدبير، وإبعاد كل ما من شأنه أن يعكر الصفو، ويفسد المزاج، ويضع الأفراد والهيئات موضع مساءلة.
نعم، ستكون هناك منجزات، أو ما يسمى كذلك، هذا أمر عادي و بدهي، كما ستكون هناك نواقص وثغرات، ولكن كيف نجلي ذلك، وكيف نصل إليه، بتمامه وتفاصيله، وكيف نقرؤه ونناقشه، وكيف نرتب عليه مايستلزمه ويقتضيه ؟؟ ؛ هذه هي الأسئلة، التي تقودنا إلى الحصيلة الفعلية والواقعية، وتضعنا حقا أمام ما كنا نفعله، أو لا نفعله، طيلة هذا العام، وما الذي يجب أن نفعله، في العام الجديد ؛ ولنا أن نتأمل هذه العينة من الأسئلة، التي يكرهها الكثيرون ؛ ما نوع المنجزات التي أمضيناها فعلا، واقعيا وليس ورقيا ؟، ما مستوى الأشغال التي أنهيناها، بتمامها وتفاصيلها، وبدفاتر تحملاتها ؟، كيف تم تدبير ميزانياتها، وكيف تم صرفها، وما مصير ما تبقى منها ؟، وما القول في المشاريع التي لم يتم إنجازها، لأسباب ظاهرة وغير ظاهرة ؟، ولماذا دائما لدينا أسباب غير ظاهرة، حين يتعلق الأمر بالتدبير؟، وما مصير تقارير المجلس الأعلى للحسابات، وغيره من الهيئات المعنية بمتابعة، أشكال التدبير والتسيير، ومنها ما يسمى عندنا، بلجن تقصي الحقائق، التي نسمع عنها، ولا نرى نتائجها ؟؟.
إن أوضح جواب يمكن تقديمه، عند نهاية كل سنة ميلادية، واستقبال سنة جديدة، هو هذا الواقع الذي يتحرك أمامنا، هو هذه الشوارع والأزقة، والبنيات التحتية المهترئة، التي تهزمها قطرات من الأمطار، بشهادة وزارة التجهيز ؛ هو هذه المستشفيات والمستوصفات التي تكره استقبال الفقراء من المواطنات والمواطنين، وتتضايق من وجودهم على أبوابها ؛ هو هذه المدارس والمؤسسات التعليمية، التي يعجز روادها، عن قراءة نص، أو كتابة فقرة، باللغة الرسمية للبلاد، بشهادة تقارير رسمية ؛ هو هذه الأفواج من المعطلين والمعطلات، الذين يتكاثرون، سنة بعد أخرى ؛ هو هذا الإعلام الذي لا يتحدث لغة الوطن، وهذه الصحافة التي لا يقرؤها أحد ؛ هو هذه الإدارة التي يمضي المواطنات و المواطنون على أبوابها، الساعات الطوال، من أجل تحرير وثيقة، أقل من عادية ؛ هو هذا الغلاء الذي أنهك جيوب المواطنين والمواطنات، ممن لا زالت لديهم جيوب.
إن المنجزات، حين تكون منجزات، لا تحتاج إلى من يتحدث عنها، ولا إلى من يجليها ويزينها، لأنها ببساطة، تتحول تلقائيا، إلى حياة جارية، يستفيد منها الجميع، ويتحدث عنها الجميع، ويفتخر بها الجميع ؛ ولنا أن نتأمل ما فعله المغاربة، حين استشعروا قيمة ما أنجزه الفريق الوطني، لكرة القدم، في دولة قطر ؛ ما يعني أن المنجزات الحقيقية والواقعية والحية، تتحدث عن نفسها، ولا تحتاج إلى من يتحين الفرص والمناسبات، ليتحدث عنها ؛ أو ليتحدث عن نفسه وهيئته من خلالها.